الزواج المدني

أثارت الوزيرة – ريا الحسن – قضية الزواج المدني كمطلب يساهم في

تحويل الدولة والمجتمع إلى الشكل المدني المطلوب ، ولكن وقبل

ذلك لا بد من الأعتراف بان الزواج في أصله مدني ، حتى من قبل أن

تنزل الرسالات والرسل .

فالزواج هو لفظة مركبة من عنصرين ( زوج ) وقد أستخدمها القرآن

الكريم للدلالة على هذا المعنى في قوله : ( وزوجناهم بحور عين ) الطور

20

، وهو يعني الإقتران بين عنصرين ليشكلوا خلية واحدة ، والذي يطلق

عليه عرفاً في معنى الزواج هو كذلك بلا ريب ، فالزواج في أصله التاريخي

والمعرفي هو علاقة صحيحة بين – ذكر وأنثى – ، غايتها تأسيس

أسرة وتكوين حياة من طرفين ، وبهذا التعريف يخرج الزواج من

كونه فعل من إنتاج الدين ، إنما جاء الدين ليؤكد على صحة هذه

العلاقة ويشجعها ، وهذه الحاجة تجدها عند كل الكائنات

الحية ، ولذلك لم نجد في الدين غير الكلام العام الذي يجري في

السياق وليس في التأسيس ، ولم يقترح الدين صيغة معينة على

ضوئها يصح بها الزواج ، بل أعتمد على الصيغة البشرية

التقليدية في ( الرضا والقبول ) من الطرفين أعني الذكر

والأنثى ، وهي نفس الصيغة القديمة المعتمدة لدى عامة التكوينات

البشرية ، هو إقرار من طرفين ذكر وأنثى ( رضا وقبول ) ، وعلى

هذا يصح الزواج ويعتمد ويصح ما ينتج عنه كذلك من نسل وذرية .

ولا تشذ عن هذه القاعدة جميع العقود المقترحة لدى المؤوسسات

الدينية لجميع المذاهب والطوائف ، لكن الشيء الذي تميز به القرآن

الكريم إنه حرر هذه العلاقة ونظم طريقة التعاطي معها ، فلم يجعل منها

علاقة معاملاتية وحسب تشبه تلك المعاملات التجارية في البيع والشراء ، ولهذا لم يعتمد في تأسيس علاقة الزواج على صيغة العقود التجارية ، بل قدم مذكرة تحرير تحت بند – الميثاق الغليظ – ، ومعناه الإتفاق بين الطرفين أعني الذكر والأنثى على كيفية الحياة ، وكيفية إدارة شؤون البيت ( البعولة ) والرعاية والحماية وكل ما يتعلق بتكوين الأسرة ، وفي حال تم الإتفاق على كل هذه البنود يتم التوقيع فيحصل الرضا ويتم القبول . هذا في القرآن ولكن عامة المسلمين لم يلتزموا بهذه الصيغة ، وجعلوا من الزواج مجرد واحد من العقود التجارية التي يركزون فيها على المهر والقيمة المادية ، دون النظر إلى طبيعة التكوين الأسري ومايجب فيه ومايلزم ، وحين طرحت موضوعة الزواج المدني في لبنان عجت المنابر بصراخ رجال وإنتهازيين محرفين للكلم ، معتبرين الزواج المدني تعد لا يلتزم بشروط الزواج التقليدية وهذا منهم ترويج ودعاية ووهم كبير . فالزواج المدني كغيره يجب أن يسجل في الدوائر الرسمية ويعتمد في المؤوسسات الحكومية ذات العلاقة ( السجل المدني ) ، وهو يعتمد في إقراره على شهود وكاتب عدل ، لكنه ليس زواجاً على النمط التقليدي القديم ، وهو بذلك يبتعد عن تلك المباركة الزائفة لرجال الدين ، والزواج المدني بصيغته المقترحة زواج قانوني وشرعي ، وهو مستوف لجميع الشروط ولا ينقصه من هذا الجانب أي شيء . وأما الضجة المفتعلة ضده فمردها سياسي وليس ديني ، وكما قلنا فالتاريخ والقانون يؤكدان على صحة إجراءات الزواج المدني ،

وكما يقولون لا مشاحة في التسمية ، لكن بعض رجال الدين ولغاية لا نفهمها لديهم ، يصرون على مواجهة كل ما من شأنه التخفيف من أعباء وتبعات الزواج والعسرة ، التي يحصل عليها البعض جراء التعسف بالمطالب والمبالغة في الإسراف والترف . الزواج المدني ليس سفاحاً وليس هو علاقة غير مشروعة ، بالعكس هو زواج شرعي يخلو فقط من وجود رجال دين ، ومع إن وجودهم في الحقيقة لا فائدة منه ولا طائل وليس ضرورياً ، لأن الأصل المقترح للزواج المدني هو في التخفيف من أعباء الزواج التقليدي ، الذي يكلف المال والجهد ويزيد من العنوسة وحتى في المخالفات والخطايا ، ولهذا قال في الأثر عليه السلام : ( إن جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ) ولم يقل من ترضون ماله وحسبه ونسبه أو ماشابه من هذه الصفات الزائلة ، لأنه إنما يتحدث عن القيمة وليس عن القشور ، والشيء الممنوع في الدين هو كل ممارسة خاطئة من قبيل الإغتصاب أو الخيانة أو التعدي على القصر ، هذه الأشياء التي يجب محاربتها والوقوف بوجهها ، وليس ما يخفف على الناس تبعات باطلة ومجحفة وغير ذات شأن ، ولهذا نقول : إن السيدة ريا الحسن وزيرة داخلية لبنان ، أكمل في عقلها من كثير من المتبجحين والذي يخلطون بين القبيح والحسن .. راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here