عجز الثقافة والعقل .. وشخصية ( قواد) إنساني

خضير طاهر
حالة من الفرح الغامر سيطرة على الصديق خالد مروان سببها ذهابه اليومي الى مكتبة المتحف البريطاني في لندن ، وتنقله بين رفوفها حيث تحوي ملايين الكتب .
سألته حينما تواصلنا بواسطة المسنجر :
– (( عن ماذا تبحث في الكتب ؟))
– (( أنا توقفت عن البحث منذ ان إقتنعت انني أعيش داخل سجن ورطة الحياة ولاتوجد وسيلة لإنقاذي ، وأصبحت أإطلق العنان لنفسي في قراءات حرة ليست غرضية هدفها البحث وتسجيل الملاحظات ، بل صرت أ طوف على الكتب لخلق لحظة سحرية خاصة معها ، كي أنفصل عن جحيم الواقع وأعيش لحظة غياب عنه )).
– (( خالد هل أفهم من كلامك ان الثقافة غير مفيدة لإنقاذ الإنسان ؟))
-(( لا الثقافة ، ولا العقل .. ولا أي قوة بمقدورها التأثير في الحتميات كالأقدار والموروث النفسي والعقلي ، وحقيقة اننا سجناء داخل إصطبل الحياة المفروضة علينا ونتوهم اننا أحرار )).
– (( عزيزي خالد .. ماالعمل إذن وهل يوجد أمل ، إذا فقدنا الإيمان بالعقل والثقافة ؟)).
– (( منطلقات البشرية خاطئة في إفتراض الغاية الإيجابية للحياة ، ووجود روح طيبة لدى الإنسان .. المشكلة في أصل الوجود ليست هناك ضوابط خيرة تحكمه بعد ان لمسنا تخلي الرب عنه وتركه للفوضى والشر ، وايضا المشكلة في المخلوقات البشرية المحكومة بالانانية والسلوك العدواني الشرير )).
كلما ألتقي بخالد وأصغي الى كلماته ، أسمع صدى أفكاره في داخلي .. هذا الشخص كثيرا ما يتكلم بأفكاري وينطق ما أريد قوله ، في حياتي لم ينقذني العقل ولا الثقافة ، قضيت سنين طويلة مع الكتب ، لكن دون فائدة ، وصلت الى عمر الخمسين عاما وأنا غير منتبه الى جريمة تشريع ملك اليمين وسبي النساء ، ياللهول .. كنت أمر عليها بلا أدنى شعور بوجود جريمة وحشية ضد الإنسانية ، سطوة المعتقد تدمر العقل والضمير وتحول الكائن المؤدلج بها الى مسخ ، ثم جاءت لحظة الخلاص بفعل المؤثرات الخارجية والإصغاء الى إحتجاجات الرافضين للأديان والفضل يعود الى ما حركه ضرر الدين على مصالح البشر وحياتهم من نقد وإحتجاج وتمرد ، ولازلت متوجعا كيف قبلت على نفسي التعايش مع حالة الإنتماء الى دين يشرع الى خطف النساء من بين أطفالهن بعد قتل أزواجهم وأباهن ، يؤخذن أسيرات مسبيات ويتم إعتصابهن كل يوم ويستعبدن كجاريات طوال العمر جرى ذلك على مر تاريخ الدين وبمباركة نصوصه ، وعلى الطرف الآخر العقل والثقافة لم ينقذ الناس من التورط بأيدلوجيات معادية للبشرية مثل : الشيوعية والنازية والقومية والحركات العنصرية وغيرها ، ورغم ثراء الأرض لكن العقل البشري والثقافة فشلتا في إطعام الجياع ووقف الحروب ، وتُرك المرضى والجياع يموتون لأن الأنسان أناني من حيث اأصل تكوينه ولايستطيع الإتفاق على نظام عالمي عادل!
سألت خالد (( هل خذلتك الثقافة والعقل في حياتك اليومية ؟))
-(( طبعا بكثرة ، لكن ما أتذكره وترك جرحا في نفسي هو انني في أحد الأيام ذهبت الى الدعارة في أحد الفنادق ، صدمني ( القواد ) بشخصيته المذهلة ، كان يجلس قرب إحدى العاهرات وهو يكفكف دموعها ويهدؤها كالأب الحنون ، كان يفيض حنانا ومحبا وإنسانيا نحوها ، محطما الصورة التقليدية النمطية عن ( القواد ) التي تظهره بمظهر الساقط أخلاقيا والقاسي المتوحش .. كانت العاهرة تبكي بسبب عدم طلب الزبائن لها ، إتجه ( القواد ) نحوي ورجاني بصوت مهذب بأن أختارها ، رأيت إنكسارها ودموعها ولم أتأثر و إنشغلت في تفحص جسدها .. ، وعندما وجدتها لاترضي شهواتي رفضت توسلات ( القواد ) وإخترت واحدة آخرى ، فيما بعد حينما خلعت جلد الوحش المفترس الباحث عن اللذة ، برز موقف ( القواد ) الإنساني أمامي ، وإكتشفت كم كنت مستلبا وفاقدا للقيم الإنسانية في تلك اللحظة بحيث رفضت تطييب خاطر إمرأة محطمة أجبرتها الظروف على العمل عاهرة ، وكانت هزيمتي كبيرة أمام نفسي عندما إنتصر ( القواد ) إخلاقيا في تلك اللحظة عليّ ، وتهاوت مدحورة كل الكتب التي قرأتها وتعطل العقل ، وتجمدت المشاعرالإنسانية ، مؤسف إدراك الشخص لفعله الحقير بعد فوات الأوان !))

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here