يا إلهي لماذا كل هذا .. أقدار تعيسة تفترس المساكين !

خضير طاهر
فتحت اليوتوب على مقطوعات موسيقية بوذية ، وأعددت الشاي ، كان الوقت قريب الفجر حينما عدنا من المرقص سألني صديقي خالد مروان (( هل أنت مستعد لتكرار الذهاب للمرقص بمفردك؟)).
– (( خالد .. أنا في ورطة ، المرأة التي أعجبني رقصها ، ثم إكتشفت اني أعرفها من أيام إقامتي في بيروت ، عندما جاءت الى طاولتي وشاهدتها عن قرب ظهر ان لديها مرض البهاق حيث توجد بقع بيضاء على جسدها لاحظت قسما منها حول رقبتها )).
– (( أين الورطة في الموضوع ، لست مسؤولا عن مرضها ، تعامل معها بتعاطف إنساني وحاول التخفيف من عذابها ))
-(( هنا المشكلة والورطة اننا تبادلنا أرقام الهواتف وإتفقنا على التواصل ، لكني أشعر اني غير قادر ان أتجاوز حالتي المزاجية وأتواصل معها وأشفق عليها ، يرعبني ان أكون بهذه الوحشية وتفلت مني مشاعري الإنسانية وتتغلب عليّ مزاجيتي )).
وبعد نقاش طويل حول المشاعر الإرادية واللارادية .. والإفتعال والسلوك العفوي ، وأين حدود الواجب الأخلاقي ، وطاقة التحمل لدى البشر ، وصلنا الى سؤال : هل عمل الخير وكافة الأفعال الإنسانية النبيلة .. هي إختيار إرادي وتصميم مسبق .. أم نتيجة طبيعية عفوية وميول موجود داخل النفس ؟
أين الخير والقيم الأخلاقية في التعاطف ومحبتنا لأبائنا وأشقاءنا واولادنا وأقربائنا وأصدقاءنا ، هذه مجرد مشاعر إنحياز عنصري نحو الناس الذين نحبهم بشكل تلقائي من دون إختيار وفعل لايقوم على مباديء الخير والقيم الأخلاقية عن سابق تصور وتصميم بالتالي فهو أشبه بالسلوك الغريزي الحيواني.
ومقولة أحبوا أعداءكم بحاجة الى التصحيح ، وتتبدل على الشكل التالي: إشفقوا على أعداءكم ، فلا يمكن محبة الأعداء مطلقا لأنه فوق طاقة البشر ومشاعرهم ، ولكن بالإمكان الشفقة على الأعداء والتسامح والغفران وربما تقديم المساعدة لهم.
إزددت عذابا حينما وضعت نفسي مكانها .. وتساءلت : ماذا لو كنت أنا في مكانها تعرضت لمرض البهاق ، كيف ستكون مشاعري لو تهرب مني الناس وبخلوا عليّ حتى في علاقة صداقة عادية ؟!
تذكرت قناعاتي بأن الإنسان كائن أناني شرير ، لكن تذكرت أيضا الناس الإنسانيون الذين إنخرطوا في أعمال تطوعية لمساعدة الفقراء والمرضى ، وإرتسمت أمامي صورة القديسة العظيمة الأم تريزا هي ومن معها من المتطوعين حينما خاطروا بصحتهم ولم يخافوا العدوى وذهبوا الى مخيمات المرضى في الهند وغيرها لرعاية المنكوبين ، وتذكرت مجموعة أطباء بلا حدود الإنسانية ، والناس الأخيار الذين تطوعوا للخدمة المجانية في دور العجزة والأيتام والمستشفيات .. وشعرت بالخجل من نفسي وأدركت ان الإنسان حتى لو كان في أصل تكوينه زرعت فيه الأنانية والشر ، فإنة بمقدوره تهذيب ذاته وتجاوز بشريته السلبية ويصبح إنسانيا ينشط في عمل الخير ، وبقيت أعيش صراعات طاحنة بين مثاليتي ومباديء الأخلاقية .. وبين عجزي عن التطبيق وتقبل صداقة تلك المرأة !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here