تنظيم المشاريع الشبابية بغرض تيسير التنمية البشرية

بقلم يوسف بن مير
الشباب المغربي اليوم سواء القاطنون بالمدينة أو بالقرية، يواجهون العديد من العوائق التي تصعب عليهم تحقيق تنميتهم الذاتية، وخلق التغيير الذي يرغبون في تحقيقه لعائلاتهم، لمجتمعاتهم، لبلدهم، وحتى للعالم أيضا. فهم ينصدمون بواقع الاحصاءات أي أنهم كلما درسوا أكثر، كلما كان من المحتمل أن يصبحوا عاطلين عن العمل. فهم يلجئون في معظم الأحيان للدراسات الأساسية، وهذا ليس رغبة في دراستها، بل لقلة الخيارات، وخاصة في جامعات القطاع العام.

لهؤلاء الشباب، من جهة، كامل الحرية لإنشاء جمعيات، والانخراط في التعاونيات، وانشاء مشاريعهم الخاصة. ولكن من جهة أخرى، غالبا ما تكون ثقتهم قليلة بنظامهم الاجتماعي،و كذا بحس النزاهة في المجتمع، وبالحرية المطلقة لإتمام ما بدأوه.

بطالة الشباب في القرية أشد من البطالة في المدينة. فضرورة كسب المال تجبرهم على الاشتغال كعمال مياومين، وهذا إذا كانوا محظوظين للحصول على مثل هذه الفرص. البديل الوحيد لدى الأغلبية هو الهجرة إلى المدن حتى ولو كان حلمهم الحقيقي هو البقاء في مناطقهم وبناء مشاريعهم في الأماكن المحبذة لديهم. فالمستويات الغير الكافية و الغير المقبولة للتعليم القروي تجبر الأسر الشابة على الهجرة الى المدينة. و نظرا إلى إرادة الشباب القوية لتغيير واقعهم ، هناك نجاحات ، ولكن عددها قليل جداً. ويبدو أن الاستثناءات هم المحظوظون الذين يتمكنون من ضمان تمويل لمشاريعهم الجديدة.

رغم كل ما سبق ذكره، هناك أمل فيما يخص الحالة المغربية. فانخراط الناس في تنميتهم الذاتية هو قانون البلد الذي ينتشر في الهيكل الاجتماعي عن طريق السياسات، والبرامج، والالتزام القانوني. فجزء من المنظومة الوطنية للتنمية البشرية يعتبر الشباب عنصرا أساسيا وأداة فعالة لتحفيز وتسهيل حركات التنمية التشاركية التي تسعى اليها الأمة. وهذا للقول بأن الانخراط المباشر للشباب في دفع الجماعات لتخطيط وإدارة المشاريع رغبة في تعزيز وتحسين حياتهم هو الجسر الرئيسي لتحقيق مستقبل أفضل للمغرب. ببساطة، التنمية المستدامة للمغرب و كيف ستتحقق على ارض الواقع يحددها الدور الذي سيعلبه شباب هذه الأمة.

ولكن كيف يمكننا المضي قدما، وكيف يمكن لهذه المشاركة أن تجسد روح المبادرة الحقيقية؟ كلما أردنا اكتساب وصقل مهارات جديدة، نتعلمها بطريقة أفضل عند ممارستها. فنحن نقوم بتنسيق الحوار الشامل والمحلي من خلال المساعدة على هذا الحوار. وكذلك نساعد الآخرين على تحديد مشاريعهم المراد تحقيقها ونظرتهم الى المستقبل من خلال القيام بما يلي: طرح الأسئلة، طلب رد الآخرين، جمع ردود أكثر، ومساعدة الآخرين على مناقشة الأمور، حتى نصل بإجماع الى اتجاه وسط ومحدد.

نطرح وندون مقترحات المشاريع الناجحة عن طريق الكتابة، والتقديم، والمتابعة. نتعلم كيفية وضع الميزانيات من خلال إنشائها. ونقوم بتطوير القدرات عن طريق تقييم المبادرات السابقة من أجل بناء دورات مستقبلية والمشاركة فيها. نتعلم من تجاربنا، ويجب على شبابنا القيام بالمثل. لحسن الحظ، لا توجد شروط مسبقة، وليس من المهم التوفر على شهادة ما ولا الانتماء لوضع اجتماعي أو خلفية فكرية معينة. ونبدأ من البداية، لأن الوقت يمضي والحياة قصيرة، لذا يجب ألا نترك الوقت يمر.

كثيرا ما نتعلم أن نعتقد أن روح المبادرة تأتي من ابتكارنا الخاص. وكثيرا ما يتم تشجيعنا على الاعتقاد بأن كوننا أكثر إبداعًا واستراتيجية ونجاحًا، ناتج عن براعتنا الخاصة، وأن ذواتنا المبادرة خاصة بنا، وتكمن في قدرة عقلنا على الابتكار واتخاذ القرارات.

أكتب هذا لأبين أن هذه النظرة قطعا كاذبة ومضللة، بل وهي مناقضة للتنمية المستدامة وللتقدم نحو مجتمع راض. فتنظيم المشاريع يستند على ما نقدم من أجل تحديد أفكار الشباب وتحقيقها. والابتكار هو تجسيد ألاف الأصوات المتداخلة وجعلها موحدة، هدفها تنمية المجتمع. و الابداع هو انعكاس لكيفية مساعدتنا للآخرين عبر فهم ومتابعة آمالهم المستقبلية. إن تنظيم المشاريع الشبابية لا يعتمد على مجهودات فئة معينة، بل هو يقصد كافة الشباب المعنيين بأمر بناء أنفسهم من خلال القيام ببناء مسارات لتنمية مجتمعاتهم مدفوعين بعامة الناس.

لطالما سمعت وتصورت العبء الثقيل الذي يعاني منه الشباب المغربي والخوف من المستقبل الذي يعتريهم. إن الوفاء بوعد مشاركة الشعوب في التنمية طريق شاق، وصعب، وغير مؤكد. ومع ذلك، هناك سبب للامتنان عندما ترى الأمة دور الشباب في خلق تغيير مستدام ، وعند رؤية مشاركة الناس كمسألة ضرورية لتحقيق التغيير. السؤال المطروح أمامنا هو: هل سنركز جهودنا بأكملها لقضايا الآخرين، وبالتالي، مواجهة تعدد ما يمكن أن يصبح تنظيمات للمشاريع، وتوفير الموارد اللازمة لتتبع هذا المسار بفعالية؟

رغم أن الوقت يساعدنا على الفهم، إلا أنه ليس صديقنا اليوم. هناك ضرورة ملحة لتلبية هذا النداء، ولإكمال النموذج المغربي، ولتحقيق الرضا لحياتنا وحياة الآخرين، وهذا شيء نحتاجه بشدة.

الدكتور يوسف بن مير عالم اجتماع ورئيس مؤسسة الأطلس الكبير، وهي منظمة مغربية-أمريكية تكرس عملها للتنمية المستدامة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here