تحولات حزب الدعوة الإسلامية ومستقبله

د. علي المؤمن

تنويه:

المقال التالي هو ملخص ورقة بحثية قدمتها في الورشة الدراسية التي أقامها في بيروت مركز كارنيغي الأمريكي، في إطار مشروعه حول مستقبل الحركات الأسلامية في الشرق الأوسط. و قد خصصت ورقتي لدراسة تحولات حزب الدعوة الإسلامية ومستقبله، بوصفه النموذج الأهم للأحزاب الإسلامية في العراق.

أسئلة الموضوع:

تقارب الورقة الموضوعات الثلاثة التالية التي تضمّنها عنوان البحث:

1- تحولات حزب الدعوة الإسلامية في بعديها الموضوعي والزمني، ولا سيما في المجالات التنظيمية والسياسية والاجتماعية والسلوكية والفكرية. وسنقرن كل تحول بمساحته الزمنية. كما سنستعيد الصيرورة التاريخية لهذه التحولات وجذورها، لتكون منطلقاً علمياً لفهم التحولات.

2- مستقبل حزب الدعوة الإسلامية في بعديه الموضوعي والزمني، ولا سيما في المجالات التنظيمية والسياسية والاجتماعية والسلوكية والفكرية. وستكون عملية استشراف هذا المستقبل مقيدة أيضاً بمرحلة زمنية محددة.

3- منهجية الدراسات المستقبلية، خاصة في موضوعات الاجتماع السياسي، و التي تفرض استخدام منهج التشوّف الوصفي التحليلي، وهو مايقتضيه منهج الاستشراف البدائي. وسيتم إخضاع موروث حزب الدعوة و حاضره وتحولاته الراهنة الى هذا المنهج، للوصول الى صورة مستقبل الحزب.

معايير فهم حزب الدعوة الإسلامية:

لكي نصل الى صورة مستقبل الحزب، ينبغي التعرف بدقة على زمنيه الآخرين: الماضي بموروثاته ومساراته التاريخية، والراهن بتحولاته ومخاضاته:

1- موروث حزب الدعوة الإسلامية:

أ- الموروث الشخصاني: مؤسسو حزب الدعوة ومدونو فكره وقياداته وشهداءه.

ب- الموروث الاجتماعي: حزب الدعوة ليس حزباً سياسياً، بل هو أحد مظاهر الاجتماع الديني والسياسي الشيعي.

ت- الموروث الجغرافي السكاني: انتماء حزب الدعوة الى النجف وماتعنيه من رمزية ومحورية، ثم انتشاره العربي والعالمي، و وجود دعامات عالمية شيعية له.

ث- الموروث التاريخي: حزب الدعوة هو أول وأكبر وأهم حزب شيعي عراقي وعالمي، و حضوره الفكري والتنظيمي يشكل مؤثراً أساسياً في الوسط الشيعي العراقي والعربي والعالمي.

ج- الموروث النظري والفكري: حزب الدعوة حقق ثورة منهجية وموضوعية في الفقه السياسي الاسلامي الشيعي. و توافره على الرصانة الفكرية.

ح- الموروث السياسي: يحظى حزب الدعوة بخبرة سياسية تراكمية في العراق وغيره، إضافة الى استفادته الممتدة من التجربتين السياسيتين في لبنان وتجربة السياسة المعقدة وبناء الدولة ومؤسساتها في ايران بعد التغيير، ثم إمساكه برئاسة الوزراء وكثير من مفاصل الدولة لأربع دورات حكومية.

خ- الموروث التنظيمي: كان تنظيم حزب الدعوة يتميز بالدقة والقوة والدينامية، وكانت هذه الدينامية تساعده على اعادة تنظيمه بعد كل حملة تدمير، أو انهيار أو انشقاق.

هذا الموروث هو مضمون الماضي وشكله، وكذلك الماضي المستمر المتمثل بالخزين المخبوء والظاهر، والخبرات التراكمية.

2- تحولات حزب الدعوة الإسلامية و واقعه:

هذه التحولات التي خلقت الواقع الذي يعيشه حزب الدعوة، تسببت في ظهور مشاكل أساسية وأعراض مرضية في حزب الدعوة. و نحاول هنا أن نقتصر على

تحولات مرحلة ما بعد العام 2014 وحتى الآن، لأن مرحلة ما بعد 2014 وحتى الآن (2019)، هي مرحلة تراجعه التنظيمي والسياسي والإعلامي والجماهيري؛ قياساً بمرحلته السياسية الذهبية من 2005 وحتى 2014. ومن أبرز هذه المشاكل:

أ- المشكلة المجتمعية: كان حزب الدعوة يمثل الصورة المثالية النضالية الجهادية البطولية في العقل الشيعي العراقي. ولكن أخطاءه من جهة والحملة الاعلامية الدعائية الممنهجة المضادة شوهت ـ غالباً ـ هذه الصورة اجتماعياً .

ب- المشكلة الجغرافية: وتتمثل في انهيار امتدادته العالمية، ومعظم دعاماته الخارجية، و ضعف انتمائه النجفي.

ت- المشكلة الفكرية: عدم وجود انتاج فكري جديد لحزب الدعوة ينسجم مع مرحلة المشاركة في السلطة، وظهور تعارض بين نظريته وفكره، وبين طبيعة مشاركته في سلطة علمانية ودولة علمانية. وكان من مظاهر هذه المشكلة ظهور حالة الارتجال السياسي البعيد عن التنظير الفكري، والتي اعقبت مرحلة التشتت الفكري.

ث- المشكلة السياسية: وتكرست بانقسامه السياسي الواقعي بعد العام 2014، وصولاً الى خروجه من رئاسة الحكومة ومن معظم مفاصل الدولة، وضعف تأثيره في العملية السياسية. و لعل شخصية نوري المالكي القوية وكتلته البرلمانية وحضوره الجماهيري هو أهم حائل دون انهيار الحزب سياسياً.

ج- المشكلة التنظيمية: تحول حزب الدعوة من حزب حديدي الى تنظيم مكشوف، ومخترق أحياناً، إضافة الى ترهل تنظيماته وضعفها، وتشتت قراره الداخلي، وانشقاقاته الواقعية. الى جانب إصراره على الإدارة التقليدية والهيكلية غير المؤسساتية والتي لا تصلح لمرحلة السلطة.

ح- المشكلة السلوكية: تورط بعض كوادره وأعضائه بسلوكيات تتناقض وفكره الإيماني والتزامه الشرعي.

3- مصادر قوة حزب الدعوة الإسلامية:

وهي مصادر قوة ذاتية وموضوعية، و أهمها:

أ- موروثه الشخصاني والتاريخي والفكري.

ب- انتماؤه الى الاجتماع الديني والسياسي للأغلبية السكانية في العراق، وهي الاغلبية المتمسكة بهذا الاجتماع بقوة. وهو ما يجعل حزب الدعوة يستفيد ـ كغيره من الحركات الاسلامية الشيعية ـ من كل ألوان الحراك الديني الاجتماعي، او ماتطلق عليه الأدبيات الأكاديمية “الطقس الديني الإجتماعي” الذي يعيشه ملايين المواطنين الشيعة، كالمساجد والحسينيات، والعبادات الجماعية، والمواسم العاشورائية والأربعينية والرمضانية وغيرها، وهي غير متوافرة لأي حزب ينتمي الى مكون عراقي آخر، سواء كان هذا الحزب اسلامياً أو علمانياً. وبالتالي فحزب الدعوة لصيق بالحقائق التي ينتمي اليها عموم شيعة العراق.

ت- خبرة الدعاة السياسية والتنظيمية والفكرية التي توفر للحزب ديناميكية إعادة البناء.

ث- تحول حزب الدعوة الى مدرسة نوعية و كمية، فيها منشقون ومنقطعون أكثر حرصاً عليه، و وجود تنظيمات متعددة، و داعمين أقوياء مؤثرين من الدعاة المنفصلين من غير العراقيين.

ج- وجود المرجعية النجفية السيستانية، وهو مصدر قوة تلقائي لجميع الحركات الاسلامية الشيعية، ولكن له بعض الخصوصية بالنسبة لحزب لدعوة، إذ أن هذه المرجعية تحترمه وتعتبره أهم الأحزاب الشيعية القادرة على تحمل مسؤولية الدولة، فضلاً عن أن جميع الحركات الشيعية لديها مرجعيات غير السيد السيستاني عدا حزب الدعوة. وبرغم إشكالاتها على الحزب وعلى بعض شخصياته و أدائه؛ إلّا أنها لاتريد له التفريط بنفسه وبتاريخه؛ كونه قاعدة أساسية للواقع السياسي الشيعي.

ح- دعاماته الشيعية الخارجية: وفي مقدّمها المرجعية الدينية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ تتطابق رؤيتها في هذا المجال مع رؤية مرجعية النجف، فهي تحترمه أيضاً وتدعمه، بصرف النظر عن شخوصه وعن استقلاليته الدينية المرجعية.

خ- شعور معظم الفرقاء الوطنيين بأنه الحزب الشيعي الوحيد الذي يمكن الثقة به والشراكة معه، بصرف النظر عن المناكفات الظاهرية والحملات الدعائية.

د- استمرار وجوده في بعض مفاصل الدولة والوزارات والبرلمان والهيئات المستقلة، و التأثير المهم لأمينه العام في التحالفات وحراك الكتل السياسية وعموم العملية السياسية.

ذ- وجود نخب سياسية وفكرية وأكاديمية فيه، ومنها الشخصيات السياسية القيادية المؤثرة، ولاسيما أمينه العام.

ر- وجود مشاريع جادة قائمة لإعادة بناء الحزب.

وتحول مصادر القوة الذاتية والموضوعية التي يتمتع بها حزب الدعوة، دون تعرضه للانهيار أو التراجع المطلق.

مستقبل حزب الدعوة الإسلامية

يعتمد مستقبل حزب الدعوة على طبيعة مشروع إعادة بنائه، ونسب نجاحها. وأهم مفاصل هذه المشاريع:

أ- إعادة بناء المؤسسة الحزبية والهيكيل التنظيمي، وتجاوز الإدارة الجماعية المشتتة التي تصلح لمرحلة المعارضة، الى الإدارة المركزية، وكذا تجاوز الهيكيلية البدائية البسيطة الى الهيكيلية المؤسسية المعقدة.

ب- إعادة كتابة نظرية الحزب وفكره، بما يتناسب وتحوله من حزب ديني ايديولوجي عقدي عالمي يعيش السرية والمعارضة، الى حزب عراقي وطني وإسلامي بالمعنى الحضاري، يعمل في العلن ويمارس السلطة في نظام ديمقراطي وحكم مدني تشاركي.

ت- تفتيت الصراعات الداخلية، وتوحيد التنظيمات التي تنتمي الى مدرسة الدعوة، أو إيجاد الآليات المؤسسية التي تقبل بوجود الأجنحة المختلفة.

ث- تدوين مشروع الدعوة في الحكم والدولة، في المجالين العملي والنظري، ولاسيما مايرتبط بعقيدة الدولة العراقية ونظامها السياسي وإعادة بنائها سياسياً واقتصادياً وقانونياً، و إعادة تنظيم علاقاتها الإقليمية والدولية، وصولاً الى مشاريع التنمية البشرية والبناء الاجتماعي.

ج- إعادة بناء التنظيم، وشد خطوطه، وإعادة الدعاة المنفصلين، وهم خبرات كبيرة وكثيرة، والانفتاح المكثف والنوعي على جميع قطاعات الشعب.

ويمكن القول أن تراجع حزب الدعوة سياسياً سيستمر على المدى القصير والمتوسط، أي حتى الانتخابات المحلية القادمة، و الى ما قبل الانتخابات البرلمانية القادة في العام 2022، وحينها سيبدأ مرحلة جديدة من استعادة القوة تظهر معالمها تزامناً مع ظهور نتائج الانتخابات.

و سيكون المؤتمر العام القادم للحزب الذي سيعقد خلال العام 2019، مؤتمراً انتقالياً مهماً، فأما أن يكرس مظاهر التشتت والتراجع، من خلال ترحيل الخلافات ورهنها بعجلة الزمن، والإبقاء على الهيكلية نفسها والقايادات نفسها، مع تعديلات غير جوهرية، أو يشهد حسماً للخلافات الداخلية لمصلحة مشروع واحد، و صدور نظام داخلي جديد، وإعادة هيكلة الحزب ومأسسته، وانتخاب قيادات جديدة. ويذهب بعض الحكماء الدعاة الى ترجيح سيناريو ثالث يتمثل بالحل الوسط، الذي لا يكرس الراهن، لكنه يمنع التغيير الشامل.

كما ستكون مرحلة السنوات الأربع التي ستلي المؤتمر مرحلة تحوّل مصيري، قد تشهد نوعاً من التحدي باتجاه تقوية تنظيمات الحزب وتوسيعها، وبدايات متواضعة على مستوى إعادة البناء الفكري. كما ستتكرس في هذه المرحلة قيادة المالكي للحزب، ولكن ليس بما يشبه نموذجي أردوغان في حزب العدالة التركي والسيد نصر الله في حزب الله.

ومن المستبعد أن يشهد الحزب تحولاً فكرياً جذرياً، على مدى العشرين عاماً القادمة على أقل تقدير، تجعله يتنازل عن ثوابته الفكرية، أي يتحول الى حزب سياسي إسلامي علماني، على غرار حزب العدالة التركي، لأسباب موضوعية كثيرة. ولكن سيكرس الدعاة وجود الواجهات الحزبية السياسية العلمانية التي يعملون في إطارها.

وبناء على موروثات حزب الدعوة ونقاط قوته الذاتية والموضوعية، كما ذكرنا، بما في ذلك أنه ليس مجرد ظاهرة سياسية حزبية، أو ظاهرة اجتماعية سياسية طارئة أو عارضة، أو تجمعاً انتخابياً، فإن تراجعه السياسي أو انكساره الانتخابي، لن يتسبب في انهياره أو ضعفه المطلق. ولذلك فإن رهان خصومه المحليين والاقليميين والدوليين على إمكانية تجاوزه في حراك العملية السياسية العراقية رهان غير واقعي، ولايراعي أبسط المعايير العلمية في القراءة و التقويم والاستشراف.

مصادر للباحث حول حزب الدعوة الإسلامية وتحولاته ومستقبله

1- كتاب سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق

2- كتاب صدمة التاريخ: العراق من حكم السلطة الى حكم المعارضة

3- كتاب جدليات الدعوة: حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الاجتماع الديني والسياسي

4- رواية عروس الفرات

5- سلسلة دراسات: حزب الدعوة الاسلامية من الشروق الى السطوع

6- مقالات ودراسات ومقابلات، متوافرة على الانترنيت

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here