الاستقلال المالي والإداري للمحكمة الاتحادية العليا في ظل دستور العراق لسنة 2005

تعد المحكمة الاتحادية العليا أعلى سلطة قضائية في السلم القضائي العراقي استناداً لقرارها المرقم 44/أتحادية /2015 في 28/4/2015″ ….بأعتبار المحكمة الاتحادية العليا أعلى هيئة قضائية في السلم القضائي العراقي وفي السلطة القضائية الاتحادية ..”. ولذلك ينبغي أحاطتها بضمانات كافية لكي تمارس عملها بشكل مستقل وحظر كافة الأشخاص والسلطات من التدخل في شؤونها.

وأن استقلال المحكمة الاتحادية العليا عضوياً يعني إستقلالها كهيئة قضائية بأكملها بما فيها أعضاؤها عن السلطات الأخرى في الدولة,وخصوصاً إستقلالها عن السلطة التشريعية وعدم خضوعها لأي من السلطات الحاكمة في الدولة,وأن تكون خاضعة للقانون فقط وهذا ما أكدت عليه المادة(1) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30)لسنة 2005 تمارس هذه مهامها بشكل مستقل ولا سلطان عليها لغير القانون.

كما وأكدت المادة(92/أولاً) من دستور 2005 على استقلال المحكمة الاتحادية مالياً وإدارياً وبينت الفقرة(ثانياً) من نفس المادة آلية تكوين أعضاء المحكمة الاتحادية العليا وأحالت مسألة تنظيم طريقة أختيارهم وتحديد عددهم لقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب. بالإضافة إلى ذلك فقد أكدت المادة(2) من قانون المحكمة الاتحادية العليا المشار إليه أعلاه على الأستقلال المالي والإداري للمحكمة.

وبالنظر لطبيعة الموضوعات التي تختص بنظرها المحكمة الاتحادية العليا والواردة في المادة(93) من دستور العراق لسنة 2005 والمادة(4) من قانون المحكمة الاتحادية المذكور أعلاه هذا الامر ينعكس على طبيعة تنظيمها,لذا ينبغي أن يتم تنظيمها بموجب الدستور وبنصوص صريحة لا غموض فيها,لكي يضمن استقلالها بشكل تام ,وان لا يترك مجال للسلطات الحاكمة الأخرى في الدولة التدخل في تنظيمها بشكل يضمن أستقلال أعضاء هذه الهيئة حتى يتمكنون من ممارسة عملهم بشكل مستقل بعيداً عن تأثير السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ووفقاً للدستور فأن المحكمة الاتحادية العليا مستقلة مالياً وإدارياً وأن طريقة تنظيم أختيار أعضائها وتحديد عددهم ينظمها قانون المحكمة,وبالتالي لا يجوز لأي سلطة أن تتدخل في أختيار أعضاء المحكمة الاتحادية العليا كونه مخالف للدستور,وبصدور قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45)لسنة 2017 الجديد فقد تم بموجبه منح مجلس القضاء الأعلى اختصاص ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا من القضاة وفقاً للمادة(3/ثالثا) منه,وإن هذا يخل باستقلال المحكمة الاتحادية العليا,وبعد الطعن أمام المحكمة بشأن المادة

المذكورة تم إلغاء الفقرة(ثالثاً) من المادة (3) من قانون مجلس القضاء الأعلى المذكور وأوجبت المحكمة وضع نص في مشروع قانون المحكمة يقضي بكيفية ترشيح أعضاء المحكمة وإشعار مجلس النواب بذلك إذ وجدت المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرارها المرقم 19/اتحادية/أعلام/2017 في 11/4/2017 “أن المادة(3/ثالثا) من قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لسنة 2017متعارضة مع حكم الفقرتين(أولا)و(ثانيا)من المادة(92)من الدستور اللتين نصتا على أن المحكمة الاتحادية العليا مستقلة مالياً وإدارياً وأن طريقة اختيار أعضائها ينظمه قانونها.وإن إيكال ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا إلى مجلس القضاء الأعلى يخالف حكم الفقرتين(أولا)و(ثانيا) من المادة(92)من الدستور إضافة إلى مخالفتها لأحكام المادة(91)منه ,إذ لم تنص على قيام مجلس القضاء الأعلى بمهمة ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا وبناء عليه قرر الحكم بعدم دستورية الفقرة(ثالثا)من المادة(3)من قانون مجلس القضاء الأعلى وبوجوب وضع نص في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا يقضي بكيفية ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا وإشعار مجلس النواب الذي ينظر مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا لمراعاة ذلك تطبيقاً لحكم المادة(92/ثانيا) من الدستور”

ولضمان أستقلال المحكمة مالياً فأن يجب أن يكون للمحكمة موازنة مستقلة تنفرد بنفسها في تنظيمها,إذ لا يمكن تحقيق استقلال المحكمة مالياً مالم يعطى لها الحق في تنظيم موازنتها بنفسها من دون تدخل أي جهة أخرى في ذلك وهذا ما نجده في اغلب أنظمة المحاكم المختصة بالرقابة على الدستورية ومنها المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية إذ جاء في النظام الداخلي للمحكمة بأن يكون للمحكمة موازنة مستقلة تنظم شؤونها وتقرها بنفسها من دون تدخل من جهة أخرى.وبخصوص المحكمة الاتحادية العليا في العراق فأن النصوص الدستورية والقانونية جميعها تؤكد على استقلال المحكمة مالياً,وأن الحكم الدستوري الوارد في المادة(92/أولاً) يلزم أن يكون للمحكمة موازنة مستقلة.

وإذا كان مجلس القضاء الأعلى هو المختص بإعداد واقتراح الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها أستناداً (المادة91/ثالثاً) من الدستور و المادة(89)منه التي بينت مكونات السلطة القضائية الاتحادية وبضمنها المحكمة الاتحادية العليا قبل صدور قانون مجلس القضاء الأعلى المذكور,إلا أنه بصدور القانون المذكور الذي منح رئاسة مجلس القضاء الأعلى لرئاسة محكمة التمييز قد اختلف الوضع وان المادة(3/ثانياً)من القانون المذكور أشارت إلى اختصاص مجلس القضاء الأعلى بإعداد واقتراح الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية,إلا أن المحكمة الاتحادية العليا وجدت

بقرارها 19/اتحادية/اعلام/2017 في 11/4/2017 بأن هذا النص مستوحى من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي نص على كون رئيس المحكمة الاتحادية العليا هو ذاته رئيس مجلس القضاء الأعلى ولم يكن أيكال مهمة وضع الموازنة السنوية للسلطة القضائية إلى مجلس القضاء الأعلى ولم تكن في ظل ذلك أشكالية دستورية مادام رئيس المحكمة الاتحادية العليا هو ذاته رئيس مجلس القضاء الأعلى ولكن الأمر اختلف بعد صدور قانون مجلس القضاء الأعلى الذي نص على أن تكون رئاسة مجلس القضاء الأعلى لرئيس محكمة التمييز الاتحادية وان المادة (92/أولاً) أكدت على استقلال المحكمة الاتحادية مالياً وإدارياً وبالتالي فقد برز التعارض واضحاً بين استقلال المحكمة مالياً وبين قيام مجلس القضاء الأعلى بوضع موازنتها السنوية وهي غير ممثلة فيه قانوناً كما كان الأمر قبل صدرو القانون المذكور,وأن الحكم الوارد في المادة (92/أولاً) يلزم أن يكون للمحكمة موازنة مستقلة تطبيقاً لحكم المادة(92/ثانياً) وأن النص الأخير جاء لاحقاً للنص (92/أولاً) وهو الواجب التطبيق ذلك أن النص اللاحق يقيد السابق والخاص يقيد العام وبناء على ذلك ألغت الفقرة (ثانياً) من المادة(3) من قانون مجلس القضاء الأعلى المذكور وأوجبت المحكمة إدراج نص في مشروع قانون المحكمة الاتحادية المنظور في مجلس النواب يقضي بوضع المحكمة الاتحادية العليا موازنتها السنوية وعرضها على مجلس النواب للمصادقة عليها استناداً لحكم المادة(92/أولاً) من الدستور.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here