جامعة الأنبار تتحدى الراجمين !

د . خالد القره غولي
هكذا بدون مقدمات ( جامعة الأنبار ) وتاريخها العظيم المعفر بالتضحيات والبطولات المحلية والعربية والأسيوية والدولية وأهل الجامعة اساتذة وموظفون وطلبة الطيبون الصابرون الذين أمضوا سنين عمرهم بين العمل العلمي الشريف والبحث عن تحقيق النتائج وخدمة العراق وأهل العراق بعيدة كل البعد عن البعد ( الزخم السياسي ) ما وضعت ( جامعة الأنبار ) يدها على مشروع أو عمل أو برنامج إنمائي أو خدمة مجانية تقدمها لمواطني المحافظة إلا وفتحت عليها جبهات وتبدأ رحلة أخرى من المواجهات كي تكون الجامعة بعيدة عما يحدث في المحافظة ! من قتال شرس بين الكتل والأحزاب والعشائر للإستحواذ على سلطة المحافظة التشريعية والتنفيذية ، وللتذكير فقط فإن الجامعة تعد منفردة من بين الدوائر والمؤسسات العاملة في المحافظة بإستقلاليتها الكاملة عن أي قرار تتخذه المحافظة مهما كانت صلاحياتها.. فللجامعة مجلس مؤلف من رئيس الجامعة ومساعديه الإداري والعلمي وعمداء كليات الجامعة وهم مدراء عامون ضمن التشكيلة الإدارية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ولا تنفذ الجامعة أي قرار إلا من وزارة التعليم العالي حصرا .. بين عامي ( 1986- 1987 ) شُكِّلت لجنة رئاسية من السادة عبد الجبار توفيق الذي تقلَّد منصب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فيما بعد ومحمد مهدي صالح وزير التجارة لاحقاً وناجح المعموري لتحديد مواقع أربع جامعات عراقية مستحدثة هي الأنبار والقادسية وتكريت والكوفة ، وبسبب الظروف التي يمر بها العراق ودخوله في حرب طويلة مع إيران وتراكم الديون والأعباء الإقتصادية ، إختارت اللجنة مواقع بديلة لتلك الجامعات ولم توصِ ببناء جامعات جديدة أو تحديد أبنية أو ميزانيات تتناسب وحجم تأسيس جامعة وكليات وأقسام علمية وملحقات إدارية وسكنية وأجهزة ومختبرات .. والحديث عن هذا الأمر طويل وشاق وبعض منه معروف ومتداول والأكبر منه يبقى مُدوناً في ذاكرة الّذين عايشوا ولادة جامعة الأنبار في ( 23 – 12 – 1987 )و( إحتلالها ) لبناية المعهد الفني في الرمادي كما أطلق عليه منتسبو المعهد وهم يغادرون أبنية معهدهم إلى مكانٍ آخر في الصقلاوية ! ومنذ ذلك اليوم لم يكن لجامعة الأنبار دفاعاتٌ أو إسنادٌ أو دعمٌ من وزارات الدولة وأولها التعليم العالي أو محافظة الأنبار بل خاضت الجامعة حرباً ضروساً للإستمرار والبقاء .. والحرب المعلنة وغير المعلنة على الجامعة كانت تدور وتتوزع بين أروقة الحاقدين وشرايينهم ، فبعضهم كان أمياً لا يُحسن كتابة إسمه وإذا به فجأةً يتبوأ منصباً مهماً يضعُ في أولوياته الهجوم على الجامعة ومحاولة الحد من عطائها العلمي والتربوي والثقافي ، ولأن جامعة الأنبار بدأت بكليتين وبضع تدريسيين وعدد من الطلاب ثم بدأت تتوسع عاماً بعد عام رغم ما مرَّ به العراق من ظروف صعبة كان أولها وأصعبها الحصار الإقتصادي والعلمي ( 1990- 2003 ) لكنها إستمرت وإزداد عدد أقسامها وكلياتها ومواقعها وطلبتها المتخرجين وهي ترفع راية العلم سلاحاً للدفاع فقط ضد أسلحة المهاجمين منذ ربع قرن .. بدأت بإسقاط أول رئيس للجامعة بتمزيق ورقة من الجدار الحر ! أعفي على إثرها د. ناجي توفيق من رئاسة الجامعة وتنصيب د. عبد الرحمن العاني رئيساً للجامعة تناسب وجوده تماماً مع الحصار المفروض على العراق ومن بينها بطبيعة الحال جامعة الانبار .. في عام 1997 تسنَّم د. نبيل الراوي رئاسة الجامعة ونُقل منها الى جامعة الكوفة في عام 2001 بعد أن تمكن من إعمار عدد كبير من المشاريع وتقلده لإدارة وقيادة قوية لم تعجب البعض من المتآمرين والمنافقين في محافظة الأنبار.. في عام 2001 نُقل د. عوني كامل شعبان من جامعة تكريت إلى جامعة الأنبار رئيساً لها وهي الفترة التي إنتهت بإحتلال العراق وإعفائه من منصبه في عام 2003 وإنتخاب د. عبد الهادي رجب حبيب رئيساً لجامعة الأنبار في الشهر الخامس من العام نفسه متزامناً مع تصاعد الحملات العسكرية ومواجهة قوات الإحتلال وخطف رئيس الجامعة على أيدي مجهولين لمرتين ومن ثم نقله بطلبٍ منه إلى مكانٍ آخر وإستلام د. محمد الحمداني لرئاسة الجامعة لأشهرٍ معدودة لم تكن كافية لمعرفة ما يمكن أن يقدمه آنذاك بعد تبوأ د. خليل الدليمي لمنصب رئيس جامعة الأنبار وما جرى بعدها من فصول معروفة جداً حتى يومنا هذا .. ما أريد الإشارة إليه أنَّ الجامعة خرَّجت دورتها الأولى في عام 1992 اي في أعوام الحصار حتى عام 2003 وإحتلال العراق وتعرض الجامعة لأكبر عملية سرقة ونهب وتدمير وتخريب لممتلكاتها وكلياتها ومختبراتها وأجهزتها ومكتباتها من لصوص وعصابات عشائرية .. ومن ثم دخول قوات الإحتلال الأمريكي إلى داخل الجامعة وشطرها إلى نصفين للحد من الدوام أو للتلويح بأن الجامعة إنتهى عهدها !
(( ويمكرونَ ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين )) إنسحبت قوات الإحتلال من الجامعة بعد أشهر وعادت جامعة الأنبار يتناقل مجدها قلوبُ أبنائها البررة فإستمرت بعطائها رافعةً بإسم الله عتاد خلودها وذخيرة عزها ، كتباً ومداداً كان وشمه دم شهداء الجامعة .. فعادت الجامعة وتوسعت خطط قبول طلبتها وشهدت زيادةً كبيرة في الأقسام العلمية والدراسات العليا وأصبح عدد كلياتها في السنة الدراسية (2012- 2013 ) إثنتان وعشرون كلية تتربع على مساحة تعادل ثلث مساحة العراق وهي محافظة الأنبار ، آخذةً بنظر الإعتبار ضمن خططها إستحداث عدد من الكليات في المناطق البعيدة عن مركز المحافظة مثل كلية التربية في القائم وكلية التربية الأساسية في حديثة وكلية العلوم التطبيقية في هيت وأربع كليات في الفلوجة كانت ثمرة يانعة لإستحداث جامعة الفلوجة .. منتسبو الجامعة كانوا على دراية تامة وهي في خطوات تقدمها أنَّ أيادٍ خفية في داخل الجامعة وفي خارجها ترفع سيوفاً لذبحها .. نعم وهم لا يتسلحون بغير منابر علمهم ودروع عقولهم .. يوماً بعد يوم وساعةً تلي ساعة يزداد عدد المتآمرين والمندسين والمنافقين بعد أن أضحت جامعة الأنبار مثالاً يُحتذى به بين الجامعات العراقية .. حتى تمكنت منها يد الغدر وأسقطوها بيد الإرهاب الداعشي وهجّروا طلبتها وأساتذتها وعوائلهم في أيام الإمتحانات وهو موعدٌ تم وضعه بعناية كي يهيمن الدواعش على الجامعة معتقدين أنَّ يد الله بعيدة عنهم ! لكن يد الله قريبة وحررت جامعة الأنبار من الحقد والأسود ودخل أبناؤها ليجدوا جامعتهم وقد تحولت إلى ركام وخراب ، فتجولوا بين الصفوف والقاعات المهدمة .. وإصطفوا متألمين لما حدث لجامعتهم ودخان القنابل تفوح منه رائحة الموت أمامهم .. لم يبقَ شيءٌ في الجامعة غير إيمان منتسبيها وصمودهم .. دوامٌ لم ينقطع ومواقع بديلة في بغداد وكركوك وجهود تحملتها الجامعة بدءاً برئيسها ومروراً بمساعديها وعمدائها ووصولاً لتدريسييها وموظفيها وطلبتها .. ذراعٌ واحدة وكلمةٌ واحدة لم تُضَيِّع مستقبل أبنائنا حتى إستمرت الدراسة والإمتحانات في كليات الجامعة وجامعة الأنبار اليوم بقيادتها الشابة تسير في خطوات ناجحة وقوية من اجل تقديم الخدمة الشاملة والكاملة لجميع ابنائها الطلبة الاعزاء .. الآن وبين ساعة وساعة يطوف بين تدريسيي جامعة الأنبار, ونهمس في آذان الشرفاء في هذا البلد ونقول لهم بأنَّ ( جامعة الأنبار ) ليست أبنية أو سقوفاً أو صفوفاً أو كتباً وحسب بل هي ما يؤمن به منتسبوها الصابرون بأنهم ماضون في طريقهم لتحقيق أهدافهم السامية .. خدمةً لأبناء العراق الواحد العزيز .. ولأبناء الأنبار

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here