أزمة العلم المعاصر

إعداد: فريق شبكة العالم الثالث-ماليزيا

ترجمة: هبة ناصر

من منشورات المركز الإسلامي للدراسات الإستراتيجية التابع للعتبة العباسية المقدسة| سلسلة الدراسات الغربية(10)

يشتمل الكتاب على أوراق العمل التي قدمت في مؤتمر (أزمة العالم الحديث) الذي عقدته شبكة العالم الثالث ورابطة المستهلكين في بيانغ في ماليزيا عام 1986 الذي حضره 140 باحثا من مختلف الدول. كان الهدف من المؤتمر دراسة ما تسببه التقنية من أضرار. كما اقترحت المعالجات بما في ذلك العودة إلى إحياء التكنولوجيا الوطنية القديمة.

يعتمد تقييم تطور الدول ونموها على ما تساهم به من اكتشافات وتكنولوجيا حديثة ومدى استخدام تلك الدول لتلك المساهمات. بيد أن للعملة وجها آخر. فهذه التقنية استنزفت قدرات البشر والطبيعة على حد سواء. فلم يُلتفت للدمار الكبير الذي سببته إلا مؤخرا، إذ انبرت جمعيات تطالب بالحد من تلك التقنيات التي لا تجني فوائدها إلا الشركات الامبريالية.

مهما يقال، فثمة دلائل على أن منطق العلم الحديث وتطبيقاته تعرّض العالم إلى مخاطر جمة. فقد أصبح العلم أداة بيد الدول الغنية التي استغلته مع العوامل الاقتصادية والاجتماعية للسيطرة على العالم الثالث.

فمما لا شك فيه أن العلم والتكنولوجيا المعاصرين استُخدما أداة تتعارض في حقيقتها مع ما يحتاجه العالم الثالث.

بعد الإعلان العام الذي تبناه المؤتمر، والذي يقدم الأدلة القاطعة على أن العلم والتكنولوجيا لا يحسّنان من الأوضاع المادية والروحية لسكان العالم عموما، وسكان العالم الثالث خصوصا، وإعطاء الأمثلة على ذلك، بحث المؤتمر عدة قضايا، سنتناول بعضها.

الموارد الطبيعية:

ازداد الطلب على الموارد الطبيعية مع حلول الاستعمار. فتزعزع استقرار عمل التكنولوجيات المحلية وتقوضت مصادر مواردها وتسويقها في بلدان العالم الثالث. كانت المحاولات الأولى في تطوير الزراعة في العالم الثالث ذات أثر على الزراعة بادئ ذي بدء. لكن تبعت ذلك محاولات السيطرة على أراضي العالم الثالث. كما تركز النمو الصناعي على الصناعات التي لوثت البيئة. ثم أن الدول الصناعية طورت صناعاتها بنقل الموارد الطبيعية من المستعمرات. تبع ذلك نقل التكنولوجيات الضارة إلى دول العالم الثالث.

المقترحات: ترشيد استخدام الموارد في العالم الثالث واستدامة استخدام الأراضي والمياه وحماية المحصولات والموارد الزراعية من الخراب وتبنّي تكنولوجيات وطنية ترشّد من استخدام الموارد ولا تعرّض البيئة للتلوث ومشاركة الناس في اختيار تلك التكنولوجيات وفي إدارة الموارد الطبيعية.

انعدام العدالة وعدم تلبية الحاجات الأساسية:

من المفروض أن التقدم العلمي يمتلك القدرة على تلبية الحاجات الإنسانية لكل الناس. لكن واقع الأمر يشير إلى أن ثلثي شعوب العالم الثالث يُحرمون من احتياجاتهم الإنسانية الأساسية. يضاف إلى ذلك أن الكثير من الموارد غير المتجددة استُنزفت. فيجري استخراج المعادن وقطع الأشجار وتلويث المياه والأرض والهواء، ومن ذلك طبقة الستراتوسفير. وهذا يستدعي القول أنه كلما كان الناتج القومي مرتفعا في الحاضر، قل في المستقبل.

يضاف إلى ذلك أن 80% من الموارد يستهلك في الدول المتطورة، ولا يستهلك إلا 20%منه في العالم الثالث. وهذا يشير إلى نمو الشمال على حساب الجنوب. فقد نالت بلدان الشمال، وهي تضم ربع سكان العالم، 80% من الناتج العالمي الإجمالي. يقابل ذلك 20% فقط في الجنوب. وفي عام 1985 وحده نقل 74 مليار دولار من العالم الثالث لرد القروض. واستلف العالم الثالث قروضا جديدة بنحو 41 مليار دولار، فتحتم عليه دفع 114 مليار دولار كمنافع لتلك القروض.

المقترحات:

لابد من إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي جذريا. فينبغي تقليل مستويات الاستهلاك في العالم المتطور. فلا داعي لإنتاج السلع الفائضة عن الحاجة. ولا بد من تحقيق ذلك بتشكيل اتحاد بديل يجمع العالم الثالث، شبيه بمنظمة أوبك، لإجبار العالم المتطور ونخب العالم الثالث المستفيدة من الوضع الحالي للامتثال للأمر.

كما يمكن الاستفادة من التقنيات والمهارات والأساليب الوطنية الصديقة للبيئة. وتقليل هوس حكومات وشعوب العالم الثالث بالتكنولوجيات الحديثة التي تلبي حاجات العالم المتقدم، وتضر بالعالم الثالث. ويتأتى ذلك وغيره من السعي للقضاء على ما تعرضت له شعوب العالم الثالث من غسيل دماغ. ولا يكون ذلك ممكنا إلا بإصلاح البُنى الاجتماعية.

ربط الاقتصاد بالعلم المعاصر:

مما قامت به سيطرة الغرب الاقتصادية والسياسية هو غرس حب العلم والتكنولوجيا الغربيين لدى صناع السياسة في العالم الثالث. وخير مثال على ذلك ما جرى في التدخلات في برامج أبحاث الأرز في جنوب شرق آسيا. فحينما اقترب الباحثون المحليون من إجادة أنواع المصادر الجينية المحلية لزيادة محاصيل الأرز دون الحاجة إلى طلب البذور والأسمدة المستوردة، أوقفت تلك المشاريع تحت الضغط السياسي وتقديم الحوافز من وكالات مثل البنك العالمي. وطُرد الباحثون المحليون من مناصبهم عندما اعترضوا على ذلك.

ومن أساليب الهيمنة الغربية على العلم والتكنولوجيا مسألة تطوير التكنولوجيا العسكرية. وهو ما زاد في تبعية العالم الثالث للغرب.

المقترحات:

زيادة الوعي بالروابط بين القوى الاقتصادية والعلم والتكنولوجيا من خلال الاطلاع على ميزانيات البحث العسكري ومن المستفيد من ذلك. ومن خلال تحريك الرأي العام، يمكن رفض توسعة هكذا مشاريع. كما ينبغي تحديد المشاريع التي لا تنفع الشعوب في حين أنها تزيد الديون.

وكذلك التعويل على العلماء السياسيين الموثوقين للعمل في المؤسسات العلمية والتكنولوجية الصانعة للسياسة وإجراء دراسات لرسم أساليب أكثر عدالة فيما يخص الموارد الطبيعية والانتفاع بها.

العلم ومخاطر التكنولوجيا:

تزايدت كثيرا الكوارث الناجمة عن التكنولوجيا المتطورة. وهذا ما هدد مصداقية العلم المعاصر. مثال ذلك كارثة تسرب الغاز في مدينة بوبال الهندية وانفجار تشيرنوبيل النووي في الاتحاد السوفيتي السابق وتحطم مكوك الفضاء الأمريكي تشالنجر وحوادث أخرى غيرها في اليابان. كل تلك أحدثت خيبة أمل كبيرة بالعلم المعاصر. يضاف إلى ذلك مساهمة العلم بالحروب، مما أدى إلى ربط العلم بالعنف. بل أن العلم أصبح المصدر الأساسي للعنف ضد البشرية.

المقترحات:

لابد من خضوع الوحدات الصناعية الكبيرة إلى الإجماع الديمقراطي. ويجب على الحكومات المتطورة أن تسنّ القوانين التي تمنع تصدير المنتجات والصناعات الخطيرة. كما تجب على دول العالم الثالث أن تتعاون من أجل تطوير قدراتها للتحكم في استيراد الصناعات والمنتجات الخطيرة وسن القوانين لوضع معايير للصحة المهنية تضاهي تلك الموجودة في العالم المتقدم والسيطرة على التلوث البيئي وتقديم الدعم للأفكار المعتمدة على التكنولوجيا الوطنية والاعتناء بضحايا العلم المعاصر.

العلم والتمييز العنصري:

مما تسعى إليه البيولوجيا الاجتماعية الترويج لوجود الدونية المتأصلة في الجينات. وهذا بدوره يشجع على التمييز العنصري بين بني البشر. ومما يشجع على ذلك إدخال الترويج للتمييز العنصري مبكرا في تدريس العلوم في العالم الغربي. وغالبا ما يحال الناس الموصومون بالدونية إلى أسوأ الأعمال والوظائف، إذ تخصص لهم أقل الأجور وتعرضهم لأكبر الأخطار.

المقترحات:

يتحتم على المدارس إيقاف الصور النمطية العنصرية سواء على صعيد المناهج أو على صعيد التطبيقات المدرسية. كما ينبغي المحافظة على احترام الخلفيات الثقافية للتلاميذ وإيقاف تلاعب أرباب العمل بالتلاعب بتلك الاختلافات. ويستتبع ذلك تشجيع العمال ومنحهم الحق في التعبير عن ذلك في النقابات ووسائل الإعلام.

العلم والتعبئة العسكرية:

تتمثل مسؤولية العلماء الحقيقية في استصلاح حال البشرية. لكن ما نراه فعلا هو أن المهمة الأساسية لكثير من العلماء في الكثير من البلدان هي التدمير. يضاف إلى ذلك أن الدول الكبرى تستخدم التهديد في حل النزاعات. والأمثلة على ذلك كثيرة. وهذا ما أدى إلى تنامي التعبئة العسكرية بمعدلات هائلة. فقد بلغت النفقات العسكرية للعام 1985 ما يقارب 900 مليار، ارتفعت عام 2016 إلى مليار وستمائة وستة وثمانين مليار دولار.

وبذلك، فإن البشرية تواجه خطر الدمار النووي والبايولوجي والكيميائي، إذ قامت الدول الكبرى بانتهاك المعاهدات الدولية بإنتاجها للأسلحة التدميرية. على أن الاستخدام الأسوأ للعلم والتكنولوجيا في العالم الثالث يتمثل باستخدام ما ينتجه الغرب من أسلحة في إسكات شعوب ذلك العالم. فقامت دول العالم الثالث باستخدام معظم مواردها في شراء الأسلحة. ولا أدل على ذلك من أن مقابل كل طبيب في العالم الثالث ثمة 25 جنديا.

المقترحات:

من أهم البدائل هو أن حل المشكلات لا يتم عبر الوسائل العسكرية. وهذا يقتضي أن توقف جميع الدول إنفاقها على المجال العسكري. ويقتضي ذلك أيضا إيقاف التجارب النووية. كما ينبغي إيقاف التعبئة العسكرية في مجال الفضاء الخارجي وإلغاء القواعد العسكرية وتحويلها للاستخدام السلمي. ولا بد من أن يتحد العلماء للحيلولة دون قيام الكيان الصهيوني وجنوب

أفريقيا بسعيهما من خلال التكنولوجيا لتحقيق أهداف سياسية مشبوهة. كما يعبر التقرير عن القلق إزاء استخدام العراق للأسلحة الكيميائية في حرب (إيران والعراق) آنذاك، وبالوقف الفوري لتجارب فرنسا النووية في المحيط الهادئ وإنشاء مناطق حظر نووي وإيقاف الاختبارات القاسية على البشر والحيوانات لغايات عسكرية.

ويغطي الكتاب قضايا أخرى مثل العلم والنساء والطاقة والزراعة والصحة ووسائل الاتصال والصناعة وتدريس العلوم وسياسة العلم وإدارته، مشفوعة بالمقترحات المناسبة، مما لا يتسع المجال لذكره في هذه العجالة.

قراءة أ د حميد حسون بجية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here