طريق الشباب (حلقة ثقافية) الموتى لا يحكمون الاحياء

طريق الشباب (حلقة ثقافية) الموتى لا يحكمون الاحياء (*) د. رضا العطار

منذ مدة مات القصصي الانكليزي المعروف (توماس هاردي) واوصى وصية لفتت نظر الكتاب وبعثهم على انتقاد الميت وتجريح اخلاقه لانه اشترط في هذه الوصية بان يكون نصيب زرجته ما دامت لا تتزوج 600 جنيه فإذا تزوجت لم يكن حقها في الميراث سوى 300 جنيه سنويا.

وواضح ان في هذا الشرط من دنائة النفس ما يشبه العادة الهندية التي كانت سائدة قبل قرنين تقضي بان تحرق المرأة بعد وفاة زوجها. وقد خفت هذه العادة الان الى بقاء الزوجة التي يموت زوجها ارملة مدى حياتها، وليس هذا بالامر الهين فانها تتزوج وتترمل احيانا قبل ان تبلغ العاشرة او الخامسة عشرة، تعيش مدى حياتها في عار الترمل والآم الحرمان وكتم العواطف.

وفي كلتا الحالتين نرى الميت يريد ان يحكم الحي، فيجعل نزوات نفسه ونزقات قلبه حية تعيش بعد موته وهو في قبره رميم. انه في هذه الحالة اشبه شيء بذلك الرجل عندما يوصي بامواله لبعض ورثته دون البعض، ثم يموت ويترك لهم البغضاء والحسد طوال حياتهم، فهذه الدنيا يملكها الاحياء ولا يملكها الاموات، فمن حق الحي الا يعنته الميت. ومن واجب الميث ان ينام وادعا في قبره ويترك الدنيا وتسوية مسائلها لابنائها الذين يسعون على ارضها ويتحملون مشاكلها ويتمتعون بملذاتها.

معظم البشر تنزع نفوسهم الى الخلود، فهم لهذا يقررون قبيل وفاتهم عن سبيل الوصية نظاما يبقى يمثل ارادتهم حين يبلى جسمهم في القبر، ولكن طبع الحياة التطور وشأن الزمن التحول، فلا تكاد تمضي على الميت بضع سنوات حتى يصطدم نظامه القديم بالاحوال الجديدة، ويرى الاحياء انفسهم معرقلين لا يملكون التصرف فيما ينفعهم بما وصف لهم الاب او الزوج من شروط للحياة التي يعيشونها هم. والتي هم اعرف بمصالحها من هذا المتلاشي في قبره. الذي كان يعيش حياة لعلها تختلف جملة اعتبارات عن الحياة التي يعيشها ابناؤه واحفاده؟

* مقتبس من كتاب في الحياة والادب للموسوعي سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here