طبيعة المكبوتات النفسية للانسان البدائي

* د. رضا العطار

تتكون هذه المكبوتات من رغبات عنيفة لم تتحقق إلا من خلال حدث قاس او مخيف يصيب الفرد فيدفعه العقل الواعي آليا للتخلص من ضغطه الشعوري عليه الى اللاوعي، ثم يبدأ الامر المكبوت بعد مرحلة يؤثر على تصرف الانسان. فيغدو سلوكه مدفوعا من لا وعيه. فلا يكون رد الفعل اذ ذاك بمثابة عمل مدرك لغايته انما هو عمل توجهه حالة شعورية نتجت عن هذا الكبت الذي حفظه في عقله الباطن.
ويحدثنا فرويد المحلل النفسي الشهير ان المكبوتات في مراحل تطور الانسان البدائي دخلت في جيناته الوراثية فكونت جزء من شخصيته وذلك في معرض حديثه عن جريمة قتل الاب التي كان الابناء يمارسونها في عصور سحيقة من القدم.

فقد كان الابناء قديما بعد اشتداد عودهم يقتلون الاب ليمارسوا سلطته ويحلوا محله بأستئثارهم بنساء الاسرة ، وظاهرة طرد الاب تقابلنا في فصيلة الاسود وتصرف اللبوات والاشبال مع الاباء بعد ان يبلغ الاشبال مرحلة يستطيعون فيها القيام بوظائف الاب من قدرة على الحماية وممارسة الجنس، وكذلك يقابلنا ما يشبه هاتين الظاهرتين في مجتمعات الاسكيمو البدائية حيث تستبدل الام زوجها بابنائه الذكور في عملية الجنس عندما يكبرون، وتستثير الابنة الفتية شهوة ابيها فيعاشرها. فالشعور بذنب قتل الاب والحاجة الى امن الاسرة وعدم تقاتلها هو ما استقر في الجينات الوراثية للانسان البدائي وبذلك بدات مرحلة في العلاقات الجنسية ما نسميه اليوم بالمحارم.

لقد عجز الانسان البدائي تحقيق ارادته في تعاطيه مع الطبيعة والبيئة ولذلك اوجد في نفسه قلقا عميقا. وقد اعتقد العالم الامريكي ادلر بان محاولة التغلب على القلق قادت الى بناء الحضارة الانسانية. هذا القلق تشكل من الرغبات المكبوتة. وشكّل الخلفية النفسية التي تتحكم من اللاوعي بفعل الانسان الواعي في تعامله مع الطبيعة فهو مثلا لم يستطع تقليد الطيور في الطيران ولا الاسماك في عيشها تحت الماء وبدا كذلك يدرك تراكم تجاربه وخبراته التي نتجت عن استعماله لما تقدمه له الطبيعة كما ادرك الفرد من خلال اتصاله بالجماعة بما ينبغي عليه ان يتعلمه.

ولعل المكبوت النفسي الاهم او القلق الاعظم هي المخاوف في مسألة الموت التي تثيرها نفسه. فالحب ينشأ عن الحس المريح المتوالي لدى الانسان وفقدان الانسان البدائي لرفيقه بسبب الموت يشكل بالنسبة اليه غياب اللذة المعتادة فيثير فيه ذلك الاسى والرعب. لكن الحيوانات لا تدرك واقعة الموت ولو انها قد تفجعها في مرحلة حسها الغريزي للمحافظة على النوع ابان مرحلة تنشئة وليدها. اما الانسان فيفتقد الميت بوعيه وبغريزته تبعا لصلته النفعية او الحسية او الاجتماعية.

يقول كلكامش بعد موت اخيه انكيدو : ( اخي، اخي العزيز لماذا لم يحلّوني مكانك ؟ – هل سوف لا ارى اخي العزيز بعيني ابدا ؟ – الان ما هذا النوم الذي يمسك بك ؟ لقد اصبحت شيئا مخيفا لانك لا تسمعني ! )

غالبا ما ياتي الموت فجأة فيرى الانسان على ابناء نوعه بانقطاعهم عن تحقيق رغباتهم بالموت، فيفجعه هذا الامر كأن يسقط انسان امام رفاقه عن شجرة وهو يتسلقها ليقطف من ثمرها فيموت دون تحقيق هدفه – – – هذه الامور مجتمعة شكلت مكبوتات نفسية احدثت قلقا لدى الانسان البدائي.

* مقتبس من كتاب الانسان والحضارة لمؤلفه عبد المجيد عبد الملك.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here