الفوضى والإهمال يعرقلان إعادة إعمار الموصل

شكاوى من الفساد ونقص الأموال وسوء استخدامها
الثلاثاء – 30 جمادى الأولى 1440 هـ – 05 فبراير 2019 مـ

الموصل: «الشرق الأوسط»
دخلت عملية هدم مبنى متداعٍ في مدينة الموصل الشمالية بالعراق اعتاد رجال تنظيم داعش أن يعدموا فيه من يتهمونهم بأنهم مثليون شهره الثالث، غير أن ناشطين حقوقيين يقولون إن من تم إعدامهم في المبنى الذي كان مكوناً من سبعة أدوار وأصبح الآن من دورين فقط، كانوا في الغالب من خصوم التنظيم المتهمين ظلماً.
وفي بعض الأيام يعمل الصبية المشردون الباحثون عما يصلح للبيع خردة في الأطلال الباقية من المبنى السابق لشركة التأمين الوطنية بوتيرة أسرع من وتيرة آلة الحفر الوحيدة الرابضة على الهيكل المتداعي.
بعد انقضاء عامين على المعركة التي استعادت فيها القوات العراقية مدينة الموصل من أيدي تنظيم داعش، لا تملك السلطات المعدات الكافية لرفع الركام المنتشر في أنحاء المدينة، حسب تقرير لوكالة «رويترز». وقد تعرضت مئات من العربات التابعة لمجلس المدينة للتدمير في الاشتباكات التي استخدم التنظيم فيها التفجيرات الانتحارية. ولم يحل محلها سوى عدد قليل. ويقول نواب وسكان محليون إن الشركات التي تعاقدت معها الحكومة بعقود مربحة لسد النقص في الأشغال المطلوبة تتعمد التباطؤ في العمل أو لا يكون لها وجود في بعض الأحيان.
ويقول أحد العمال إن آلة الحفر الرابضة على المبنى مستأجرة بمبلغ 300 دولار في اليوم. وتظل الآلة ساكنة لا تعمل في كثير من الأحيان. لكن محافظ نينوى ينفي ادعاءات بوجود احتيال، ويقول إن ما يحول من أموال إلى مكتبه لتمويل إعادة الإعمار لا يكفي.
ويواجه كثير من سكان المدينة صعوبات مالية. فالأسر التي أجبرت على بناء منازلها تضطر للاستدانة وتقترض من الأصدقاء وتعيش على ما يجود به أهل الخير. ويتكدس آخرون في بيوت أصبحت إيجاراتها باهظة على نحو متزايد. كما تعاني مشروعات تمول من خلال مساعدات خارجية من التأخير. وقال النائب محمد نوري عبد ربه: «لا توجد خطة استراتيجية. إنها فوضى».
ويفتح سوء التخطيط الباب أمام سوء إدارة جهود إعادة البناء وما يتردد عن الفساد، الأمر الذي يجعل انتعاش المدينة بطيئاً واعتباطياً. في هذا الجو يخشى السكان أن تستغل فلول تنظيم داعش مشاعر الاستياء. وقال صاحب متجر اسمه أبو علي نشوان (52 عاما): «المدينة يعاد بناؤها على الورق فقط. لا توجد دولة هنا. الفساد في كل مكان».
ويشكو عبد الستار الحبو، المسؤول عن الإدارة البلدية الذي لا تزال بغداد تسلم بدوره رغم محاولات المحافظ لعزله، من أن الأموال القليلة التي تخصص للموصل يساء إنفاقها. وقال هاتفياً: «في ضوء المبلغ الذي أُنفق حتى الآن على إزالة الركام كان من الممكن أن يتم تطهير المدينة بالكامل الآن». وأضاف أنه لا يزال يتبقى أكثر من نصف ما يقدر بنحو سبعة ملايين طن من الركام. وكان الحبو قد حذر في العام الماضي من أن المال الكافي لإعادة البناء غير متوفر.
وتخصص موازنة الدولة للعام الحالي 560 مليون دولار لإعادة بناء الموصل وفقاً لما قاله اثنان من نواب المدينة. وقال مستشار يعمل لحساب الأمم المتحدة في المدينة إن تكلفة أعمال إعادة البناء لعام واحد تقدر بمبلغ 1.8 مليار دولار. وأضاف المستشار: «في الغالب المنظمات الدولية هي التي تنجز الأشغال. ومن السخف أن يأتي المال من الخارج في ضوء ثروة العراق النفطية». وتابع: «السلطات تنفق أكثر مما يجب والعمل يستغرق وقتا طويلاً جدا. من المفترض أن يستغرق هدم مبنى كبير بضعة أيام على أقصى تقدير وأن تكون التكلفة بضعة آلاف من الدولارات على الأكثر».
رفض نوفل حمادي السلطان، محافظ نينوى التي مركزها الموصل، اتهامات سوء الإدارة والإنفاق بأكثر مما يجب. وقال: «رفع الركام لا يتم اعتباطاً… لكن توجد بعض الأحياء التي بلغت من الدمار حداً لا يوجد معه لها حل. ويجب ألا يسأل الناس عن سبب البطء (في إعادة الإعمار). بل يجب أن يسألوا لماذا التعجل فيه؟»
ولا يبدو أن أعمال التطهير تتم بانتظام. ويقوم صبية متسخون يفوق عددهم عدد العمال بتحميل أسياخ الصلب وإطارات النوافذ على عربات تجرها الحمير لبيعها في أسواق الخردة. وتعرض أمام المتاجر عربات اليد لمن يريد من السكان أن يؤدي العمل بنفسه. وتعيد بعض عائلات الموصل بناء بيوتها بأنفسها. وقد اقترض يونس حسن (67 عاماً) 9 آلاف دولار من أصدقاء لإعادة بناء بيته ذي الجدران الأرجوانية في أعلى نقطة بالمدينة القديمة المطلة على ضفة نهر دجلة الذي ينتشر عليه الركام. وقال حسن: «استلفنا كل شيء. ما من مال من الحكومة ولا قروض بنكية بالتأكيد». وتحظر السلطات التحويلات المصرفية للموصل وذلك بسبب مخاوف من تمويل المتطرفين. وقال حسن: «عشرة أفراد يعيشون هنا. لكن ابنتي لم تعد بعد. فهي تستأجر (شقة) في شرق الموصل بمبلغ 100 دولار شهرياً وهو ما لا تتحمله». وأسرة حسن من بين الأسر العائدة إلى غرب الموصل حيث وقعت أسوأ الأضرار من الضربات الجوية في شوارع المدينة القديمة المزدحمة.
ولا يزال قرابة مليوني عراقي نازحين عن بيوتهم بسبب الحرب على التنظيم وذلك وفقا لمسح أجرته هيئة غير حكومية. ويقول كثيرون إنهم غير مستعدين للعودة إلى بيوتهم بسبب الدمار ونقص الخدمات. ويخشى السكان أنه كلما طالت فترة الإصلاح في الموصل سهلت مهمة جماعات مثل «داعش» في العودة للظهور وتجنيد الأفراد. ولا تزال الظروف التي ساعدت التنظيم في السيطرة على الموصل ومدن أخرى عام 2014 قائمة بما في ذلك الفساد وإهمال الحكومة. وقال شرطي عند حاجز أمني مؤقت إنه يخاف أكثر ما يخاف على الأطفال الذين يفتشون في الركام». وأضاف: «سيكون هؤلاء هم الجيل التالي من (داعش)… فهي تزدهر في الفساد والفوضى».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here