خريف الأغصان العربية !!

الأرقام على سطور الويلات تُشطب , والأوراق تتهاوى من أغصان الشجر , وجميعها ذات يومٍ كانت تُسمى بالبشر , فالأرقام تأكل أرقاما , والأغصان لا يعنيها تساقط الأوراق فأنها ستلدها في ربيع قادم , كما أنها لا تريدها لكي تقاوم رياح الشتاء فلا تنكسر , أي أن الأغصان ترفض أوراقها لكي تبقى وتتنامى , والأرقام تتماحى وهي تُطارد سراب البقاء , وتتنعم بوهم القوة والهيمنة والإقتدار , وما هي إلا تنتظر دورها لتكون فريسة لرقم جديد.

الأخبار تعج بالأرقام العربية الممحية , وأوراق أشجارها المتساقطة في جميع المواسم , ولا شيئ قد حصل سوى أنها الأرقام والأوراق التي ستدوسها الأقدام وتغيب في غياهب النسيان والذوبان ببدن التراب.

الأرقام العربية بخسة ومملة وتتكرر برعونة في مواقع الأخبار , ولا أحد يأبه لقيمتها وكثرتها , فلا فرق ما بين المئة والألف والألفين , فجميعها أرقام لا معنى لها ولا قيمة ولا دور , بل أنها أصبحت ضارة ومن المنفعة البشرية العامة أن تُمحى , أما أرقام الدنيا فأن الواحد منها يعني أمة ووطنا وقيمة كبرى , وإن سقط الرقم سقطت معه رايات الحرية , ولهذا تهب الجماهير تطالب بحق الرقم الساقط من دوحة الحياة الإنسانية.

فلماذا تحول البشر العربي إلى رقم بلا قيمة ولا معنى ولا أثر , ومن الطبيعي والعادي , أن تتداوله الأخبار وكأنه رقم من الآرقام لا بشر فيه نبض إنسان؟!!

لماذا أيها العرب المكبّلون بالهوان؟!

أ تعرفون ماذا سيحصل لو أن صينيا واحدا في أرجاء المعمورة مسّه ظلم , أو تم الإعتداء عليه , والتعامل معه على أنه رقم من الأرقام؟!

إن الصين ستقيم الدنيا ولا تقعدها , وستحسب ذلك إعتداءً غاشما على سيادتها وكرامتها وعزتها , وتصغيرا لقيمتها ودورها المعاصر , وستتخذ الإجراءات المتناسبة مع الموقف.

أما في بلادنا فالأرقام تمحى بالعشرات ولا من حيص ولا فيص , فالرقم يُقسم على بعضه ويُطرح من بعضه , ويُضرب ببعضه حتى الفناء , فلماذا يتساءل العرب عن موجات القتل الفظيع العاصفة بديارهم؟

إن إنتفاء قيمة الإنسان العربي هي جوهر البلاء القائم , ولا يمكن العيش بحرية وكرامة وسعادة وبهجة وطنية إنسانية , إلا بالرجوع إلى قيمة الإنسان وتأكيدها والعمل على الحفاظ على حقوقها ومعاييرها وتضمينها في الدساتير والقوانين والمواثيق , ومن غير ذلك ستبقى نواعير الأرقام تدور , وأوراق الشجر تتساقط في جميع المواسم , والعالم يرنو إلى الواقع العربي ويحسبه متخلف متورط بالجنون والفساد والمجون!!

فهل من غيرة على قيمة الإنسان يا عرب؟!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here