قصة ساعة

ترجمة : فدوى هاشم كاطع (ترجمة) – البصرة

بقلم: كيت جوبن (1894) Kate Chopin

كانت السيدة مالارد تعاني من مشكلة في القلب مما تطلب توخي الحيطة والحذر الشديدين للتخفيف من وطأة خبر وفاة زوجها قدر الامكان . كانت اختها جوزفين هي التي نقلت الخبر اليها بعبارات متلعثمة وتلميحات مبطنة . وكان صديق زوجها ريتشارد موجوداً ايضاً بالقرب منها وكان قبل ذلك ً في مقر الصحيفة لدى تلقي خبر كارثة القطار ، وكان اسم برنتلي مالارد يتصدر قائمة القتلى . اخذ بعض الوقت ليتأكد بنفسه من الخبر من خلال برقية ثانية وحينها سارع الى هناك حاملاً معه الخبر الحزين ليسبق به اي صديق اقل حرصاً واهتماماً في ايصاله اليهم .

لم يكن وقع الخبر عليها كالنساء الاخريات حين يسمعن خبرا مماثلاً حيث يتملكهن العجز في تقبل اهميته . انتابتها نوبة حزن شديدة وارتمت بين ذراعي اختها وبكت بحرقة ,وعندما تلاشت عاصفة الحزن ذهبت الى غرفتها ورفضت ان يتبعها اي احد .

وقفت هناك قبال النافذة المفتوحة ثم ارتمت على اريكة مريحة وكانت تشعر بضغط الارهاق البدني الذي سكن جسدها والذي يبدو انه تسلل الى روحها ايضاً .

نظرت الى الساحة المقابلة لمنزلها حيث كانت قمم الاشجار جميعها تهتز نابضة بحياة ربيعية جديدة , وكانت نسمات الهواء تحمل رائحة المطر العبقة , فيما كان بائع متجول في الشارع يعلن عن بضاعته بصوت عالٍ , ولامست سمعها بصوت خفيف اغنية بعيدة يشدو بها شخص ما , فيما كانت اعداد هائلة من العصافير تغرد على الحافات الناتئة . وانتشرت هنا وهناك بقع من السماء الزرقاء متخللةً الغيوم التي تكدست بعضها فوق بعض في جهة الغرب قبالة نافذتها .

جلست على الكرسي ومالت برأسها على وسادته بلا حراك باستثناء تلك العبرة التي انتابت حنجرتها فجعلتها تهتز كطفل بكى حتى نام واستمرت العبرة في احلامه .

كانت فتاة شابة ذات ملامح جميلة وهادئة تدل تقاسيمها على كبت وقوة معينة , ولكن في ذلك الحين كان هناك فتور في عينيها وكانت تحدق بنظرة ثابتة هناك حيث البقعة الظاهرة من السماء الزرقاء . لم تكن تلك نظرة تأمل وتفكير بل كانت تعبر عن فكرة ذكية معلقة .

كان هناك شيء ما قادم اليها وكانت تنتظره بخوف , لم تكن تعلم ما ذلك الشيء , كان مرهفاً ومراوغاً الى حد كبير . شعرت به يزحف قادماً من السماء نحوها مخترقاً الاصوات والروائح واللون الذي ملأ الهواء .

الان بدأ صدرها يعلو وينخفض بأضطراب واضح فقد بدأت تمّيز ذلك الشيء الذي كان يقترب منها ليستحوذ عليها وكانت تجاهد للتغلب عليه بارادتها العاجزة تماماً مثل يديها البيضاوين و

النحيلتين . وعندما حررت نفسها من تلك القيود انبعثت من شفتيها المنفرجتين قليلاً همسة خافتة وكانت تكررها مراراً وتكراراً وبأنفاس سريعة جداً : (حرة , حرة , حرة !).

فارقت عينيها النظرات المحدقة الخاوية وما تبعها من نظرات ذعر وحلت محلها نظرات حادة و وهاجة . زادت نبضاتها فتدق دم دافيء جعل كل بوصة من جسمها تسترخي .

لم تتوقف عن سؤال نفسها : (هل كان ذلك الشيء متعة سخيفة تملكتها؟) . ولكن تصوراً واضحاً ومحفزاً جعلها تستبعد ذلك الاحتمال عديم الاهمية . كانت تعلم انها سوف تبكي مجدداً عندما ترى تلك اليدين اللطيفتين المعطائين متشابكتين في موت حقيقي , وذلك الوجه الذي لم ينظر اليها الا بدافع الحب وقد اصبح ساكناً بلا حراك رمادياً وميتاً . ولكنها نظرت الى ماوراء تلك اللحظات المؤلمة , سنوات طويلة قادمة سوف تصبح ملكاً لها بشكل مطلق ففتحت ذراعيها ونشرتهما مرحبةً بما هو قادم .

لم يعد هناك ثمة احد تعيش لاجله خلال السنوات القادمة لانها سوف تعيش لنفسها دون وجود تلك الارادة القوية التي تخضع ارادتها في ذلك الاصرار الاعمى حيث يعتقد الرجال والنساء ان لهم الحق بفرض ارادتهم الخاصة على من هو في معيتهم , وسواء كانت النية في ذلك طيبة او سيئة فان هذا الفعل لا يقل عن الجريمة وهذا ماكانت تفكر به في لحظة الاستنارة الوجيزة تلك .

مع ذلك كانت تحبه احياناً , لكنها في الغالب لم تحبه ! . ما المهم في ذلك؟ وماذا يفعل الحب ذلك اللغز المحيّر بوجه تملك اثبات الذات الذي ادركته فجأة كأقوى حافز لها في حياتها ؟

استمرت بالهمس : ( جسد وروح حران ! حران !) .

كانت جوزفين تجثو قبالة الباب المغلق واضعةً شفتيها على ثقب المفتاح تتوسل للسماح لها بالدخول .

” لويز افتحي الباب اتوسل اليك افتحي الباب سوف تؤذين نفسك , لويز ماذا تفعلين ؟ بالله عليك افتحي الباب “.

“اذهبي , انا لا اؤذي نفسي ” . كانت ترتشف اكسير الحياة من تلك النافذة المفتوحة . اطلقت العنان لمخيلتها الخصبة باتجاه ايامها القادمة , ايام الربيع والصيف وانواع الايام كافة التي سوف تكون ملكاً لها وحدها . دعت الله ان يمنحها حياة طويلة , ومنذ الامس فحسب انتفض بداخلها ذلك الشعور برغبتها بأن تطول حياتها .

وقفت وفتحت الباب استجابةً لألحاح اختها , وكانت في عينيها نظرة انتصار محموم وتصرفت بعفوية وكأنها آلهة النصر . حوطت خصر اختها ونزلا السلالم معاً حيث كان ريتشارد ينتظرهما بالطابق الارضي .

كان هناك شخص ما يفتح الباب الامامي بمفتاح _ انه برنتلي مالارد الذي يدخل الى البيت . وكانت تبدو عليه بعض اثار السفر ممسكاً بمقبض حقيبته ومظلته . لقد كان بعيداً عن مكان الحادث , حتى انه لم يعلم بوقوعه اصلاً ! وقف مندهشاً من صرخة جوزفين المدوية وكذلك امام حركة ريتشارد السريعة لاخفاءه عن انظار زوجته !

حين قدم الاطباء قالوا انها ماتت نتيجة ازمة قلبية آلمت بها بسبب فرحة قاتلة !!!

_____________________________________________________

ملاحظة :

(قصة ساعة) تمثل بدقة متناهية تحول مايفترض ان يكون محزنا وقاتلا احيانا الى حافز وقوة وحب الذات ! منحت الحياة لبطلة القصة ساعة من الوقت عاشت فيها بأحلام في غير مكانها وزمانها وحولت حزنها على وفاة زوجها الى انتصار على القيود , حيث سرحت بخيالها الى ما وراء رحيل ذلك الزوج المحب من ايام تعيشها لنفسها فقط دون ان تشارك متعتها مع اي احد ! في البداية كان كل من حولها يعتقدون ان خبراً كهذا كفيل بقتلها ولكن النهاية اثبتت العكس تماماً ! فبدل ان تموت عند موت زوجها وافتها المنية فور عودته ! (المترجمة)

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here