الترجمة و التدريب

بقلم : ا.د. كاظم خلف العلي

استاذ اللسانيات و الترجمة – كلية الآداب – جامعة البصرة

[email protected]

كثيرا ما يواجهني معارفي و طلابي بسؤال عن السبيل إلى تعلم الإنكليزية و الترجمة و زيادة مهاراتهم بهما. و غالبا ما يكون جوابي البسيط و غير المباشر صادما للبعض منهم، و هو أن العلم الحديث لم يتوصل لحد الآن إلى إنتاج حبوب دواء يصرفها الصيدلي لمن به حاجة للإنكليزية أو الترجمة ليصبح بعدها فصيحا طليقا بتلك اللغة أو مترجما بارعا! كما أن البحث العلمي المختبري لم يؤكد صحة ما نتداوله عن محفزات الذكاء و الفهم أو الذاكرة بخصوص تناول عدد من حبات الزبيب (سبع إلى عشر حبات) يوميا و خصوصا أيام الامتحانات أو قطع معينة من لحم الدجاج مثلما لم يؤكد البحث أن تناول أجبان المثلثات تزيد من الغباء! فما السبيل أذن؟ الجواب البسيط المشافي و المعافي هو : لا شيء غير التدريب و المران الجديين المتواصلين. و الكلمات الرئيسة في الجواب هي: التدريب – الجدي – المتواصل. الترجمة ، مثلما يقول المترجم الكبير وليم ويفر، للأسف شيء نتعلمه بالتدريب.

و لقد كانت مراكز تدريب الجنود و الوحدات العسكرية العراقية الأخرى تكتب على واجهاتها إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) القاسية على الشعبين العراقي و الإيراني شعارا مهما و هو: التدريب ثم التدريب ثم التدريب….التدريب يقلل من دماء المعركة! و ينطبق هذا الشعار بدرجة كبيرة على حالتنا في الإنكليزية و الترجمة. فلا شيء يطور من قابلياتنا اللغوية و الترجمية سوى التدريب و التدريب و التدريب، التدريب أولا و أخيرا، و التدريب الجدي هو التدريب المنتج لا التدريب العابر و من دون تركيز ، كما ان التدريب لا بد أن يكون

مستمرا متواصلا، فلا خير في تدريب متقطع حتى و أن كانت هناك جرعات تعويضية كبيرة. الأحسن و الأجدى أن يكون تدريبنا بجرعات ثابتة متوازنة و متواصلة. فلكي ينجح طالب الترجمة في عمله لابد أن يتدرب يوميا، و هذا يعني أن يقرأ و يكتب باللغتين اللتين يتخصص بهما ، كما أن عليه أن يتابع و يرصد و يفحص و يتعمق بالترجمات التي يقوم بها الآخرون و خصوصا النصوص المتوازية (Parallel Texts) أي النصوص التي يتقابل فيها النص الأصلي و النص المترجم ليتعرف على حسنات عمل المترجم الآخر و أخطائه ، فالعاقل من يتعظ بأخطاء غيره – By others’ faults wise men learn )، و التدريب وحده هو الذي يمكن أن يُقَلل من الأحراجات و المطبات النفسية المدمرة التي يمكن أن تمر بها سواء كنت مترجما فوريا أم مترجما تحريريا. وإذا كنت أنصح طلابي الذين يتعلمون اللغة الإنكليزية بضرورة البدء و إن كان بإنكليزية مُكسَّرة (Broken English) و أن يصلحوا من إنكليزيتهم بمرور الوقت، فإني أنصح طلاب الترجمة بأن يترجموا بأي ثمن و بأي حال من الأحوال إلى أن يكسبوا الخبرة و المران اللازمين، فالخوف من اقتراف الأخطاء و نقد الآخرين و التردد و التكاسل لا ينفع، و لقدْ فازَ باللغاتِ (و بالترجمة) مَن كانَ جَسورا! و إليك طائفة من الأمثال و الأقوال الحكيمة تعزز روحك المعنوية هنا:

– A living sparrow is better than a stuffed eagle.

-عصفور مُغرّد خير من نسر مُحنَّط.

– Something is better than nothing.

– شيء خير من لا شيء.

– “All glory comes from daring to begin.” Eugene F. Ware

كل المجد يأتي من الجسارة على البدء.

– “Defeat is not the worst of failures. Not to have tried is the true failure.” George E. Woodbury

– ليست الهزيمة أسوأ الخيبات، بل إنًّ عدم المحاولة هي الخيبة الحقيقية. جورج ئي وودبري

– إذا غامرت بشرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم / المتنبي

– “An unused life is an early death.” Goethe

– حياة غير مستثمرة هي موت مبكر. غوته

– أعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، و أعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. سيد الخطباء و أمير المتكلمين علي بن أبي طالب (ع).

لقد اختصرت من خلال تجربتي الطويلة بتدريس اللغة الإنكليزية و الترجمة مجموعة من النصائح قمت بصياغتها على شكل شعارات و أمثال كالآتي:

* التدريب ثم التدريب ثم التدريب. التدريب يقلل من دماء المعركة

علاوة على ما تم قوله سابقا بخصوص هذا المبدأ فإن بودي أن أضيف : و إذا كانت دماء المعارك يمكن أن تشفى و تعوض فإن الترجمات الخاطئة التي نرتكبها بسبب عدم تدربنا بصورة يومية و متواصلة أو بسبب عدم أخذنا للوقت الكافي للترجمة بسبب قيام الزبائن باضطرارنا للعجلة لها آثار نفسية وخيمة و قد لا نشفى منها أبد الدهر.

* يتعلم الحجامة برؤوس اليتامى

و هو قريب من المثل الإنكليزي A barber learns by shaving fools. و الحمقى كما أرى هي النصوص السهلة البسيطة الخالية من أي تعقيدات و صعوبات أسلوبية و بلاغية. على المترجم المبتدئ أن لا “يخلي راسه براس” شيكسبير أو جيمس جويس و هو لا زال يحبو، بل أن يجرب ترجمة الجمل الأساسية kernel sentences أو أدب الأطفال و حينما يتمكن من مهارة التحويل يمكن له أن يتدرج في مواجهة النصوص الصعوبة .

* الحكيم من يتعلم من أخطاء الآخرين

و هو قريب من المثل الإنكليزي A wise man learns from the errors of others و يعني أن على المترجم المبتدئ أن يتعلم من ترجمات الآخرين ، صحيحها و خطأها، و خير المواد التي يمكن أن يتعلم منها هي القصص و الروايات المنشورة بالتوازي مع ترجماتها حيث يتعلم المترجم المتدرب كيفية معالجة المترجم للجمل البسيطة و المركبة و المعقدة و التعابير الاصطلاحية و غيرها. كما يمكن للمترجم أن يستفيد أيضا من الترجمات المتعددة لنص واحد حيث يتباين المترجمون هنا في اختياراتهم المعجمية و الجملية و غيرها.

* اعمل من الحبة قبة

و قريب منه المثل الإنكليزي To make a mountain from a molehill و الذي أرى فيه أن على المترجم أن يزهو و يتباهى بما يتعلمه، الزهو و التباهي غير المرضيين مطلوبان للأشخاص من أجل إدامة و استمرارية عملية التعلم.

* خير طريقة للتعلم هي التعليم

و قريب منه القول الأمريكي If you want to learn something, teach it. فبالتدريس نركز الأفكار و نرسخها من خلال التكرار و الإعادة و ربما من خلال الاسئلة التي نتلقاها عن زوايا قد تكون خافية علينا.

* لا تطرق الفرصة بابنا سوى مرة واحدة

و قريب منه المثل الإنكليزي Opportunity knocks but once و ذلك يعني أن الفرص قليلة و نادرة و علينا أن لا نضيعها و أن نصنع الكثير منها من أجل أن نتعلم. ففرص التعلم خلال الدرس الجامعي قليلة جدا و على المتدربين مضاعفتها فيما بينهم و مع فرص التعلم من خلال البرامج و الفيديوات التعليمية في اليوتيوب و غيره كغرف المحادثة و الجماعات في الفيسبوك و غيره خصوصا عندما تضم فيها المترجمين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here