البغدادي يعبر الحدود ويستقرّ قرب أكبر قاعدة أميركية فـي الأنبار

بغداد/ وائل نعمة

التفّ ما يعرف بزعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، من وراء القوات الامريكية التي تبحث عنه منذ شهرين في شرق سوريا، ليستقرّ الآن على بعد كليومترات من أكبر قاعدة أميركية في غرب الانبار.

وبات السؤال عن مصير “البغدادي” ملحّاً، خصوصاً مع اقتراب الحملة العسكرية من آخر معاقل “داعش” في الباغوز السورية، البلدة الحدودية مع العراق، حيث كان يتوقع أن يكون زعيم التنظيم متواجداً هناك.
وكانت آخر الاخبار التي قد وردت الى (المدى) قبل نحو أسبوعين من الحملة العسكرية الاخيرة، التي انطلقت الشهر الماضي، رجحت أن يكون زعيم “داعش” في صحراء تدمر السورية الممتدة الى البادية الغربية العراقية.
في ذلك الوقت كانت الأنظار تتجه الى شرق سوريا. وتداولت أنباء حينها عن عبور قوات أمريكية متواجدة في قاعدة أربيل من أحد منافذ كردستان الى الحدود السورية بحثاً عن البغدادي، ترافقها وحدة من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وبحسب التسريبات وقتذاك، فإنّ البغدادي كان محاصراً بمساحة تبلغ نحو 10 كيلومترات مربعة ضمن محافظة دير الزور الحدودية مع العراق، وتحديداً في ريف دير الزور بين الباغوز والمراشدة جنوباً والسفافنة غرباً، وصحراء البوكمال التي تتصل بالعراق شرقاً، لكنها لم تعثر عليه حتى الآن.
وفي تطور جديد للأحداث، رجح مصدر عسكري في حديث لـ(المدى) طلب عدم نشر اسمه ان يكون البغدادي “قد عاد الى الانبار مع موجة المتسللين الدواعش القادمين من سوريا”.
ونشرت شبكة (سي ان ان) الامريكية تقريرا الشهر الماضي، قالت فيه بانه من المحتمل أن يكون أكثر من 1000 من مسلحي داعش قد فروا من سوريا إلى الجبال والصحارى في غرب العراق في الأشهر الستة الماضية، وقد يكون لديهم ما يصل إلى 200 مليون دولار نقداً.

العودة إلى حوران
وبحسب المصدر العسكري إن زعيم التنظيم المتطرف موجود في إحدى الواحات في صحراء حوارن في غرب الانبار، ومحاط بـ”150 الى 250 مسلحاً من أتباعه”.
ويعيد اسم “حوران” الذاكرة الى المرة الاولى التي بدأ يظهر فيها نشاط غير اعتيادي للمسلحين في العراق، بعد زوال القاعدة، الذي تطور في ما بعد ليصبح تنظيم “داعش”. والوادي نفسه كان قد لجأ إليه المسلحون في حادثة أثارت الجدل قبل 3 سنوات، حين فر “داعش” من الفلوجة الى معسكر الشيخين، وهو معسكر قديم كان قد انطلق منه التنظيم لأول مرة في العراق.
وعلى وفق ما يقوله المصدر المطلع ان “مكان البغدادي المتوقع هو في منطقة تسمى الحسينيات، تقع في منتصف الطريق بين الرطبة وناحية البغدادي”، وهي تبعد نحو 100 كم عن قاعدة عين الاسد، التي زارها الرئيس الامريكي دونالد ترامب نهاية العام الماضي.
وسمع العراقيون بـ(وادي حوران)، أول مرة عندما أعلن رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، نهاية 2013 في مدينة كربلاء، انطلاق عملية عسكرية تحمل اسم (الثأر للقائد محمد الكروي) الذي قتل في تلك المنطقة.
حينها كانت الاعتصامات تتصاعد في الفلوجة والرمادي ضد الحكومة، وباشرت قوات عسكرية بعملية واسعة النطاق في صحراء الأنبار تمتد حتى الحدود الأردنية والسورية.
والكروي هو قائد الفرقة السابعة في الجيش العراقي، قتل مع مساعده قائد اللواء الاول في الفرقة العميد نومان محمد، بالاضافة الى 14 ضابطا كبيرا وعدد من الجنود، بالاضافة الى إصابة 35 آخرين أثناء دهمهم وكراً تابعاً لتنظيم القاعدة في منطقة الحسينيات ضمن وادي حوران (420 كم غرب الانبار). ولم يكن تنظيم “داعش” قد عرف باسمه الحالي آنذاك.
وقتل في الايام الاولى لانطلاق العملية التي سميت على اسم القائد، نحو 600 مسلح وتم تدمير 5 معسكرات، بحسب بيانات عسكرية. لكن المفاجأة جاءت بعد ايام من خلال انتشار مسلحين “مجهولين ” داخل الفلوجة وبعض أطراف الرمادي.

ما علاقة البغدادي بـ”الكمأ”؟
وما يعزز الظن بوجود زعيم “داعش” في الوادي نفسه، هو تصاعد عمليات الاختطاف الاخيرة التي طالت تجار الكمأ في مناطق قريبة من “الحسينيات”.
ويقول المصدر العسكري ان “حملة تطهير الصحراء التي انطلقت في كانون الثاني الماضي، صارت قريبة الآن من المنطقة”.
وفي الشهر الماضي، وصل عدد ضحايا “الكمأ” الى أكثر من 40 مختطفا، بعد فقدان أثر 33 فرداً في صحراء النخيب، وإعدام داعش 6 منهم وإطلاق سراح 3 آخرين.
وقال فرحان الدليمي، عضو مجلس محافظة الانبار في حديث لـ(المدى) إن “داعش أطلق الاسبوع الماضي سراح جميع المختطفين الثمانية في حديثة”، فيما قال انه غير متأكد من الانباء التي تحدثت عن دفع فدية مقابل إطلاق سراحهم، وأعدم 5 من مختطفي النخيب. وتداولت أخبار بأن ذوي المختطفين وعشائرهم كانت قد دفعت 80 ألف دولار مقابل إطلاق سراح المختطفين.
وشهدت تجارة الكمأ، وهو نبات فطري ينبت في الصحراء، رواجاً في الشهر الماضي، وحقق تجار أرباحاً بالملايين من بيعه وهو أمر استغله “داعش” لخطف التجار ومساومتهم بالأموال.
ودفعت تلك الحوادث القوات الامنية، وربما الانباء عن وجود زعيم داعش”، الى تحذير المواطنين من الخروج لجمع الكمأ، تزامناً مع عمليات التطهير.
ويقول الدليمي إن “عمليات البحث عن باقي المختطفين مستمرة (…) لكن الصحراء كبيرة جدا ويصعب العثور عليهم بسهولة”.
بحسب المصادر العسكرية ان التنظيم يعيش في خنادق وأنفاق في الصحراء يصعب كشفها، وأن متسللين من تدمر السورية، التي يرجح ان “البغدادي” انتقل منها مؤخرا، ينقلون غذاء وعتاداً الى الوديان بالاضافة الى متعاونين من الداخل.
بدوره يقول العقيد شاكر عبيد الريشاوي، قائد فوج صقور الصحراء في الانبار، وهي أحد الحشود العشائرية قرب الرطبة، لـ(المدى) ان الحملات الاخيرة لتطهير الصحراء أسفرت عن “مقتل عدد كبير من المسلحين واعتقال 14 آخرين”.
ويؤكد الريشاوي أن الوديان والجبال والالتفافات في الصحراء التي يختبئ فيها داعش تشبه “الغابة” التي تحجب الرؤية، مشيرا الى أن هذه العمليات تمهيدية لإعلان ساعة الصفر لانطلاق “عملية واسعة” تشترك فيها محافظتا صلاح الدين ونينوى لتطهير جميع الصحراء.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here