ممثّلو بابل يبدأون إجراءات إعادة 65 ألف نازح إلى جرف النصر

بغداد/ وائل نعمة

أكثر من 4 سنوات على تحرير جرف النصر (الصخر سابقا) ومعدل عودة العوائل النازحة هو صفر. مدينة مهجورة بالكامل ونسبة الخراب تفوق الـ60%، ورغم ذلك مازال “داعش” يحلم بالعودة إليها. وتعدّ الجرف، أو أطراف المدن الشبيهة بها قرب العاصمة، التي تسمى بحزام بغداد، كنزاً هائلاً للجماعات المسلحة، لأسباب تتعلق بوجود الدعم اللوجستي فيها وموقعها الجغرافي.
الجرف وقبل ظهور “داعش” بشكله العلني في صيف 2014، كانت قد جذبت تنظيم القاعدة، لأسباب يعتقد بأنها ترجع لوجود أسلحة مدفونة هناك تعود لأجهزة وجيش النظام السابق. وأغلب قيادات التنظيم كانوا من الضباط السابقين الذين يخفون تلك الأسلحة في أماكن سرية.إضافة الى انها منطقة ستراتيجية تربط بين 4 محافظات، وهو ما عقد مشكلة إعادة السكان حتى الآن، حيث تتطلب عودتهم ضمانات شبه مستحيلة ترقى الى “التأكيد” على عدم عودة أي نشاط مسلح، الى 3 على الاقل من تلك المحافظات. وتمتد جرف النصر من عامرية الفلوجة التابعة لمحافظة الأنبار شمالا وصولا إلى الحلة مركز محافظة بابل جنوبا وكربلاء، ومن الجهة الشرقية تتصل بمناطق اليوسفية واللطيفية والمحمودية (المعروفة سابقاً بمثلث الموت) التابعة لبغداد، أما من جهة الغرب فهي مفتوحة على صحراء الأنبار.

ضمانات
يقول رشيد العزاوي وهو نائب عن بابل لـ(المدى) إن الجرف “خالية تماما من سكانها. نسبة النزوح كانت 100% ولم يعد أي أحد إليها حتى الآن”.
ويضيف العزاوي قائلا: “إعادة السكان تحتاج الى تقديم ضمانات للحكومات المحلية في بابل وكربلاء والنجف أيضا، بأن المدينة لن تعود مصدر قلق لهم”.
في معركة تحرير الجرف فقط، التي انتهت في تشرين الاول 2014، قتل على الاقل 200 مسلح من تنظيم داعش. واعتبر رئيس الوزراء حينها حيدر العبادي تحريرها في ذلك التاريخ بانه “مفتاح لتحرير باقي المدن”.
كانت الجرف التي تتبع لمحافظة بابل تضم مجموعة هائلة من النخيل وأكبر مسطحات مائية اصطناعية لتربية الأسماك أصبحت عائقاً طبيعياً ضد أي حركة لقوات نظامية تحاول مهاجمتها، قبل أن تجفف أغلبها كإحدى وسائل منع عودة المسلحين.

مدينة مدمّرة
وبعد سقوط الموصل، كان داعش يعتبر الجرف بوابة للسيطرة على بغداد ومناطق بابل وصولا الى أقصى الجنوب.
في اعترافات أحد المعتقلين في الجرف عقب تحريرها، قال ان كل عنصر في داعش كانت مهمته زرع 70 عبوة يومياً في المدينة. جرف النصر كان من أكثر المناطق التي زرعت بالعبوات، حيث فخخ داعش كل الطرق والاعمدة وحتى أشجار النخيل. ويقول سالم المسلماوي وهو المحافظ الاسبق لبابل لـ(المدى) إن نسبة الدمار في الجرف “تفوق الـ60 %، حيث دمر داعش معارك التحرير أغلب المباني”. استمر داعش 5 أشهر في فرض سيطرته على جرف النصر، وتعرضت مدن بابل كربلاء وبغداد الى سيل هائل من السيارات الملغمة كان مصدرها من هناك، قبل أن تبدأ العمليات العسكرية لتحريرها.

اقتراحات
في ذلك الوقت نزحت 13 ألف عائلة من المدينة، بما يساوي أكثر من 65 ألف فرد، بحسب رشيد العزاوي، الذي يقول انه “رقم تقريبي وليس دقيقاً جداً”، وتوزعت تلك الأسر بين الجنوب والشمال ولم تعُد بعد ذلك. يقوم العزاوي في كل اجتماع مع الحكومة الاتحادية او المحلية بطرح مقترحات لإعادة سكان الجرف. ويقول “بدأت أخيراً أجد بعض التفاهم لمطالبي، لكن قبل ذلك بأربع سنوات كان الجواب هو الرفض التام لأي حديث عن عودة الأهالي”. يطرح العزاوي فكرة ان يعود السكان “المدققين أمنياً الى الجرف، فيما يؤجل النظر في أمر البقية. وتابع قائلا: “النازحون في محافظات الوسط وكردستان هم جميعا لديهم ملفات أمنية ومطمئنّين لوضعهم يمكن إعادتهم الآن”.
ويضيف قائلا: “أما بالسنبة للذين يسكون في كركوك أو محافظات أخرى خارج الإقليم، يؤجل النظر في أمر عودتهم الآن”. بعض النازحين لا يسكن سوى على بعد أقل من كليو متر واحد عن منزله (في قضاء المسيب)، لكنه يمنع من العودة الى الجرف بسبب الخوف من عودة النشاط المسلح. ويقول النائب إن الاقتراح يتضمن أيضاً “وضع قوات أمنية في محيط الجرف ومراقبة شديدة لأوضاع المدينة”.

إشاعات أم حقائق؟
وتدور الإشاعات الكثيرة عن أوضاع غريبة تحدث داخل المدينة الخالية، مثل وجود مقرات سرية وسجون تابعة لأحد الفصائل المسلحة، وعمليات لتحويل ملكية الأراضي الزراعية لمنع عودة السكان الاصليين.
وكانت القيادة العسكرية قد اختارت 2014 اليوم الاول من شهر محرم لانطلاق العملية العسكرية، حيث هاجمت القوات من 6 محاور، بعدة صنوف ومن بينها الحشد، وقوات إيرانية (بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست صدر في ذلك الوقت) لتحرير الجرف، وهو ما تسبب بعد ذلك بالإشاعات التي تحوم حول المدينة بمحاولة التغيير الديمغرافي.
لكنّ العزاوي يقول انه “في موازنة العام الحالي وضعنا مادة تمنع تحويل ملكية الاراضي الزراعية حتى التي انتهت عقودها بأسماء أخرى”. ويضيف: “نطمئن سكان الجرف بأن أراضيهم وممتلكاتهم حتى التي دمرت ستبقى لهم ولن يسكن مناطقهم أي غريب”.
ولا ينكر النائب عن بابل أن “داعش” لايزال يحاول التسلل عبر الصحراء الى الجرف، لكنه يقول ان “تلك خروق اعتيادية تحدث في كل المدن الواقعة على الصحراء، مثل الفلوجة والحبانية والبغدادي في غرب الانبار، وهي ليس عائقا لإعادة السكان”.
وفي الصيف الماضي، رفض محافظ بابل السابق والنائب الحالي صادق مدلول السلطاني، الموافقة على عودة نازحي الجرف. وقال وقتذاك إن الحكومة المحلية تعتبر أن الخلايا النائمة لتنظيم داعش الإرهابي لا تزال فاعلة في مناطق مجاورة للبلدة. واشار في وقتها إلى عدم وجود أموال كافية لإعمار جرف الصخر، فيما كان كتاب صادر عن السلطاني أيضا، يقضي بمعاقبة أي مسؤول يطالب بإعادة النازحين للجرف.
بدوره يقول المحافظ الاسبق سالم المسلماوي إن خطر “داعش” في البلدة “ليس كبيرا”. وتابع قائلا: “هناك حرص كبير من القوات الامنية على عدم عودة النشاط المسلح … لكن داعش يهتم بالعودة لأهمية المنطقة”.
المسلماوي يتأمل أن تكون هناك مشاريع لإعادة إعمار المدينة قبل الحديث عن عودة السكان. ويقول “هناك مشاريع جديدة خصصت لها بالموازنة الحالية ستغير من واقع الجرف”. إلى ذلك، أعلن الحشد الشعبي والقوات الأمنية، أمس الثلاثاء، عن تنفيذ عملية أمنية لملاحقة عناصر تنظيم داعش الإرهابي في منطقة جرف النصر. وذكر الموقع الرسمي للحشد الشعبي أن “الحشد والقوات الأمنية ينفذان عملية لملاحقة عناصر داعش في جرف النصر”. وما زالت القوات العراقية تواصل عمليات تفتيش ومداهمات لضمان القضاء على فلول التنظيم، داخل البلاد وكذلك في منطقة الحدود العراقية السورية، ومنع محاولات تسلل العناصر الإرهابية عبر الحدود من وإلى العراق.
وأعلن العراق، في كانون الأول 2017، تحرير كامل أراضيه من قبضة تنظيم داعش الإرهابي. ويكرر التنظيم بين وقت وآخر استهداف المناطق التي فقد السيطرة عليها، إلا أن القوات الأمنية تقوم بإحباط غالبية تلك العمليات وإيقاع خسائر بين عناصر التنظيم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here