أسئلة جرح نازف من داخل جحيم المعتقل !

خضير طاهر
خرجت من مكتب الأمم المتحدة في الأردن أتمشى فوق رصيف الغربة والإفلاس والكآبة … إقترب مني وبادرني بالسؤال :
– كيف حال مراجعتك للأمم هل حصلت نتيجة ؟
كنا قريبين من المكتب ، فكان من الطبيعي انه هو أيضا راجعه لغرض الحصول على اللجوء ، وتبادلنا الحديث ، وعلى الفور لفت إنتباهي معلوماته الواسعة بخصوص الحصول على حق اللجوء والسفر ودول العالم ، وبقينا نمشي ونتبادل الحديث ، قدم نفسه : (( خالد مروان .. بحار سابق )) ، وفاجأني بالدعوة الى المطعم لتناول الغداء .
جلسنا وأنا أفكر لماذا هذه الدعوة ، وماذا يريد ، كانت الأجواء تثير الشك والخوف حيث تتواجد عناصر المخابرات العراقية التابعة لنظام صدام امام مكتب الأمم المتحدة لرصد طالبي اللجوء من العراقيين .
كنت متعبا وكئيباً وتائها أحمل حطامي معي من عراق الخراب ، ووجدت نفسي في ظرف لايلائم طبيعتها الباحثة عن الشعور بالأمان فإذا بي أزجها في مغامرة مجنونة في التسكع في شوارع الأردن بلا خبرة ولا أموال ولاعمل !
أثناء تناول الطعام ، سألني خالد مروان :
– (( شاهدتك في مكتب الأمم المتحدة تقرأ في قرآن صغير ، ماذا يعطيك القرآن ؟))
جرت العادة ان احمل في جيبي قرآن أقرأ فيه ، كانت الأفكار والكلمات تتدفق مني كي تجيب على سؤال خالد ، فالموضوع في حينها لم يكن مجرد الحصول على مشاعر الطمأنينة ، وانما كنت أعتقد بوجود نتائج عملية تتمثل في نزول البركات والتوفيق وتحقيق الأمنيات بفعل علاقة الإيمان بالله .
كان خالد مروان مستمعا رائعا ، يصغي بإهتمام وانا أحدثه عن التفاعل الإلهي والتوفيق ومزايا الدعاء ، ولم يكن في بالي اني أتكلم مع النقيض الحاد لمعتقداتي وأفكاري !
علق خالد على كلامي :
– (( لكني للأسف لم أجد الله أثناء المعتقل ، بحثت عنه متوسلا باكيا ، تضرعت اليه في الليل والنهار ، ولم يستجب لي ويساعدني في محنتي !))
– (( هل كنت معتقلا في العراق ؟))
– (( نعم بسبب وشاية من زميل في العمل ، وكانت التهمة التذمر من الحزب والثورة ، بينما الحقيقة كانت مجرد كلام عادي أقارن فيه بين البلدان التي نزورها كبحارة وبين العراق وأمنياتي بأن نرتقي الى مستواها ، في معتقل المخابرات عاملوني كخائن بسبب أحلامي لرؤية تطور بلدي ، أبشع شيئا في المعتقل هو انك تصبح بلا قيمة ويمعنون في إذلالك أول الأمر بالصفعة على وجهك كما لو كنت طفلا بلا عقل ولاإرادة ولايحق لك فعل أي شيء)).
– (( وكيف جرت الأمور بعد الإعتقال ؟))
– (( كالمعتاد كل يوم مجزرة تعذيب وتكرار نفس الأسئلة ، إستمرت حوالي خمسة أشهر ثم محكمة شكلية وسجن لمدة سبع سنوات في سجن أبو غريب ))
لم يكن يقنصني هذه الأجواء الكئيبة ، لكن من باب المشاركة الإنسانية إستمتعت له ، وكان يمكن أكون مكانه في المعتقل ، ففي العراق كل إحتمالات الشر والتعرض للكوارث واردة ، والنظام حفز الروح العدوانية والوشاية بين الناس ، وبعضعم بريء لكنه إستفحل فيه الخوف القهري فتحول الى متملق للسلطة لحماية نفسه من الذعر المزمن من بطش النظام .
واصل خالد كلامه
– (( كنت مثلك متدين ولديّ يقين ان الله يحبني ويحميني من كل شر ، وكانت هذه الطمأنينة هي مصدر شعوري بالسعادة الداخلية لغاية حدوث إعتقالي ، بحثت عنه ، إنتظرت مساعدة الله لي ، في جهاز المخابرات كنت أحيانا من شدة الوجع من التعذيب أصرخ : دخيل الله ، وكان الجلاد يسخر مني قائلا : الله يخاف الدخول الى هذا السجن ، قبل إعتقالي لم أكن أتصور وحشية البشر بهذه البشاعة ، وإكتشفت خطأ نظرتي الرومانسية للإنسان ، فالبشر لديهم عدة شخصيات قابلة للتفعيل حسب الظروف ، وأصدق صورة لحقيقتهم هي صورة الإنسان البدائي الأول المتوحش المفترس ، هذه حقيقتنا التي جرى لها فيما بعد عملية تهذيب ووضع الرتوش الحضارية عليها )).
(( دائما كنت أتساءل : هل إكتشف الجلادون حقيقة الحياة القائمة على الفوضى والشر ، وعدم تدخل الله في مجرياتها اليومية ، ولهذا نجدهم يمارسون جرائمهم بهذا النشاط والإخلاص دون الشعور بالذنب والخوف من قوى إلهية عليا تفتك بهم ؟!))

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here