لغتنا العربية واهمية كلماتها !

* د. رضا العطار

الكلام هو تخطيط عن معنى وهدف معين، اما الصوت هو تعبير عن الذات كالأنين والبكاء خالي من القصد والهدف، فالأول مرتبط بالعقل والثاني بالعاطفة. الأول يخضع للمحاسبة بينما الثاني لا.
الكلمات العربية على نوعين, اما ان تكون موضوعية او ذاتية. وطبيعة الكلمات هي الجمود, اما طبيعة الاشياء فهي التغيير . فكل شئ في الكون يتغير. والحياة المتمثلة في الكائنات الحية ومنها الانسان هي اعظم المظاهر لهذا التغيير. وهذا التغيير في الانسان هو على اقصاه. لأنه يعيش في مجتمع تتغير به اخلاقه وعاداته وآراؤه.

ونحن في تفكيرنا نتخذ اسلوبين : الاسلوب الموضوعي , حين نتجرد من احساسنا الشخصي . كما لو قلنا : شجر او شمس او شارع . فكلنا على وجه التقريب يذكر هذه الاسماء دون انفعال . وكلنا سواء في ادراك صورها ومعناها. ولذلك اذا كنا في حوار , وذكر احدنا الشمس او الشارع , لم يحتاج الأخر الى ان يسأله : ماذا تعني ؟ لأن المعنى واضح. وهذه الكلمات موضوعية . اي انها غير متأثرة بذواتنا. والمفكر العلمي يحاول على الدوام الوصول الى هذا الاسلوب الموضوعي في التفكير . اي انه حين يبحث مشكلة, يتجرد من احساساته وميوله وما يحب وما يكره.

ولكن هناك الاسلوب الذاتي , اسلوب الاديب والفنان . فرجل الادب يتحدث عن المثاليات او الجمال او الذوق او العظمة. وهذه الكلمات جميعها ذاتية, انها تعبر عن احساساته وانفعالاته. ولذلك نختلف فيها كثيرا. فقد يقول احدنا ان القناعة من فضائل الفلاّح , فنرد عليه منفعلين : لا بل هي من رذائله. وقد يستمع احدنا الى امرأة تغني فيقول : ان الاغنية حسنة. فيرد آخر بأنها ليست اغنية وانما هي اغنوجة.

ومن هنا نفهم ان الغناء والقناعة كلمتان ذاتيتان . نختلف فيهما كثيرا. اما الشمس والشارع , فكلمتان موضوعيتان , لا علاقة لهما بانفعالاتنا واحساساتنا , ولذلك لا نختلف فيهما. فحين اسمع احدهم يقول – امرأة جميلة – فأني افهم كلمة امرأة ولا اختلف معه, لان الكلمة موضوعية. ولكنه حين وصفها بالجمال قد تعرض للمناقشة, لان الكلمة ذاتية. اذ قد تكون فكرتي عن الجمال غير فكرته.

والكاتب الذكي هو الذي يحاول ان يكون موضوعيا. ولكن يجب ان نذكر ان اللغة تحتوي على كلمات ذاتية تعبر عن الاداب والفنون وهي تعبر عن ذاتية ممتازة.
انظر مثلا الى قول احدنا : هذا الصبي ذكي. فإن وصف الذكاء هنا قد يكون ذاتيا , لان المتكلم ربما وصفه بذلك لانه استخف ظله. او لان هذا الصبي قد خدمه. او لان المتكلم نفسه ليس ذكيا. فكلمة – ذكي – هنا ذاتية . ولكن السيكولوجيين استطاعوا ان يجعلوا هذا المعنى موضوعيا . فهم يقولون : – هذا الصبي يبلغ معدل ذكائه 107 – وذلك بعد قياس مضبوط.

والتفكير السديد يحاول ان ينقلنا من النظر الذاتي للأشياء الى النظر الموضعي. ومن الوصف المائع العام الى الوصف بالارقام. كما راينا في معدل الذكاء. وكثير من الفهم السيء للفلسفة القديمة وما يتعلق بها من شؤون الدنيا قد عولجت بكلمات ذاتية و قد اختلف معانيها بعد مرور الف او الفين سنة — لقد ارتقت الأمم بكلمات ذاتية, مثل مروءة , وشرف , وشهامة كما انحطت بكلمات ذاتية مثل : شماتة, وكفر, ونجاسة . ولكن اذا صرفنا النظر عن الارتقاء والانحطاط , فاننا نجد ان الكلمات الذاتية كثيرا ما تبعث على الالتباس والفهم السيء. ومن هنا الاختلاف الدائم في الدين والفلسفة والاداب والفنون.

العلم لا تنضبط قواعده الا اذا عُبر عنه بلغة الارقام. والفرق بيننا وبين المتوحشين انما هو فرق الدرجة والتفاوت وليس فرق النوع والاختلاف. فنحن نعبر عن حاجتنا بنحو 5000 كلمة، اما الادباء العالميين المشهورين يعبرون عنها بنحو ربع مليون كلمة بينما المتوحش، تكفيه عشرة كلمات، ويعتقد عمّا زاد عن العشرة فهو كثير.

انظر مثلا الى كلمة – الحب – فهذا يحب الله والاخر يحب زوجته والثالث يحب الثروة وغيره يحب اكلة الباجة والبنت تحب القطة وهؤلاء الاطفال يحبون امّهم. فهل يصح ان كلمة الحب في جميع هذه الاستعمالات تعطي نفس المعنى ؟ طبعا لا. فالانكليزي يفصل بين هذه المعاني بأستعمال لفظة Love للزوجة ولفظة Like للقطة.

* مقتبس من كتاب البلاغة العصرية واللغة العربية للعلامة سلامه موسى.* د. رضا العطار

الكلام هو تخطيط عن معنى وهدف معين، اما الصوت هو تعبير عن الذات كالأنين والبكاء خالي من القصد والهدف، فالأول مرتبط بالعقل والثاني بالعاطفة. الأول يخضع للمحاسبة بينما الثاني لا.
الكلمات العربية على نوعين, اما ان تكون موضوعية او ذاتية. وطبيعة الكلمات هي الجمود, اما طبيعة الاشياء فهي التغيير . فكل شئ في الكون يتغير. والحياة المتمثلة في الكائنات الحية ومنها الانسان هي اعظم المظاهر لهذا التغيير. وهذا التغيير في الانسان هو على اقصاه. لأنه يعيش في مجتمع تتغير به اخلاقه وعاداته وآراؤه.

ونحن في تفكيرنا نتخذ اسلوبين : الاسلوب الموضوعي , حين نتجرد من احساسنا الشخصي . كما لو قلنا : شجر او شمس او شارع . فكلنا على وجه التقريب يذكر هذه الاسماء دون انفعال . وكلنا سواء في ادراك صورها ومعناها. ولذلك اذا كنا في حوار , وذكر احدنا الشمس او الشارع , لم يحتاج الأخر الى ان يسأله : ماذا تعني ؟ لأن المعنى واضح. وهذه الكلمات موضوعية . اي انها غير متأثرة بذواتنا. والمفكر العلمي يحاول على الدوام الوصول الى هذا الاسلوب الموضوعي في التفكير . اي انه حين يبحث مشكلة, يتجرد من احساساته وميوله وما يحب وما يكره.

ولكن هناك الاسلوب الذاتي , اسلوب الاديب والفنان . فرجل الادب يتحدث عن المثاليات او الجمال او الذوق او العظمة. وهذه الكلمات جميعها ذاتية, انها تعبر عن احساساته وانفعالاته. ولذلك نختلف فيها كثيرا. فقد يقول احدنا ان القناعة من فضائل الفلاّح , فنرد عليه منفعلين : لا بل هي من رذائله. وقد يستمع احدنا الى امرأة تغني فيقول : ان الاغنية حسنة. فيرد آخر بأنها ليست اغنية وانما هي اغنوجة.

ومن هنا نفهم ان الغناء والقناعة كلمتان ذاتيتان . نختلف فيهما كثيرا. اما الشمس والشارع , فكلمتان موضوعيتان , لا علاقة لهما بانفعالاتنا واحساساتنا , ولذلك لا نختلف فيهما. فحين اسمع احدهم يقول – امرأة جميلة – فأني افهم كلمة امرأة ولا اختلف معه, لان الكلمة موضوعية. ولكنه حين وصفها بالجمال قد تعرض للمناقشة, لان الكلمة ذاتية. اذ قد تكون فكرتي عن الجمال غير فكرته.

والكاتب الذكي هو الذي يحاول ان يكون موضوعيا. ولكن يجب ان نذكر ان اللغة تحتوي على كلمات ذاتية تعبر عن الاداب والفنون وهي تعبر عن ذاتية ممتازة.
انظر مثلا الى قول احدنا : هذا الصبي ذكي. فإن وصف الذكاء هنا قد يكون ذاتيا , لان المتكلم ربما وصفه بذلك لانه استخف ظله. او لان هذا الصبي قد خدمه. او لان المتكلم نفسه ليس ذكيا. فكلمة – ذكي – هنا ذاتية . ولكن السيكولوجيين استطاعوا ان يجعلوا هذا المعنى موضوعيا . فهم يقولون : – هذا الصبي يبلغ معدل ذكائه 107 – وذلك بعد قياس مضبوط.

والتفكير السديد يحاول ان ينقلنا من النظر الذاتي للأشياء الى النظر الموضعي. ومن الوصف المائع العام الى الوصف بالارقام. كما راينا في معدل الذكاء. وكثير من الفهم السيء للفلسفة القديمة وما يتعلق بها من شؤون الدنيا قد عولجت بكلمات ذاتية و قد اختلف معانيها بعد مرور الف او الفين سنة — لقد ارتقت الأمم بكلمات ذاتية, مثل مروءة , وشرف , وشهامة كما انحطت بكلمات ذاتية مثل : شماتة, وكفر, ونجاسة . ولكن اذا صرفنا النظر عن الارتقاء والانحطاط , فاننا نجد ان الكلمات الذاتية كثيرا ما تبعث على الالتباس والفهم السيء. ومن هنا الاختلاف الدائم في الدين والفلسفة والاداب والفنون.

العلم لا تنضبط قواعده الا اذا عُبر عنه بلغة الارقام. والفرق بيننا وبين المتوحشين انما هو فرق الدرجة والتفاوت وليس فرق النوع والاختلاف. فنحن نعبر عن حاجتنا بنحو 5000 كلمة، اما الادباء العالميين المشهورين يعبرون عنها بنحو ربع مليون كلمة بينما المتوحش، تكفيه عشرة كلمات، ويعتقد عمّا زاد عن العشرة فهو كثير.

انظر مثلا الى كلمة – الحب – فهذا يحب الله والاخر يحب زوجته والثالث يحب الثروة وغيره يحب اكلة الباجة والبنت تحب القطة وهؤلاء الاطفال يحبون امّهم. فهل يصح ان كلمة الحب في جميع هذه الاستعمالات تعطي نفس المعنى ؟ طبعا لا. فالانكليزي يفصل بين هذه المعاني بأستعمال لفظة Love للزوجة ولفظة Like للقطة.

* مقتبس من كتاب البلاغة العصرية واللغة العربية للعلامة سلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here