المنتصرون على صدام.

عباس العرداوي.
ما كان يخطر على بال صدام يوما ولم يدر في خلده أن تقف في وجهه معارضة مسلحة، بل لم يكن يتوقع معارضة أو مخالفة بسيطة لرأيه، بسبب ما كان يحمله في رأسه من طغيان وبغض لكل ما نسميه اليوم من ممارسات ديمقراطية كانت في زمانه ضرباً من الخيال، لكن شهيد العراق وقربانه محمد باقر الحكيم قد فعلها وأنتصر، على أكبر طغاة العصر.

دعونا نبدأ من البداية، كيف أستطاع الشهيد محمد باقر الحكيم ان يحقق النصر على صدام حسين في الوقت الذي كان فيه العراق كالخاتم في أصبع صدام، أو كما يقال كالدرهم في يده، يقَلِبُه كيف يشاء، نتيجة الدعم الكبير من الغرب، بكل عناوينه، من أميركا ومخابراتها في أقصى الغرب، الى اصغر توابع وذيول الموساد الأسرائيلي في الشرق، ولانبالغ إذا ما قلنا أن جيران العراق كلهم كانوا داعمين ومساندين لصدام، والناتج من كل هذا، هو دكتاتور كبير ومتغطرس، يظن أنه وحده لاشريك له في العراق، فكيف تمكن شهيدنا من النصر على هكذا طاغية؟

نقاط القوة التي يتمتع بها السيد محمد باقر الحكيم يمكن تلخيصها بثلاثة عوامل رئيسية، العامل الأول هو حب الوطن والأستعداد للموت من أجله والأستعداد للتضحية بكل شئ من أجل أن يرى العراق حرا ومزدهرا، وهذا العامل إذا ماتوفر في قائد يرى مستقبل بلده أهم من حياته، سيعطيك قائدا قد نظطر للولوج والأبحار في طيات التاريخ لنجد نظيرا له، وهذا ماكان يتميز به شهيد العراق.
والعامل الثاني هو الوعي السياسي الكبير الذي يتمتع به الشهيد الحكيم، والنظرة الثاقبة لكل مايدور في الساحة، من صراعات أقليمية وداخلية، وهذا الوعي ناتج من المزاوجة بين الدراسات الدينية والعلوم الأكاديمية، فلم يكن هذا الرجل ممن أمتهن الدراسات الدينية الصرفة من علوم الفقه وعلوم القرآن بعيدا عن العلوم الحديثة مما أهله ان يكون سياسيا بارعا ومستشرفا كبيرا للمستقبل، ودلالة ما نقول نجده في خطابه الأخير قبل أستشهاده بلحظات.
حيث أكد أن العراق بلد لايمكن حكمه من قبل طائفة واحدة أو قومية واحدة أو حزب واحد بل الجميع يشترك في الحكم، وكذلك أكد على الوحدة الوطنية والحرص على أن يكون العراق غير تابع لأي محور من المحاور الدولية، وان العراق له مرجعيته الدينية في النجف الأشرف المتمثلة بالأمام السيستاني، وكان يريد من خلال ذلك أن يجعل العراق صاحب قرار يتخذه من داخله لا أن يكون تابعا لأي جهة كانت شرقية أو غربية، كما إنه قد رسم مستقبل العمل السياسي في العراق من خلال التأكيد على أنه يجب إنتخاب جمعية وطنية تأخذ على عاتقها كتابة دستور دائم للبلاد.
العامل الثالث الذي تميز به الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم، هو الصبر وعدم اليأس، وملازمة الأمل مهما كانت الظروف صعبة، فقد كان كثير التفاؤل وكأنه يرى العراق وقد تخلص من زمرة البعث وتحرر من العبودية التي أستمرت لأكثر ثلاثين سنة، وهذا الأمل كان يحدوه دائما، بالرغم من الغربة خارج وطنه، وإستشهاد أكثر أهله وأخوته، وتشريد عوائلهم، وكان بهذا الأمل يرفع معنويات وعزيمة جنوده وأنصاره.
ولابد لنا هنا أن نستذكر ما قاله أحد المجاهدين الذين كانوا قريبين منه، الشهيد أبو عميد الحسيني الذي أغتالته المخابرات الصدامية، حيث قال كنا قد أوشكنا على اليأس من الأطاحة بصدام وحكومته وقد ذكرت ذلك للسيد محمد باقر الحكيم وقلت له إن إسقاط صدام أمر مستحيل ولايمكن لنا أن ننتصر عليه لما يمتلكه من جيش كبير وقوة تسليحية كبيرة، ودعم دولي هائل ونحن معارضة محدودة العدد والتسليح، فقال السيد الحكيم مبتسما..الآن أيقنت بالنصر، فقلت له وكيف ذلك سيدنا؟ فقرأ الآية الكريمة (حتى إذا أستيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا)( الآية ١١٠ سورة يوسف) بهذه الروح المؤمنة وهذا الأمل كان شهيد العراق يتسلح في مواجهة المجرم صدام.
بهذه العوامل الثلاثة أعلاه أستطاع السيد الشهيد أن يتصدى لزمرة البعث ويوحد المعارضة العراقية في الخارج ويؤس قوة مسلحة من مشارب وأيدلوجيات مختلفة تحت قيادة واحدة، ويوصل صوت الشعب المظلوم الى المحافل الدولية، حيث بدأت بعدها تتعالى أصوت الأحرار في العالم مطالبة بأسقاط النظام الصدامي، وفعلا تحقق له ما أراد وسقط صدام في عام ٢٠٠٣م وعاد السيد محمد باقر الحكيم الى وطنه عزيزا منتصرا حيث أستقبلته الجماهير بالهتافات من مدينة الى مدينة، ومن شارع الى شارع بالدموع والبكاء لتبدأ رحلته الأخيرة بعد جهاد طويل ومسيرة علمية زاخرة بشتى العلوم، حيث نال وسام الشهادة في يوم الجمعة ٢٨ أب ٢٠٠٣م والذي يصادف الأول من رجب، والذي أعتبره العراق يوما للشهيد العراقي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here