حفيدة صدام

رحمن خضير عباس
أصدرت السيدة حرير حسين كامل كتابا ، تحت عنوان ( حفيدة صدام) . ويبدو أن اختيار العنوان كان موفقا من حيث التسويق. فالعنوان ذو جاذبية معيّنة ، تستجدي فضول الكثيرين الذين يريدون أن يتعرفوا على هذا العالم، لرجل حكم العراق بالحديد والنار لفترة طويلة ، واستطاع أن يدُخل العراق في صراعات عقيمة أدت إلى استنزافه وتدميره ثمّ تقديمه لقمة سائغة لغزو أمريكي مُهين ومدّمر .
واذا كانت الحفيدة ( حرير) أرادت من خلال هذا الكتاب ، تحسين وجه نظام جدّها وتلميعه ، فأعتقدُ بأنّ جهودها غير ضرورية. لأن النظام ( الديمقراطي) الذي تآسس بعد سقوط جدّها ، قد ساهم بتحسين صورة نظام صدام ، وجعل بعض العراقيين يترحمون عليه. وذلك من خلال تفتيت البلد ونهب إمواله، وتفشي الظواهر الشاذة التي جعلته في كفة عفريت طائفي وإثني ، يجعل فكرة التشظي بدلا من التكتل. والانكفاء نحو العشيرة والمذهب والعقيدة بدلا من المواطنة. فعوضا عن الاستفادة من تجارب الماضي في العنف والإلغاء. صار سياسيو النظام الجديد يساهمون في مزيد من الفرقة والتدمير ، مقتفين أثر جلادهم .
تبدأ رواية الاحداث ما قبل طفولتها. حيث زواج أمّها رغد من حسين كامل وهو القريب من العائلة والذي رفعه صدام من شخص مجهول ، وفرد من أفراد الحماية ، الى وزير لخمس وزارات ومنها التصنيع العسكري. بعد ذلك تتحدث عن ولادتها في بداية الحرب الايرانية الخليجية ، والأمراض التي طاردتهم منذ طفولتها كمرض الربو .
هذه الحرب التي دمٌرت العراق لم تأخذ من الكتاب سوى ملاحظات باهتة عن (العدو الايراني) الذي لا تعرف عنه الكاتبة حرير، سوى أنه ( عدو حاقد) ، حارب بلدها لمدة طويلة. بينما القارئ كان ينتظر التصوّرات الخفية عند عائلة صاحب القرار ، والتي فشلت الكاتبة في نقلها.
ومن خلال السرد لشخصيات الدائرة الحاكمة ، تتحدث عن شخصية خالها عدي فتصفه بالورع وبأنه يصوم يومين في الاسبوع. وأنه يصلي وهو غير مسبل الذراعين ، متشبها بصلاة الشيعة ! وحينما تستمر في الحديث عن عدي وطبيعة شخصيته ومزاجيته وتعنته ، تنسى ورعه وإيمانه! ، وتروي قصصا عن سلوكه ، وهذه القصص تعبٌر عن حقيقته كشخص مريض ومولع بالقتل والسكر والعربدة.
ومن خلال السرد نكتشف خطورة شخصية عدي وأمراضه وجرائمه ومنها قضية قتل حنا كامل ، وغضب صدام عليه ، ونفيه إلى سويسرا. كل ذلك ويبقى عدي في نظر حرير بطلا ومتديّنا ! وهذا يفسّر أن هذه الكاتبة تخلو من المصداقية .
وكذلك شخصية قصي وإضفاء صفات البطولة عليه وعلى ابنه مصطفى. مع أنهم مجرد أطفال مدللين ، عاشوا بكنف العنف والقسوة والحكم المطلق. ومارسوها حتى وكأن العراق ضيعة لهم.
في الفصول الاولى تتحدث حرير عن (جريمة) شرب المشروبات الغازية ( البيبسي) مثلا ،والذي منعهم جدّها صدام .لأنه يريدهم أنْ يعانوا كمعاناة الشعب العراقي !
ولكنها في نفس الوقت تتحدث عن قصور جدّها الكثيرة والمنتشرة إضافة الى البيوت السريّة. وكذلك قصور أولاده وقصور ساجدة وقصور أبيها وعمّها ، كلّ ذلك الذي تحدثت عنه. وقد نسيت أنها ذكرت في بداية الكتاب أن جدها لا يمتلك عقارا واحدا مُسجلا باسمه !
من خلال سردها لما يحيط بها من أحداث صغيرة أو كبيرة ، يكتشف القارئ أنّ أغلب ما يتداوله الشارع العراقي بصمت عن أسرار العائلة هو أقرب إلى الصحة. كسلوك عٰدي المتهور وعشقه للنساء وكذلك سهراته الليلية.وسلوك قصي الاجرامي في حق المعارضة ولكنها حينما تتطرق الى محاولة اغتيال عدي من شباب عراقيين. تتمسك بوهم القصة الرسمية التي تقول أن ملامح المنفذين إيرانية !
ومن خلال حكاياتها عن جدتها ساجدة ، نكتشف أنها امرأة مولعة بالأزياء والمجوهرات والمصوغات الذهبية. ولا يهمها في السياسة سوى ذلك. كما أشارت الى طبيعة العلاقة غير الحميمة بزوجها الرئيس. وفي الوقت الذي فرض فيها النظام على نساء العراق ، التبرع بالذهب للمساهمة في المجهود الحربي. كانت السيدة الاولى ترفل بأجمل مصوغات الذهب والعطور والأزياء.
كما تناولت قمع الانتفاضة من قبل أبيها ( حسين كامل) الذي استطاع أن يخمدها بالحديد والنار. ثم تسترسل عن اشتراك عمّها ( صدام كامل) ودوره ( كجلاد) في التحقيق مع المشتبهين.
ثم تتناول هروبهم الى الاردن وانشقاقهم عن صدّام. وكيفية استدراجهم من قبل صدام وعدي للعودة الى الوطن بعد منحهم العفو الرئاسي . وكيف أن جدّها صدام سمح للعشيرة أن تقتل ابيها وعمّها في مجزرة السيدية ، حيث تمت تصفية الجميع وازالة البيت من الوجود. وكيف انعكس ذلك علىى شخصيتها.
ولكنها مع ذلك تبقى معجبة بجدّها ( القاتل لأبيها بعد اعطائه الأمان ) وتعتبره نموذجا للنبل ، وهذا يعكس للقارئ قسوة النظام وإجرامه حتى مع أفراد العائلة. فما بالك بسلوكه تجاه بقية أبناء الشعب العراقي ؟
يتحدث الكتاب عن حزن أمها ( رغد) ما بعد القتل. وكيف فرض الجد( صدام) على بناته أن يتزوجن من الأعمام الذين قاموا بقتل أزواجهنّ. وكيف جوبه ذلك بالرفض. ويحلو للمؤلفة حرير أن تسميهم ب ( الحقراء).وهم الأعمام الذين قاموا بالقتل ومنهم علي حسين المجيد.
كما تروي لنا في الفصول الاخيرة من الكتاب ، تداعيات ما قبل غزو العراق على العائلة وطبيعة القصف الذي يستهدف القصور الرئاسية وكيف كانوا يلوذون بين البيوت السرية والعلنية. ثم تذكر قضية قتل عدي وقصي من قبل الجيش الامريكي.
وتمرّ مرورا عابرا على قضية القبض على صدام ، وتعتبر أن جدّها كان مُخدّرا حينما قُبض عليه في حفرة عاره ومن غير المعقول أنْ يسلّم نفسه .
واخيرا تتحدث عن رحلة هروب العائلة إلى الأردن عن طريق سوريا ، حاملين معهم حقائب ما سمّته في كتابها ( بالسيولة) ! وتعني طبعا ملايين الدولارات المأخوذة من خزينة هذا الشعب المُستباح.
وعموما فالكتاب لا يحمل للقارئ سوى معلومات رثّة. وقد كُتب بطريقة ساذجة لا ترتقي الى أن يستحق الطبع. كما أن الاسلوب كان مرتبكا مع محاولات الترقيع والتصحيح التي تبدو عليه.
ولكنه أول كتاب يُكتب من وجهة نظر عائلة دكتاتور العراق بعد سقوطه.
(حفيدة صدام) كتاب يلوذ ببريق عنوانه .
فقد قرأته بصفحاته ال ٢٧٦ ووجدته هشٌا ساذجا ،لا يستحق تضييع الوقت ، وذلك لأنه كُتب بعقلية طفلة مدللة ، لا تمتلك أية رؤية سياسية أو فكرية أو حتى إنسانية ، تنطلق من فكرة مفادها :
بإنّ جدها صدام حسين ،هو أقرب الى الآلهة في الميثولوجيات القديمة. والتي تتصف بالقوة والبطولة والنزاهة والنبل ، حتى حينما يحنث بعهده بالعفو عن أبيها ، والذي يسمح أو يأمر بقتله بشكل وحشي وجلب رأسه إلى القصر الجمهوري!.
وهو بمجمله يعبّر عن هموم عائلة مترفة ، لا يعنيها من الوطن سوى مباهجه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here