في ادب الحياة، العراقي وثقافة احترام القانون – 3 مذكرات

د. رضا العطار

ذكرت في الحلقة السابقة اني تعرفت في المنتجع السياحي الكائن على شاطئ بحر البلطيق على مواطن الماني اثناء تناول الطعام ظهرا عام 1962 الذي دعاني الى حفلة يقيمها افراد اسرته في قاعة الفندق في عصر نفس اليوم، و لكنه لم يفضي لي عن طبيعة المناسبة، كما واني لم احاول ان استفهم منه عن سبب هذه المناسبة. لكنني عندما دخلت الصالة في الوقت المحدد، استقبلني الرجل هو وافراد اسرته والبشاشة تعلو محياهم مع أجمل عبارات الترحيب وارقها، كانت مظاهر الفرح تعلوا وجوه المحتفلين، وقد زركشت جدران القاعة بمصابيح الزينة واشعلت الشموع، وقد ترائت لي وكأن مظاهر الاحتفال تنم عن عيد ميلاد لآحد أفراد العائلة، لكنني لم اكن مصيبا في ظني. وكذلك عندما اعلمتني زوجته انها بمناسبة تقاعده عن العمل. كانت هي الأخرى غير مصيبة في رأيها. فقد اعلن الرجل اثناء ترحيبه بالضيوف ما لم يكن في الحسبان، قوله:
(ان الحفلة ليست بمناسبة عيد ميلادي او لاحد افراد اسرتي ! ولا بمناسبة تقاعدي عن الوظيفة كمال اعتقدت زوجتي الحبيبة، وانما بمناسبة شئ أخر. وهنا شدّ الحضور انتباهه وتلهف للسماع – – انما المناسبة هي حكايتي الشخصية مع سنوات خدمتي الوظيفية التي بلغت ثلاثون سنة بالكمال والتمام. لم اتخلف خلالها ولا يوما واحدا ! حتى انني لم اتأخر عن الدوام ولا دقيقة واحدة، فانا فخور بهذه المواظبة في سبيل الاخلاص في الوظيفة !

وهنا وقف جمع الحضور اجلالا، يصفقون له طويلا، بعدها رفعوا الكؤوس، ليشربوا على نخبه وبدأوا يهتفون عاليا: فهذا يقول على نخب رجل الدولة النموذج وذاك يقول على نخب حماة القانون وغيره يقول على نخب الموظف الغيور، بينما ذهب الاخرون يردد عبارة ( برافو ). فالألمان يحترمون المواطن الذي يؤدي واجبه، او يقدم عملا نافعا، يحتاجه المجتمع.

وعندما هدأ المحتفلون، أضاف : ( كنت اخرج صباحا في تمام الساعة السابعة مستعملا دراجتي الهوائية على نحو 10 دقائق، لأصل بها محطة القطار الذي كان يسير بي 30 دقيقة حتى يوصلني الى ساحل البحر لأخذ العبّارة بعد دقيقتين التي تبحر في موعدها المحدد لأصل الى جزيرة الوعول بعد 12 دقيقة. ثم امشي خطوات عبر الشارع لأدخل بعدها الى دائرة عملي قبل بدأ الدوام بدقائق معدودة – – – ومما ساعدني على تطبيق برنامجي اليومي على النحو الذي شرحته، دقة مواعيد حركة المركبات. فلولا ذلك، لما كنت قادرا على تأدية واجبي بالشكل المطلوب).
وبعد انتهاء الحفل خرج الجميع مبتهجين الا انا، فقد غمرني حزن عميق دون ارادة مني ، حيث تذكرت العراق الوطن وحال اهله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here