افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (3)

عماد علي

ان مشكلة تشبيه الله باحد مخلوقاته هو احد العقائد لدى تعبد المسلمين و الذين حاولوا التحفظ عنه، و لكن لم يكن في اي وقت ذلك بفعل بسيط و اعتيادي، و كما يقول الله في القرآن انه ليس كمثله شيء، في الوقت نفسه و في اكثر من مكان منح العديد من الصفات الى الله ينفح منه عطر تشبيه الله مع مخلوقاته او يبين ملامح ذلك التشبيه، ومنها صفات اليد و الساق و العين و فوق العرش و المجيء و الذهاب، و صفات اخرى كثيرة. و لهذا السبب فان المسلمين تحدثوا و فسروا تلك العقائد و الايآت في المراحل الاتية، و الذي كما راينا وفق راي ابن خلدون انه هو سبب ظهور علم الكلام، لان النص القرآني بذاته مثلا لم يتكلم بشكل قاطع و نهائي في توضيح ذلك وما هو المقصود باليد و الساق و العين. و القرآن بنفسه سمى جزء من هذه الايآت بالمتشابهات كما هو في سورة آل عمران، الآية السابعة تقول ان القرآن يجتوي على نوعين من الآيات، بعضهما معلوم و واضح و محدود فسميت بالمحكمات و الاخريات اللاتي يمكن ان تحملن اكثر من معنى و تفسير. و عليه قال بعض منهم ان المقصود في هذه الكلمات هو المعنى نفسه الذي تحمله الكلمات دون ان يكون هناك معنى مشابه مع الموجود في وعي المسلمين و الناس، لذا قالوا لديه ايدي، و لكن كيفية تلك اليد و شكلها و نوع تلك اليد لا يشبه اية ايدي او شيء اخر. و عليه يقال عن هذه الايآت (المثبتة) و ما تعنيه انها التي تثبت صفات الله، و المثال البارز لذلك هم من اهل الحديث و الحنبليين بشكل خاص. و التيار الاخر المعروفين ب ( المعطلة) الذين يرفضون صفات الله، و قالوا بان هذه الكلمات ليست بصفات الله و و ليس بعمناه الحقيقي وهي مجازية، لذا قالوا ما تعنيه اليد هو القوة و الساق هو السلطة والعظمة و الهيبة الالهية، و العين تعني الرؤية. و من امثال هؤلاء هم كل من الجهمي و المعتزلة و العديد من الجماعات الاسلامية الاخرى. ان المعروف في الثقافة الاسلامية بالمشبهة اي المشابه، هما نوعان؛ احدهما هؤلاء الذين يشبهون الله بشيء اخر، الثاني ؛ هؤلاء الذين يشبهون صفته باحد اخر ( 48) كما قلنا ان هذا نقطة رئيسية لتحريك و تفعيل القدرة العقلية في الحضارة الاسلامية للتحفظ و الابتعاد عن العقائد المخالفة للعقل و النص الديني. شاهدنا من قبل ان احد تلك الاتهامات التي عرضه رجال الدين من اهل النقل و اسند الى الحركة القدرية، محاولة ربطه بالاديان الاخرى المخالفة مع الاسلام، و بالاخص اليهود، و بعكسه، فان العقلية ذاتها هي مصدر تشبيه الله بالمخلاقات الاخرى و التي رُبطت باليهودية, في هذا الجانب فان الاسفراييني الذي اتهم من قبل القدريين، قا بان مصدر هذه العقيدة هو اليهود, و عن مصدر تشبيه صفات الله من حيث المعنى بالمخلوقات الاخرى، المعروف بالمشبهة، يقول؛ هم اصل التشبيه، اي مسلم يؤمن بالتشبيه فهو تابع لهم .( 49). وقبله الشهرستاني ( و هو كاشعري مناويء للمعتزلة) في الحديث عن التشبيه، يقول ان المسلمين تعلموا ذلك من اليهود، لان التشبيه هو من طبيعة اليهود (50). الى ان قال الغزالي حول تطرف عقيدة المسلمين، ان منح صفة الجسد الى الله هو من ارث اليهود، عندما يتكلم عن ذلك الحديث الذي يقول( ان الله خلق ادم على شاكلته) يقول( اذا فهمت من الصورة او الشكل بهذا الشكل (اي كلمة الصورة في الحديث) هي تلك الصورة التي تُرى بالعين، لذا تصبح مشبه مطلق، كما يُقال انك اصبحت يهوديا مجردا ( 51) في الوقت ان هذا الكلام و الاتهامات تحمل على الاقل خلافين داخليين كبيرين: كما شاهدنا من قبل الخطاب الاسلامي ذاته لتيار اهل الشرع، و بالاخص الاسفراييني، قالوا ان مصدر الكلام عن القضاء و القدر هم اليهود او المسيحيين. في الوقت ان كان القدريين حركة كلامية و كانت محاولة لانتاج تفسير لافعال الانسان التي تكون متجانسة و متوافقة مع العقل، وفي هذا الاطار ان جمع تلك النصوص التي تعطي معاني معاكسة و هي مؤّولة، لذا فان التشبيه يكون مذهب معادي للعقلانية، لا يمكن ان يكون صاحب للمصدر نفسه، لذا فان كلمة ( المشبه) في مؤلفات العقائد الاسلامية و الاشعرية بشكل خاص، كان باستمرار مقصد اهل الحديث، التيار الذي عرف نفسه بالممثل الحقيقي للعقيدة الاسلامية منذ احمد بن الحنبل، لان هؤلاء قالوا دائما ان المقولات القرآنية حول اسم و صفات الله و كل تلك الاحاديث كانت صحيحة وفق منهجهم، يجب ان يكون بالمعنى ذاته دون تاويل او اعطاءه اي معنى اخر، يجب ان يُؤمن به كما هو. مثلا عندما يتحدث المؤرخ المقدسي في اواسط القرن الرابع عن الجماعات المشبهة الاسلامية، يقول؛ ان اكثرية اهل الحديث يحملون تلك العقيدة . ( 52). و بعد ذلك و في جزء ( اهل الحديث) يسميهم بالحشوي، اي اؤلائك الاشخاص الذين ياخذون صفات الله كما هي و يعتقدون ان هذا هو المقصود ( 53). و بالشكل ذاته يعرف الجويني هؤلاء باهل المظاهر لمعاني النصوص( 54).

و بهذا الشكل، فان هؤلاء يصابون بالتضليل و التشويه و اخيرا تشبيه الله بمخلوقاته، و كما قال السبكي في تعريف الحشويين. اما الشهرستاني يعتبر( الكثرية اهل الحديث) اقلية و يسميهم بالحشويين ايضا. برأيه، فان هؤلاء هم الذين جاءوا بعد احمد بن الحنبل و لخوفهم من ان يصابوا برفض صفات الله اعتقدوا كليا بان الله هو في الحقيقة لديه اليد و الاصبع و الساق و العين التي جاءت كما هي في القرآن و الحديث. لذلك قالوا بان الله جسد و لحم و دم و له اطراف كاليد و الساق و الراس واللسان و العينين و الاذنين، و مع ذلك قالوا انه جسد ليس كما هي الاجساد الاخرى، و لحم ليس كاللحوم الاخرى و دم ليس كالدماء الاخرى ( 55)، و به منحوا الله كافة الصفات الجسدية، و لكن في النهاية كانوا يقولون بان هذه الصفات الجسدية لا تشبه ما لدى المخلوقات. هؤلاء و ان كانوا تيارا من اهل الحديث و المدرسة النقلية، كانوا في الوقت نفسه مناوئين اشداء لتيار المعتزلة و العقلانيين. الملاحظ ان الشهرستاني يقول: هؤلاء

استندوا على العديد من الاحاديث التي اخذوا اكثريتها من اليهود لاثبات عقائدهم، لان التشبيه من طبيعتهم ( 56). و الاعجب من هذا ان الشهرستاني بنفسه ياتي بحديث كمثال لتلك الاحاديث على انه اخذوه من اليهود ، جاء فيه ان النبي قال: بالله وصلت و صافحني، وبعده وضع يده على كتفي الى ان حسيت ببرودة اصبعه) . في الوقت ان هذا الحديث بنفسه على اساس ان مصدره اليهود و هو الذي يمنح معنا جسديا لله و انه حديث اهل الحديث الخشويين، وليس احمد بن الحنبل، كما يقول الشهرستاني، ان الحديث ذاته رواه احمد بن الحنبل في كتابه المعروف و الاكثر شهرة حول الحديث( 57). و حتى المدرسة النقلية و هي في قمة التطور و الظهور، لم يتمكن عند ابن تيمية ان يتنصل من اعطاء المعنى الجسدي لله. على الرغم من ان هؤلاء كانوا اشد الاضداد و المناوئين بان يُقال ان لله جسد، لان كلمة الجسد بذاتها هي بدعة و لم تكن موجودة من قبل. على الرغم انه يرفض ان يكون لله جسد ، فيقول: ليس من قبل اي من الانبياء و الصحابة و التابعين و ليس من السلفيين في هذه الامة و لم يُنقل عنهم بان لله جسد، او ليس له جسد، و انما اثباته و رفضه بدعة في الشريعة (58). اي، ان يمكن ان يكون جسدا او لا يمكن، منع نطق كلمة الجسد لوصف الله( وفق مقولة ابن التيمية) ليس بذلك الشيء الذي يرفضه العقل (كما هو حال المعتزلة) او يقبله( كما هو حال الكراميين) و انما يدل على ان الشرع في اعلى مستواه و هو النص المقدس فلم يبرهنه او يثبته ولم يرفضه ايضا و لا شيء اخر. و لكن وعلى الرغم من ذلك فكم من المرات فُسر و اُعطي المعنى الجسدي لله، مثلا يقول: العلماء المقبولين و الولي قالوا الصحيح: ان الله يُقعد النبي معه على العرش في يوم القيامة ( 59) و كذلك في العديد من المرات يُرد ذلك الحديث الى النبي الذي يُزعم انه قال: ان عرش الله مبني في السماوات، و اشار باصبعه بانه مثل القبة، (و من ثم قال) يصر كما هو صرير السرج عندما يركبه الفارس). و اوضح شيء لاعطاء المعنى الجسدي للرب، يقول: عندما ياتي الله( اي في يوم القيامة) و يجلس على كرسيه، فان الارض بكاملها تنصع باضواءه ( 60).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here