لا تستوحشوا مِمّا في العراق .. إنّها آلتربية!

عزيز الخزرجي

أتذكّر .. و يا له من ذكرى حزينة, كما أكثر الذكريات .. عندما كنتُ أواسط القرن الماضي تلميذاً في الأبتدائية في (مدرسة النصر للبنين) في واسط / بدرة, كان مُرشدنا “مرشد الصف” (ما شاء الله على هذا الأسم) و كذلك المدير … و (يا له من مدير) أعتذر بآلمناسبة عن ذكر إسمه, فلربما توفى الآن غفر الله ذنوبه, و لكي لا يزعل علينا أبنائه أو أحفاده؛ كان هؤلاء المعلمين المربيّن و الأصح تسميتهم بآلجلادين الحاقدين فهو أقرب إلى الواقع من تسميتهم بآلمربين أو المعلمين .. لأنّهم لم يتّصفوا بصفات المعلم أو المربي إطلاقاً, نتيجة تربيتهم السّابقة التي حاولوا إنعكاسها علينا؛ فكانوا يجلدوننا دائماً, بحيث كانوا لا يدخلون (الصّف) إلّا و العصي بإيديهم لتخويفنا و معاقبتنا, و كان ألم الضرب يتضاعف في فصل الشتاء لبرودة الجو و تشقق الجلد لنقص الفيتامينات بسبب سوء التغذية و تدني المستوى المعيشي و الأجتماعي و العلمي .. و كأننا لم نكن أطفالاً بل أسرى أو عبيد محكومين بآلأشغال الشاقة مع التعذيب حتى الأعدام؛ و رغم إني كنتُ من المُجتهدين في دروسي لكني لم أكن أسلم من تعذيبهم وضربهم أحياناً, بل كان مُجرّد رؤية وجوههم القترة العبوسة كلّ صباح يُعذّبنا و يزرع الألم بدل الأمل في قلوبنا, فالعقوبة كانت أحياناً تُحدث بشكلٍ جماعيّ كما في نظام الجيوش العسكرية, و كان المعلم أو المدير أثناء المُعاقبة يتباهى وبعنف وهو يضرب الطلاب واحداً تلو الآخر .. وكان يبتسم و يسبّ متشفياً بآلامنا و عذابنا.

لذلك لا تتعجبوا إنْ رأيتم الرؤوساء و السياسيين اليوم فاسدين وهكذا الأطباء و المهندسين و المدراء و الرئيس و الوزير و النائب و الكاسب وووووغيرهم .. لأنهم تخرّجوا على أيدي أؤلئك الجلاديين الذين خلت قلوبهم من الضمير الرحمة و التواضع و الأنصاف و الوجدان و الأيمان الصحيح بآلله و إمتلأت بآلقسوة و العنف و الكراهية التي إنعكست على سلوك الأجيال و منها هذا الجيل المسكين.

المطلوب الآن و كما بيّنا في فلسفتنا الكونية .. و لأجل تربية شعب معين تربية صالحة أو إعداد أمّة إعداداً سوياً بنقله من الصفة البشرية إلى الأنسانية ثم الآدمية؛ و بعكس ما نشهده الآن في العراق و الأمة: المطلوب هو:
تربية الأطفال و هكذا الأجيال .. على المحبة و الأحترام و التواضع و فتح عقولهم على الكون و الوجود و خالقه, تسبقها وجود قانون إنساني واضح وصارم يُحرم الضرب و العقوبة للأطفال حتى من قبل الوالدين و المربين و يؤكد – اي القانون المعني – على الهداية و المحبة و التواضع و حب الخير و الأيثار أولا ثمّ تصويب عقوبات صارمة بحق الأبوين و آلمعلم و المربي الذي يتجاوز على الأطفال و التلاميذ .. و كل من يخالف ذلك القانون و ينشر الأرهاب والقسوة و العنف بدل المحبة و الأنسانية!
لأنّ عراق اليوم كما عراق الأمس مازالت القيم فيه مقلوبة و المناهج مضللة .. كما كل الدول العربية و الاسلامية تقريباً؛ لذلك تحولت إلى جحيم و عذاب و تكبر بحيث أصبح الفساد ثقافة و العنف رجولة و التعدي شجاعة و السرقة فن و جرأة و الواسطات و الرشاوي قدرة و قربة لله و واللاإنسانية صفة مشتركة موروثة كنتاج للأمس بسبب الدين القشري و النشأة الخاطئة و فقدان اصول التربية العلمية و ألأصول الأخلاقية و الضمير ألذي هو أس الأساسات للأسف.
الفيلسوف الكوني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here