هل نحن عنصريون من دون أن ندري ؟؟؟

علي المسعود

في الاسبوع الماضي قرأت خبر شكل لي صدمة كان الخبر نقلا عن قناة سكاي نيوز عربية ذكرت فيه” ان مديرة احدى الحضانات في منطقة كسروان في جبل لبنان اعتذرت عن عدم قبول طفل لاجئ من الجنسية السودانية في الحضانة . وعزت المديرة رفضها إلى اعتراض بعض أهالي الأطفال الموجودين في الحضانة، وبعد تهديد بعض الأمهات بسحب أطفالهن من المؤسسة، في حال تم قبول الطفل ذي البشرة السمراء”!!.بعد صدمتي من هذه الخطوة البعيدة كل البعد عن العلاقات الانسانية بين البشر قفز في ذهني أسئلة كثيرة بعد هذا الموقف المشين مثلا: ماهي العنصرية؟!.. هل نحن عنصريون؟!. و ماهي هي جذور العنصرية عندنا ؟, وهل تحمل الثقافة العربية بذور العنصرية والشعور بالتفوق العرقي؟ ألم توظف الثقافة العربية نصوص امتداح العرب وفضل العربية واختصاص الله سبحانه وتعالى لها لغة لكتابه الكريم ليضع العرب لأنفسهم مكانة خاصة تصل أحياناً إلى القداسة؟ وإذا كان ذلك، فكيف تتعمق العنصرية لتميز بين العربي المشرقي والمغربي البدوي والحضري الأبيض منهم والأسود؟ إنها أسئلة الحضارة التي كلما ظننا أننا اقتربنا منها نجد أن مرجعياتنا الثقافية ماتزال تراوح بين ثقافة الصحراء وثقافة أصحاب العمائم ). في البداية لابد ان نجد تعريف للعنصرية . يمكن تعريف العنصرية بطرق مختلفة، لكن يتفق الجميع على أن العنصرية هي شعور يبديه الشخص تجاه شخص أو فئة معينة من الناس على أساس لون البشرة ,أو انتمائهم العرقي أو الديني أو الإثني وكثيرا ما يكون هذا الشعور مصحوبا بكره أو عداء. ويمكن أن يمتد ذلك الشعور إلى أبعد من ذلك فيصل إلى تعامل أو تصرفات عنصرية، كاستعمال العنف أو الإكراه أو المنع من حق ما.

لقد وجدت العنصرية منذ قديم الأزل وتتواجد بأماكن عديدة فلا تختص بزمان أو مكان. وبالنسبة للمنطقة الشرق الأوسط فإن العنصرية كانت موجودة في فترة ما قبل الإسلام أو الجاهلية حيث كانت العنصرية القبلية موجودة بين العرب وظهرت على صورة الحروب والصراعات القبلية والقصائد الشعرية المعادية. كما كان هناك عنصرية تجاه غير العرب والسود وقد تم استعباد الكثير من الزنوج ومنهم بلال بن رباح الذي صار أول مؤذن في الإسلام. جاء الإسلام لينهي تلك العصبيات القبلية حيث شجبها النبي محمد وحث العرب على تركها حيث قال في أحد الأحاديث: «دعوها فإنها منتنة» في إشارة إلى العصبية القبلية، وحديث في آخر «الناس سواسية كأسنان المشط» ولكن ذلك لم ينهِ العنصرية بشكل كامل حيث استمرت المشاعر العنصرية لدى الكثير من القبائل والتي لا تزال مستمر حتى الآن. كما قام العرب بالإتجار بالعبيد من سواحل شرق أفريقيا وعبر الصحراء الكبرى.

العنصرية في الشرق الأوسط مصطلح يشير إلى مظاهر عنصرية بمنطقة الشرق الأوسط رغم أن العنصرية لا تختص بمكان أو زمان، وبالرغم من إدانتها من أغلب دول العالم حيث وقعت 170 دولة على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري إلا أنه يمكن القول بأنها توجد بأشكال مختلفة في كل بلد على ظهر الأرض وتختلف أشكال العنصرية من مكان لآخر وفق أسباب تاريخية أو ثقافية أو دينية أو اقتصادية . لم تقتصر العنصرية على أساس الإنتماء القبلي ولكنها طالت

الإنتماء الديني، حيث يوجد عنصرية تجاه الأشخاص على أساس انتمائهم الديني؛ فمثلا تستمر العنصرية بين أتباع المذهب السني والمذهب الشيعي والتي قد تصل إلى صور مدمرة كتفجير المساجد أو القتل أو التنكيل أو المنع من حق ما كالعمل أو إعتلاء منصب ما. أيضا هناك عنصرية تجاه الأقليات الدينية كالمسيحية واليهودية والمندائية وغيرها. تلك عنصرية أيضا غالبا ما تكون على عدة صور كاستعمال العنف أو الإكراه أو المنع من حق ما كالتصويت أو إعتلاء منصب ما. كما توجد مظاهر للعنصرية في دول الخليج العربي تجاه العمال القادمين من الدول الفقيرة وخصوصا الهند وباكستان و

بنغلاديش والفلبين وأندونسيا، حيث يجد العمال القادمين من تلك الدول عنصرية من بعض المواطنين الخليجيين، وتأخذ تلك العنصرية عدة أوجه كاستعمال العنف أو حجز جوازات السفر أو عدم دفع المرتبات أو تأخيرها وقد تصل حتى إلى القتل أو الاستعباد .

في تقرير لمجلة فرونت بيدج الأمريكية في شهر فبراير الماضي أشار لكون المملكة العربية السعودية هي أكثر الدول عنصرية في الوطن العربي. وقد عددت المجلة في تقريرها أوجه هذه العنصرية

فالمملكة العربية السعودية ترفض منح 10% من إجمالي السكان الحقوق المتساوية؛ وذلك بسبب عرقهم، كما أنها لا تسمح لذوي البشرة السمراء بالوصول إلى عدد كبير من المناصب، كما أن النساء

السوداوات في السعودية يدخلن المحاكم بتهمة السحر. و يظهر التمييز ضد أصحاب البشرات

السوداء بدءًا من المدرسة، فمعاملة باقي الطلاب لهم وحتى إدارة المدارس ومدرسيها مليئة بالنظرة الفوقية. وتسبب ذلك في نقص التحصيل العلمي؛ مما أدى إلى فشلهم دراسيًّا وبالتالي تسكعهم في الشوارع؛ مما وضعهم تحت المراقبة الدورية من قبل الحكومة متمثلة في الشرطة. وفي تقرير لمنظمة هيومان رايتس ووتش عام 2004م، قالت المنظمة إن العمال الأجانب في دول الخليج

يواجهون صنوفًا من التعذيب وأساليب انتزاع الاعترافات منهم قسرًا، بالإضافة للمحاكمات الجائرة وإرغامهم على توقيع اعترافات لا يستطيعون قرائتها. كما أشارت المنظمة لتوثيقها حالات يتم فيها إعدام المدان بقطع رأسه ولا يتم إبلاغ سفارة .

حملات الاضطهاد والتمييز في المنطقة العربية لم تقف عند حدود الاستبداد السياسي أو فيما يتعلّق بالحريات الشخصية، ولكن تجاوزته إلى الحق في الحياة، عندما يتم ممارسة أشكال عِدَّة من التمييز بحقّ الخادمات والعمال بالقطاع الخاص، وما الذي تنقله وكالات الأنباء عن حالات وفاة جرَّاء تعذيب الخادمات أو توقيف العمال عن ذلك التمييز ببعيد. وتبرز من بين إشكاليات العمالة المهاجرة ظاهِرَة عاملات الخدمة المنزلية، وتتعرَّض هذه الفئة من العاملات لشتَّى أنواع الانتهاكات بدءًا مما يُوصَف بالاتِّجار بالبشر؛ حيث يتم استدراج بعضهن إلى أعمال مُخِلَّة بالآداب بعد أن يكن قد تعاقدن مع شركات الاستقدام على أعمال الخدمة المنزلية، كما يتعرضن للانتقاص من أجورهن، وزيادة ساعات العمل، والمعاملة القاسية، والتحرش الجنسي. ويقوض من قدراتهن على حماية أنفسهن ثلاثة عوامل رئيسية: أولها عدم امتداد مظلّة الحماية القانونية لهن طبقًا لقوانين العمل المطبقة، وثانيها: طابع العُزْلة الذي يمارسن فيه عملهن في خدمة مخدوميهن، بخلاف مجالات العمل الأخرى التي تتيح الوجود مع عمّال وعاملات آخرين، وثالثها بيئة العمل التي تتيح العقاب البدنِي والتحرُّش الجنسي، وإمكانية تعرضهن لاتهامات من جانب مخدوميهن بالسرقة أو مخالفة القوانين، فضلاً عن صعوبات الوصول إلى العدالة التي يشاركن فيها أقرانهن من العاملين فى المجالات الأخرى.

هناك دولا كثيرة في هذ العالم نجحت في محاربة العنصرية بفضل برامج التوعية و التعليم في المدارس في نبذ العنصرية والعمل على محاربتها. ولكن في مجتمعنا العربي وفي ظل غياب القوانين الصارمة لمحاربة العنصرية بكل اشكالها لازالت العنصرية تتجذر , ولكن ماهو الحل ؟. هل سيبقى الوضع على ما هو عليه؟ البعض يرى أن نبدأ من التعليم فهو الحل، فالمدرسة والجامعة هي مكان العلم والتي من المفروض أن تزرع فيها أسس المساواة بين الطلاب حيث ينشأ أبناؤنا وبناتنا سوياً وهم متساوون، ويتخرجون سوياً وهم متساوون، وللأسف فما ذكر سابقاً من أشكال العنصرية لا تخلو منه بعض جامعاتنا وبين بعض الأكاديميين . لذلك علينا الانتظار والتأقلم مع واقعنا العنصري حتى

يتم سن قوانين صارمة لمحاربة العنصرية والتمييز، وبعد هذا كله ستبقى العنصرية مشكلة من مشاكل العصر لن تندثر بالكلية، مثلها مثل الجهل، والعنف، والإرهاب، وقد تكون أخطر لأنّها تزرع بمباركة من القبيلة والأسرة والمجتمع المحيط للفرد . يقول نيلسون مانديلا: “لا يوجد إنسان ولد يكره إنساناً آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه، الناس تعلمت الكراهية وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية إذاً بإمكاننا تعليمهم الحب، خاصة أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية “.

علي المسعود

المملكة المتحدة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here