يا أطفال ونساء العالم اتحدوا

تتزامن اكبر التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجه المجتمع البشري في جميع انحاء العالم مع كارثة التهديدات البيئية للحياة الانسانية والتنوع الحياتي بسبب شيوع تلوث الهواء والماء والغذاء والتغير المناخي, بينما تتخبط القوى التقليدية المهيمنة على مقدرات الشعوب في وحل صراعاتها الانانية حول تدوير تسلطها ومصالحها بحلول قديمة لمشاكل جديدة لا مثيل لها في التاريخ, ويبشر عناد الجيل الحالي من الاطفال والنساء بالكثير, من خلال العزم المعلن على التحرك الطوعي البناء بالتضامن مع غالبية ضحايا الاستعباد والاضطهاد والاقصاء, والدعوة مفتوحة للمشاركة في يوم 15 و16/3/2019, “يوم الاضراب العالمي للطلاب والشباب” ويوم “مسيرة القرن” العالمية من اجل المناخ, احتجاجا على تنصل الدول عن تعهداتها ووعودها في الاتفاقيات الدولية, فقد آن أوان التحرك عالميا للخلاص الجماعي الشامل, الاجتماعي والبيئي ,على المدى القريب والوسط والبعيد.

ينبغي الآن، محليا وعالميا، الخروج من فخ التنظيم الهرمي العمودي، المولد للازمات والامتيازات الفئوية لأقلية اعتادت التسلط بالقوة والمكر والإيهام والتضليل, وتتسلط علي كل شيء تقريبا بخدعة المساواة الهندسية بين أفراد شرائح طبقات الهرم الاجتماعي, وينبغي قلب علاقة القوة لصالح الاكثرية المضطهدة بالدخول في تنظيم دائري أفقي جامع يضمن الكرامة والحرية والمساواة الحسابية المطلقة لجميع المواطنين، ويمنع التقديس والشخصنة والوصاية والتسلط والتحكم والهيمنة والترهيب والسرية والامتيازات والتوريث، سواء في العائلة أو في القرية أو في المدينة أو في العالم. والتمكين الذاتي للنساء والاطفال ضروري لذلك وممكن أيضا، ولا يحتاج غير العمل الجاد الصبور والعلم والعقل والالتزام والمسئولية والتضامن والتعاون بين جميع الأفراد والاجيال والشعوب، بدون أي إقصاء.

ممكن أيضا تعزيز وتقوية الاتحاد والتضامن بوسائل وقائية غير مادية، بتعميم الحق “في اللغة” والتربية والتعليم والتفكير والتواصل والإعلام، لتمكين جميع المواطنين، من بداية حياة الفرد إلى نهايتها الطبيعية، وليس من سن الذهاب إلى المدرسة المعهود إلى الدولة بالمادة 26 في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لان اللغة وسيلة أساسية لبناء الشخص الإنساني، الفردي والاجتماعي والفكري، ولتعزيز التواصل والتفاهم بين الأجيال والشعوب. والتشارك في اللغة وثرواتها الهائلة المتوفرة حاليا ممكن وضروري لتمكين الجيل الحالي وأجيال المستقبل من الاعتماد على النفس والاستقلال والتحرك الواعي لبناء عالم المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والسلام الدائم، ودحر اللامساواة والعبودية والاستغلال والإقصاء، ولا بديل عن مشاركة الجميع فعليا في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، بممارسة الديمقراطية التشاركية والحوار والنقاش والمطارحة والتناظر واتخاذ القرارات ووضع الحلول والبدائل الوقائية والعلاجية التي لا تقتصر على المطالبات وصياغة الشعارات وطقوس الاحتفالات التذكارية الرمزية وتظاهرات الدعم أو الاستنكار أو الاحتجاجات التي تولدها عقود الإذعان الاجتماعية.

هناك ضرورة ملحة لوضع قواعد جديدة لتأطير اللعبة الاجتماعية على ضوء مبادئ ومفاهيم واضحة ومعروفة يقبلها الجميع، مثل التي تبلورت في نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، من اجل التعاقد الطوعي لضمان تحقيق الحريات والحقوق والواجبات الأساسية لجميع أعضاء الأسرة البشرية، وتحويلها إلى واقع ملموس باستخدام جميع الوسائل اللازمة المتوفرة حاليا، للتمكين من المشاركة الجدية الجادة في بناء مجتمع عالمي محوره الإنسان، مجتمع متضامن ومتعاون على الصعيد المحلي والعالمي، وتعزيز سلامته واستقراره بالمقاومة السلمية العنيدة لكل ما يعيق عملية البناء وإعادة البناء.

تتحمل أجيال الحاضر المسؤولية الكاملة في احترام ما قدمته أجيال الماضي من عمل وعلم وعقل إيجابي نافع للوصول إلى عالم اليوم، ورفض ومقاومة كل ما هو سلبي وضار لأجيال المستقبل. ويستطيع الذين يعلمون تقديم الكثير من الوسائل الغير مادية، كالمعرفة والتجربة والخبرة التي لا تكلفهم شيئا، ويمكن أن تعود عليهم بالنفع الكثير عند التشارك بها مع الذين هم في أمس الحاجة إليها، خاصة في مجال تعزيز “بيوت الحياة” وتوفير “طقم الحياة”.

“بيوت الحياة”، البيت مكان المدرسة الأولى في الحياة وورشة العمل الأساسية لبناء الإنسان الدائم الى مرحلة الشيخوخة والنهاية الطبيعية للحياة. ويجب أن يتوفر فيه كل ما يلزم لضمان الحق في التعليم والتربية من بداية صيرورة الإنسان، وخلال الفترة الحاسمة لإعداده بشكل صحيح من البداية، وعلى قدم المساواة، للدخول العادل في المجتمع عبر التعليم المدرسي والعالي اللاحق، حتى تتحقق الفرص المتساوية لجميع أعضاء الأسرة البشرية للتعرف الواعي والتمتع الفعلي الشامل لكافة الحقوق الأساسية والواجبات المسطرة في الإعلان العالمي. ان اللغة، بوظائفها الأساسية والرياضيات، أداة أساسية لازمة لا مفر منها وشرط لا غنى عنه للحق في التعليم والتفكير والقيام بأي عمل كان وبأي تحرك فعال, وعندما يغيب التعلم الكافي للغة، لا جدوى من الحديث عن عالم الحقوق والمساواة والعدالة والسلام والحرية.

“طقم الحياة”, يوفر معلومات تفصيلية عن كل ما يلزم لضمان إطلاق القدرات الحيوية للأطفال، من الولادة إلى سن الرشد، سن الاعتماد على النفس، وتعزيز الضمان الاجتماعي والغذائي والصحي والسكن والبيئة والتربية والتعليم والثقافة، والتي لا يمكن تحقيقها وتعزيزها بدون تمكين الأمهات، وأي شخص مسئول عن تربية وتعليم القاصرين. وينبغي إعداده وتقديمه مجانا إلى الأمهات وكافة الأشخاص الذين سيتحملون مسئولية تربية وتعليم الأطفال، للبدء في عملية التأهيل وإعادة التأهيل من اجل وضع الجميع على خط تحقيق الأهداف المنشودة، وبناء الناس الذين يريدون بناء عالم مرغوب ومطلوب، وممكن تحقيقه بالبهجة والسعادة.

ان العمل والعلم والعقل وسيلة وسلاح. وسيلة ضرورية للبناء الفردي والاجتماعي والبيئي للإنسان، والمعالجة الجذرية للسلبية والكسل والغباء والتطفل والحماقة والجنون، وسلاح جبار لمكافحة الحرب والتقتيل والتدمير والعنف والإرهاب وصناعة وتجارة الأسلحة والمخدرات وكل ما يضر الإنسان والحياة والطبيعة، وكل ما يعيق عملية التحولات الاجتماعية والبيئية البناءة لعالم يحترم الحياة والإنسان والطبيعة والأرض، وطن الإنسانية الوحيد.

علي غالب القزويني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here