محمد حمام “”صوتك زى ابتسامة الطفل ف القلب اليسارى

علي المسعود

تحل هذه الايام ذكرى رحيل الفنان التقدمي محمد حمام، المولود فى 4 نوفمبر 1935 بحى بولاق بالقاهرة ، وعاد طفلا إلى مسقط رأس أسرته “محافظة أسوان”، فتشبع صوته بنغم الفن النوبى، «محمد سيد محمد إبراهيم» هو المغني والشاعر والمهندس المعماري الشهير بـ«محمد حمام» والراحل في 26 فبراير 2007 صورة لملحمة كفاح وإبداع وتضحية في سبيل الوطن الذي آمن برسالة تحريره وتحقيق العدل بين أبنائه- فكان الثمن خمس سنوات متصلة قضاها في مطلع شبابه بين المعتقلات والسجون بلا جريمة- مع كوكبة من رموز النضال الوطني ومن المبدعين والمثقفين المصريين، وكان أول مغني يتم اعتقاله مع المفكرين والكتاب اليساريين في سجن الواحات ضمن كوكبة من أبناء الوطن بينهم الفنان على الشريف وعبد الستار الطويلة وكذالك رفعت السعيد وغيرهم وما ان أفرج عنه عام 1964 حتي عاد لاستكمال دراسته بكلية الفنون الجميلة إلي أن تخرج عام 1967 ، بعدها واصل “محمد حمام” ممارسة موهبته التي عثر عليها وصقلها في المعتقل. فقد كان يغنى أغاني عبد الحليم حافظ فى السجن وشجعه زملاؤه وحتى السجانة الذين عبروا عن فرحهم بصوته بإلقاء السجائر له من شباك الزنزانة بعد أن خرج محمد حمام للحياة العامة وأفرج عنه، قدمته سلوى حجازي في برنامج “الفن والحياة” وهو من إعداد حسن فؤاد الذى كان زميله فى المعتقل ليغنى “يا عم يا جمال”. وبعد النكسة وبالتحديد فى عام 1968 استعانت به الشؤون المعنوية فى القوات المسلحة ليغنى لجنودنا أغنيته الأشهر”يا بيوت السويس” وهى من كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودى وألحان إبراهيم رجب. وكانت انطلاقته

الحقيقية حينما قدمة الملحن محمد الموجى للجمهور فى حفل “أضواء المدينة” الذى أقيم فى سينما قصر النيل بأغنية “يا عم جمال يا ليله” التى لاقت قبول الجماهير حينذاك، فانطلق بصوته الثائر يعبر عن أفكاره بألوان غنائية مختلفة منها النوبى والصعيدى والبدوى. كان صوت محمد حمام نسيجا فريدا من الرقة والنعومة.. يترقرق منسابا كتيار نهر النيل الذي تفتح عليه وعيه طفلا صغيرا بإحدي قري النوبة بجزيرة تقع أمام مدينة أسوان اسمها «الفتية» وبقدر ما حمله هذا الصوت من حزن وشجن، فقد كان مشبعا بطاقة من الحب للحياة وللحرية والسلام، لهذا دخل قلوب كل العرب من خلال أغنياته ومقدمات المسلسلات الإذاعية وايضا التليفزيونية ومنهم مسلسل العشق و السفر و الهلباوى من اخراج انعام محمد على وبالرغم من شهرته التي حققها كمغن علي مستوي مصر والعالم العربي ،فإن ذلك لم يصرفه عن حبه لفن العمارة- بل اعتبره المورد الرئيسي لرزقه، فيما جعل الغناء هوايته وعشقه- وليس لأغراض مادية، مما جعله متحررا من شروط السوق ومنحه حرية مطلقة في اختيار أغانيه والشعراء مثل عبدالرحمن الأبنودي ومجدي نجيب والملحنين محمد الموجي وإبراهيم رافت ، حاول جاهدا تغيير طريقته في الغناء فذهب إلي الموسيقار محمد الموجي واكتشف انه يخاف مواجهة الناس فاقترح ان يعامله كإنسان أولا، بعدها اشتكي من عدم الاستماع لنصائحه الموسيقية وكاد ييأس، وأخيرا وبعد طول عناء أصبح لديه مشروع مطرب محترف، فقدمه للأستاذ «فهمي عمر» رئيس الإذاعة في ذلك الوقت، فأعجبه ووافق علي تقديمه في حفل أضواء المدينة بسينما قصر النيل أوائل عام 1968، وعلي المسرح كان خائفا ولكي يداري خوفه وضع يديه في جيوبه وغني وخلفه الفرقة الماسية التي كانت المرة الأولي التي تصاحب مطربا جديدا، فهي أكبر فرقة موسيقية في ذلك الوقت والتي تصاحب عادة عبدالحليم حافظ ونجاة ومحمد عبدالوهاب وعازفيها ضمن فرقة أم كلثوم، لدرجة ان أحمد فؤاد حسن مايسترو الفرقة اعتبر ماحدث نوعا من المغامرة ورغم ارتباكه وخوفه علي المسرح حقق الفنان الراحل محمد حمام نجاحا في هذه الحفلة فاق كل التوقعات. و لكنه منع من الغناء بسبب مقال صحفي ، عندما أصدر الكاتب الكبير «توفيق الحكيم» بيانا سياسيا وقع عليه محمد حمام ضمن مجموعة من السياسيين والشخصيات العامة، وكتب «موسي صبري» رئيس

تحرير جريدة الأخبار في ذاك الوقت مقالا في الصفحة الأولي معلقا علي البيان بعنوان «حتي أنت يا حمام» لفت نظر المسئولين، فصدر قرار من الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإعلام في تلك الفترة بمنع” محمد حمام ” من الغناء في الإذاعة والتليفزيون، لكنه لم ييأس فسافر ليواصل الغناء الوطني في ليبيا والعراق واليمن والجزائر سافر إلى فرنسا، شارك كمطرب وممثل في فيلم من إنتاج تونسي فرنسي مشترك بعنوان “سفراء”، وسجل بصوته أغنيته الشهيرة “بابلو نيرودا”، والتي حققت نجاح كبير وبيعت منها آلاف النسخ في فرنسا وأمريكا اللاتينية والبلاد العربية. كتب كلمات الاغنية الشاعر سمير عبدالباقي وألحان عدلي فخري والتي حققت توزيعات هائلة علي مستوي

“صوتك على موج البحور لقلوبنا سارى

زى ابتسامة الطفل فى القلب اليسارى

طول عمرى شايفه فى الحوارى

وشايفه تانى بيلم عضم الفلاحين من رملة سينا”

لكن الحنين إلي حضن الوطن وماء النيل دفعه لأن يشد الرحال إلي مصر في الثمانينات وأن يؤسس مكتبا هندسيا بوسط القاهرة وفي الوقت ذاته استمر في القيام برسالته الوطنية، النبيلة بمواصلة نضاله السياسي كواحد من مؤسسي حزب التجمع التقدمي الوحدوي المؤمنين بمبادئه، لكن سلاحه لتحقيقها لم يكن غير صوته الدافئ وأشعاره الحانية وألحانه العذبة، فكانت جميعها زادا للحالمين بالحرية والعدل والسلام. مجدي نجيب قال عنه: “محمد حمام كان يغني من موروثه الجنوبي الذي يفيض شجنا موجعا وكأنه بصوته يبرز هذه الطبيعة المتقلبة طقسا ولونا”. وفي الاتحاد السوفييتي أقيم مؤتمر بمدينة كييف عاصمة أوكرانيا عن الأغنية الأفريقية، واختير الفنان محمد حمام لإلقاء كلمة افتتاح المؤتمر. عبدالرحمن الأبنودي قال عنه: “محمد حمام مغن يختلف عن أي مغن آخر في مصر لأنه كان أولا شابا مصريا يناضل قضي نحو خمس سنوات في المعتقل بسبب إيمانه بقضية الشعب المصري وهو ما لم يحدث لمطرب آخر ومعني ذلك انه كان يؤمن بأن الغناء يصلح لأن يكون وسيلة نضال”. لم يكن “السفراء” هو الفيلم الوحيد الذي شارك فيه حمام، حيث قام

بأدوار في بعض الأعمال السنيمائية منها فيلم “ظلال على الجانب الآخر” للمخرج الفلسطينى غالب شعث، وفيلم “الرحيل لا” وهو فيلم كويتي- مصري- سوداني، للمخرج ماجد عبدالله، كما قدم حمام “سهرة نوبية” تلفزيونية شهرته من إخراج الفنانة مجيدة نجم، و كان محمد حمام أول فنان يغني ويقدم التتر للمسلسلات الاذاعية حيث قدم أغنية تمثيلية “الأم” التي كان يقدمها بصوته المملوء بشجن وكانت الجماهير تسمعها مع موعد التمثيلية الاذاعية الشهيرة .

تقول كلمات الأغنية التي كتبها عبدالرحمن الأبنودي ومن ألحان ابراهيم رجب

أمايا ….. يا أمه

يا سكنه جوايا في الحتة اللي بيعلي منها ضحكي وبكايا

يا أمه …. أما يا أمه

ابنك الغريب ع الدرب الغريب يا اما

بتدور جروحه يا أمه علي بيت الطيب

يا أحن الأطبه عليه يا امه أمايا

يا شجرة منبتة جوه فروع الروح يا أما

أمايا يا أماه….

الفنان الراحل ” محمد حمام” لم يكن مطرباً تقليدياً بمعنى أن الغناء لم يكن مهنته، بقدر ما كان أحد تجليات المناضل اليساري الذي حل ضيفاً على معتقلات تلك الفترة السياسية التى كان يعشقها ويغنى لها، فقد قبض عليه بتهمة الانتماء للشيوعية فى1959 وتعرض للتعذيب والضرب ليس فقط فى داخل المعتقل ولكن الشيء الغريب أن وكيل النيابة عندما سأله ما أسمك ورد عليه قائلاً “حمام”، صفعه على وجه وهو يقول له ساخرا ً”طيب.. طير يا حمام” وعندما صرخ محمد حمام من شدة الألم صائحاً ” آه” صفعه مرة أخرى وقال له “لا تقل “آه” قل “أفندم” وقد ذكر حمام هذه الواقعة في حديثه لجريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر بتاريخ ( 7 اكتوبر2002). وكان قد سقط مريضاً

بشلل رباعى فى سبتمبر ١٩٩٨، و اصبح قعيدا على كرسى متحرك، و سبق ان قال محمد حمام قبل أن يقعده المرض: «أنا أغنى للكادحين والمستضعفين، وأغنى للصمود والمقاومة، ولأبناء المحروسة.. ولم ولن أغنى للفساد.. أجوع مثل كل المصريين.. ولكنى أحمل هامة شامخة.. يفتخر بها كل نوبى مصرى». وفي هدوء تام، رحل “حمام” عن عالمنا في 26 فبراير 2007، بعد أن أنهى رحلته الطويلة مع المرض، وحيدًا على سرير المستشفى العكسري، لم يعد يتذكره أحد أو يزوره زملاءه في العمل الفني، بعد أن عانى طويلاً من آلام المرض . وحين توفي (محمد حمام) تحدث عنه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي رفيق عمره وصديقه بقوله (“محمد حمام” يختلف عن أي مغن آخر في مصر بإعتباره شاباً مناضلاً قضي نحو خمس سنوات في الأعتقال بسبب ايمانه بقضية الشعب المصري وهو لم يحدث لمطرب آخر ومغني ذلك أنه كان يؤمن بأن الغناء ، يصلح لأن يكون وسيلة نضال، وقد بدأت العلاقة والتعارف بيني وبين حمام بعد خروجه من السجن وأحبه الفنان كمال الطويل بشدة وقدمه في أحد البرامج التليفزيونية فأحدث حالة من الاعجاب الشديد وتساءلت عنه الناس خاصة أنه ظهر عليهم ببشرته السمراء وآلة الايقاع التي تشبه آلات الايقاع الأفريقية وراح ينقر عليها بأصابعه مما لم يراه الناس في مصر من قبله ). الفنان”محمد حمام ” الذي رسمه الفنان جورج البهجوري بكاريكاتير خاص وأحبه الفنان عدلي رزق وشارك مع المقاومة الفلسطينية . كان حمام محباً للوطن مهموماً بقضايا ودفع فاتورة غالية 5 سنوات في الاعتقال كما كان مؤيداً لحركة البولسيرو المغربية وشارك في مؤتمر الأغنية الدولية من أجل السلام بموسكو مؤيداً لحركات التحرر الوطنية، كما شارك في دعم القضايا الانسانية والاجتماعية . قضي”محمد حمام” حياته مناضلا من أجل الحرية والعدالة والغناء للوطن ومن أجل الوطن حتي لو كان الثمن حياته وحريته. وكما صرح في حديث له مع جريدة الشرق الأوسط قال “الأغنية عندي هي جريدة سياسية باعتبارها وسيلة للتعبير”. تحية لمحمد حمام الفنان في ذكراه إنسانا ثوريا نبيلا ، وسلاما على روح ” محمد حمام “فنانا وإنسانا ومناضلا من من أجل قضايا الإنسان والمهموم بوطنه.

علي المسعود

المملكة المتحدة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here