الرأس المخلوع!!

لكل مخلوق رأس يتدبر شؤون حياته ويقوده في مسيرة التفاعل مع نفسه ومحيطه , وهو البوصلة التي تحسم نوعية وإتجاه السلوك وتقرر آليات التفاعل مع التحديات المناهضة لبقاء المخلوق.

والكثير من المخلوقات تجدها قد خلعت رأسها أو إنخلع عنها رأسها لأسباب وتداخلات جراحية نفسية متنوعة , والذي يفقد رأسه يعرّض وجوده للهلاك.

والبشر مؤهل لأن ينخلع عنه رأسه , وخلع الرؤوس البشرية لا يتحقق بالسكين والسيف فقط , وإنما هناك آلة أخطر منهما جميعا , إنه آلة البتر النفسي , فالآلات النفسية الحادة المسلطة على رقاب الناس أشد فتكا من السيوف والسكاكين , ذلك أنها ذات قدرة على خلع الرؤوس بالجملة , وتحويل البشر إلى أبدان متحركة أو روبوتات تؤدي ما يمليه عليها الرأس البديل , أو المعوّض للرأس المقطوع نفسيا وإدراكيا عن بدنه أو جسمه وشخصه.

والبتر النفسي للرؤوس حالة قائمة ومعروفة منذ الأزل , ويكون للتضليل والتوهيم دور كبير في هذا الشأن , حيث يتم إفراغ الرؤوس من محتوياتها وآلياتها , وحشوها بغيرها من المفردات والآليات التفاعلية ذات القدرات العاطفية العالية , والتي تنفجر بقدرات بركانية هائلة أمام ما لا يتفق ومناهج رؤيتها المحشوة فيها , فتساهم في تأسيس آليات التخاطب بالوعيد , وتسعى لبناء ميادين سفك روح الوجود وخنق صوت النجود.

وتلعب العقائد والمدارس الدينية دورها في قطف الرؤوس وتجميعها في سلال المهملات الحضارية , ودحرجتها على سفوح الإهلاك والتنكيل بالمعاني الإنسانية والقيم الحياتية , والأعراف البشرية اللازمة للحفاظ على القوة والعزة والكرامة في أي مجتمع بشري.

ويلعب الدين دوره الفتاك في قطع الرؤوس وإستبدالها بغيارات مناهضة للحياة , ذلك أن للدين سلطة هائلة كامنة في الأعماق البشرية , لأنه أول قوة أذعن لها وسخرها الأقوياء لإمتلاكه.

فمنذ أولى الحضارات ما بين نهرين أو على ضفاف نهر وأنهار , والبشر يحكم البشر بواسطة الإرادة الدينية والإلهية , ولهذا كانت المعابد هي الأبرز والأضخم في عماراتها في جميع العصور البشرية , ولا تزال سلطتها قائمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة , لكنها فاعلة في الحياة ومقررة لمسير التداعيات البشرية المتفاقمة.

ذلك أن الأديان يمكنها أن تُسخِّر للقيام بأي شيئ , فهي القادرة على تسويغ الخير والشر وقلب الموازين والمفاهيم , وإستبدال الرؤوس البشرية بسرعة خاطفة.

وعندما يحضر الدين والعمل المنفعل المقترن به , فأن التأثير الإستبدالي للرؤوس يكون على أشده وفي أفظع حالاته ومراراته , وقد مرت البشرية في ما لا يحصى من مواسم ونوبات إستبدال رؤوسها برأس واحد يهيمن على مصيرها ويلقمها الويلات , ويغرقها بأغادير النجيع وعواصف الآهات.

ولكي تواجه البشرية هذا الإستبدال القمعي للرؤوس عليها أن تنمي إرادة المعرفة وتعلي قيمة العقل , وتربي الأجيال وفقا للمبادئ الوطنية الرحيمة الجامعة , المعتصمة بقيم صالحة واحدة لا يمكن للبشر أن يتجاوزها , وأن تضع خطوطا حمراء ذات طبيعة مصيرية , وتضرب بيد من حديد على رأس مَن يحاول أن يتجاوزها.

أي أن الأمم والشعوب لا يمكنها أن تكون قوية وعزيزة من غير ثوابت صالحة لبقائها ونمائها تتفق عليها وتقضي على من يتحداها ويتجاوزها.

تلك حقيقة خفية متحققة في واقع بشري متصاخب!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here