تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي بشأن الانتخابات يُربك الحكومة والمفوضيّة

بعد تشكيك تقرير موسّع لبعثة خبراء الاتحاد الأوروبي في العراق، بنزاهة الانتخابات البرلمانية الأخيرة وسلامتها، أكدت مفوضية الانتخابات أنها بصدد الرد على كل ما ورد في التقرير.
واعتبر مختصون بمتابعة الشأن الانتخابي أن بعض الفقرات التي احتواها التقرير ونشرت في وسائل الإعلام دقيقة وهي قد تؤثر على الاعتراف الدولي بالعملية الانتخابية العراقية في حال لم يتم الرد عليها. وفي ما يأتي أبرز السلبيات التي أشّرها التقرير:
1 ــ غياب الشفافية وعدم إجراء مراجعة وتدقيق مستقلينِ لنظام تكنولوجيا المعلومات المستخدمة وتغيّر التشريعات خلال العملية الانتخابية.
2 ــ احتواء الإطار القانوني لانتخابات 2018 العديد من الأحكام التي لا تتماشى مع التعهدات الدولية والمبادئ الدولية للانتخابات الديمقراطية.
3ــ في خطوة غير مسبوقة أقرّ مجلس النواب السابق تعديلاً على قانون الانتخابات بعد إعلان النتائج الأولية مما أحدث تغييرات مهمة.
4 ــ لم تلاحظ أي جهود مبذولة من قبل المفوضية لتسهيل وتمكين الناخبين من تسلّم بطاقات الناخب بسلاسة مما حرم أكثر من 20 % من الناخبين المسجلين بحكم الامر الواقع من حقهم في الاقتراع.
5 ــ أغلب المحاورين على قناة العراقية المملوكة للدولة كانت منحازة بشكل واضح لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي.
6 ــ على الرغم من افتراض استقلاليتها إلّا أن أعضاء مفوضية الانتخابات هم مرشحو الكتل السياسية الرئيسة.
7ـ لم تتم حماية سرّية الناخب بشكل كافٍ.
8ـ تقاعس المفوضية وفشلها في إجراء تدقيق ومراجعة مستقلينِ للأنظمة الإلكترونية المستخدمة.
9ــ لم يتمتع وكلاء الكيانات السياسية والمراقبون بحرية الوصول بالشكل المطلوب والكافي.
10 ــ لم يتم اتباع إجراءات العدّ بشكل روتيني منتظم
وردّ مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات على تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق، قائلا إن “من منطلق الشفافية خضعت انتخابات 2018 لمراقبة المنظمات المحلية والدولية، ومن بينها بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات”.
وأضاف بيان صادر عن المكتب الإعلامي لمفوضية الانتخابات تلقته (المدى) أنّ “المفوضية تابعت تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي الأخير الذي تداولته وسائل الإعلام”، معلناً أنّ “المفوضية بصدد إعداد تقرير مفصّل يتضمن إجابة رسمية على ما ورد في التقرير في الجانب المتعلق بعمل المفوضية، وسيتم توزيع الإجابة على الرئاسات الثلاث، والمنظمات الدولية، وبعثة الاتحاد الأوروبي”. ويقول الخبير في الشأن الانتخابي عادل اللامي في تصريح لـ(المدى) إن “معظم التقارير التي تصدرها فرق الرقابة الدولية من ضمنها الأوروبية والأمريكية تكون مساندة، وهذا ما لاحظناه في الانتخابات السابقة”، معرباً عن استغرابه من “إصدار هذا التقرير للمرة الأولى من جهة أوروبية في هذا التوقيت بالذات بعد انتهاء فترة عشرة أشهر من موعد انتخابات مجلس النواب”. ويشير الى أن “المراقب الدولي يراقب العملية الانتخابية من الناحية الشكلية كانتشار صناديق الاقتراع، سرّية التصويت في كابينة أو غيرها، وعدم وجود مسلحين في قاعة الانتخابات، وهكذا”. ويضيف اللامي أن “الفرق الدولية تكون بعيدة عن الأمور الموضوعية التي تتعلق بحدوث عمليات تزوير، كون عملية المراقبة تكون في يوم الاقتراع”. وأظهرت الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 أيار الماضي نتائج قلبت الموازنة السياسية، وبمقتضاها استبعد 70 % من النواب الموجودين في الدورة الانتخابية المنتهية مع صعود وجوه جديدة، الأمر الذي دفع الخاسرين إلى الضغط على المفوضية والقضاء بدعاوى وجود تزوير.
ويرى رئيس مجلس مفوضية الانتخابات للدورة الأولى أن نشر هكذا تقرير “يدخل ضمن الدعاية التحشيدية على السلطة التشريعية الجديدة في العراق مع وجود حملة دولية (مشابهة) ضد الحشد الشعبي بعد فوز أعضائه بمقاعد في البرلمان”، مضيفا أن “هناك محاولة للطعن في صحة الانتخابات بأي شكل من الأشكال”. وينوه إلى ان “الانتخابات البرلمانية الأخيرة شهدت الكثير من التساؤلات واللغط ورافقها إحراق للأجهزة وتعديل لقانون الانتخابات وانتداب قضاة بسبب وجود مشكلات رافقت العملية الانتخابية”، معتبرا أن “إصدار وتسريب هذا التقرير في الوقت الحالي فيه جنبة سياسية”.
ويتفق الخبير في الشأن الانتخابي مع السلبية التي أشرها التقرير والتي تخص تعديل قانون الانتخابات من قبل البرلمان السابق بعد يوم الاقتراع، معتبرا أنها “سابقة خطيرة وخرق للمعاير الانتخابية الدولية والديمقراطية”. ويطالب اللامي مفوضية الانتخابات “بتوضيح ما أثاره التقرير من نقاط أخرى تتحدث عن الأمور الفنية”، متمنياً أن “ينشر هذا التقرير المكون بحسب الكتاب الصادر عن الخارجية من 34 صفحة لتحقيق الشفافية أمام الرأي العام”.
ويتابع ان “صحة معلومات هذا التقرير ستكون لها آثار على الرأي العام الدولي تجاه العملية الديمقراطية في العراق التي قد تلقي بظلالها بسحب الدعم الدولي للعملية السياسية”، معربا عن قلقه “من اتخاذ هذه المعلومات كذريعة للمجتمع الدولي من أجل التدخل في الشأن العراقي”.
ويلفت إلى أنه “في حال عدم صحة هكذا معلومات بإمكان تقديم احتجاج عن طريق وزارة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي كونه أورد معلومات غير صحيحة تؤثر على الرأي العام”.
بدوره يقول المنسق العام لشبكة الشمس لمراقبة الانتخابات هوكر جتو في حديثه لـ(المدى) إن “تقرير خبراء الاتحاد الأوروبي الذي شخص الكثير من المشاكل التي رافقت عملية الانتخابات البرلمانية ستكون له تبعات خارجية وداخلية”، منوها إلى أن “تداعياته تتطلب إجراء تحقيق من قبل الجهات القضائية للتأكد من صحة هذه المعلومات ومحاسبة المقصرين”.
ويتابع جتو أن “انعكاسات إصدار هذا التقرير على المستوى الخارجي ستكون من خلال التشكيك في شرعية السلطة والعملية السياسية من قبل المجتمع الدولي بعدما تحدث هذا التقرير المسرّب عن وجود ضغوط مُورست على الناخبين مما أعطى انطباعاً على عدم شفافية نتائج الانتخابات بشكل عام”.
وتناولت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام خلال اليومين الماضيين كتابا صادراً عن وزارة الخارجية يحمل عنوانا “سري وعلى الفور” موجهاً إلى السلطات الثلاث، يشير إلى أن بعثة خبراء الانتخابات في الاتحاد الأوروبي أشرت وجود سلبيات عديدة رافقت العملية الانتخابية .
وكان البرلمان السابق قد صوّت في شهر شباط من عام 2018 على مقترح التعديل الثاني لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013، متضمناً للمرة الأولى اعتماد التصويت الإلكتروني وعلى 1.7 لاحتساب الأصوات. وبعد ثلاثة أسابيع من إجراء الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12/5/2018 صوّت مجلس النواب (حينها) على تعديل قانون الانتخابات البرلمانية متضمناً إعادة العد والفرز اليدوي بدلاً من الإلكتروني في كل المحافظات العراقية وإلغاء نتائج انتخابات الخارج والتصويت المشروط. وتضمن التعديل الثالث الذي أقره البرلمان بعد الانتخابات مواد شملت إلزام المفوضية انتداب 9 قضاة لإدارة مجلس المفوضية يتولون صلاحيات مجلس المفوضين بدلاً من مجلس المفوضية ويجرون عمليات العد والفرز اليدوي.
ويعلق جتو قائلا إن “هذا الإجراء يعد سابقة خطيرة في العراق تعطي الأحزاب المتنفذة الحق بإجراء تغييرات في قانون الانتخابات في حال خسارتها في السباق الانتخابي”، معتبرا أن “هذه التصرفات لها انعكاسات على العملية السياسية”.
ويضيف، أن مفوضية الانتخابات لم تعلن عن استمارات التدقيق التي قام بها القضاة المنتدبون لنتائج العد والفرز الالكتروني واليدوي وهذا يشير بوجود تلاعب وعدم مطابقة للنتائج، منوها إلى ان “القضاة التسعة اعتمدوا على كوادر مفوضية الانتخابات في تدقيق المحطات المشكوك بها”.
ويتوقع أن “الضغوط السياسية التي مارستها الكتل والأحزاب على القضاة التسعة ساهمت في عدم كشف هذه الخروق والتلاعب التي حصلت في نتائج الانتخابات في المحطات المشكوك بها التي تمت إعادة عدها وفرزها يدويا”.
وكان مجلس القضاء قد أكد انه لا يوجد نص قانوني يعطي الصلاحية الى الهيئة القضائية لاتخاذ “قرار عام” بإلغاء نتائج معينة سواء داخل العراق أم خارجه، كما لا يوجد نص يعطي الصلاحية للطلب من المفوضية إعادة احتساب نسبة معينة من نتائج الانتخابات بطريقة يدوية، لأنّ هذا الطلب يخالف القانون.
كان رئيس مجلس الوزراء السابق حيدر العبادي قد أعلن حينها أن اللجنة الحكومية التحقيقية التي شكلت للنظر في التلاعب الذي حصل في الانتخابات كشفت عن حالات تزوير في بعض مراكز الاقتراع، موضحاً أن “الاعتماد على أجهزة غير مفحوصة في الانتخابات أوقعنا في إشكالات”.
وأدخلت مفوضية الانتخابات الأجهزة الالكترونية للمرة الأولى في اقتراع 12 أيار الماضي بعدما تعاقدت مع إحدى الشركات الكورية الجنوبية لشراء 59 ألف جهاز مسرّع للنتائج بلغت كلفتها ما يقارب 97 مليون دولار.
كما استأجرت مفوضية الانتخابات قمراً صناعياً لنقل بيانات الناخبين من 54 ألف محطة انتخابية في عموم العراق إلى المركز الوطني الواقع في العاصمة بغداد بفترة لا تتجاوز الساعة الواحدة.
ويبين المراقب للشأن الانتخابي أن “هناك تقارير استخبارتية أثبتت عدم وجود ارتباط بين قاعدة العد في جهاز التحقق مع السيرفرات الأمر الذي ينافي ما صرحت به مفوضية الانتخابات في وقت سابق ان هناك ارتباط بين أجهزة العد والفرز وهذه السيرافرات”.
ويوضح أن “أعضاء مفوضية الانتخابات كانوا على علم بعدم ارتباط قاعدة العد بأجهزة التحقق مع السيرفرات”.
ويلفت جتو إلى ان “مفوضية الانتخابات أبعدت (79) موظفا من مراكز مهمة ونقلتهم إلى المحافظات وعوضتهم بموظفين تابعين إلى القوائم التي فازت في الانتخابات الأخيرة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here