الرد على نظرية العدالة الليبرالية من منظور العدالة الإسلامية

إيهاب المقبل

يتبجح الليبراليون اليوم في السويد واوروبا وامريكا وبعض البلدان العربية بنظرية العدالة الليبرالية، والتي نشرها الفيلسوف الامريكي جون رولز في كتابه (نظرية في العدالة)، والصادر عام 1971. ويعتبر رولز من منظري ومؤسسي ليبرالية اجتماعية، والفيلسوف السياسي الثاني الأكثر أهمية في القرن الماضي، حيث اهتم بالعدالة الاجتماعية. يدعوا رولز في كتابه إلى العدالة التي تستهدف الفئات الأكثر حرمانًا والأقل حظًا في المجتمعات، شعارات نبيلة! وبنفس الوقت يزعم ان لكل شخص حرية الملكية الشخصية بإستثناء حرية إمتلاك وسائل الإنتاج، يا سلام على العدالة الليبرالية!

ان الدارس لهذا النوع من العدالة يجدها من حيث هي لا واقع لها في معترك الحياة، كما انها غير عملية لحياة الإنسان، وذلك ان الله عز وجل خلق البشر وجعلهم يتفاوتون في القوى الجسمية والاستعدادات العقلية، وهم في نفس الوقت يتفاوتون في إشباع حاجاتهم، فالمساواة بينهم مستحيلة الوقوع. فلو فرضنا جدلًا ان الدولة تستطيع ان تساوي بين الأفراد في حيازة السلع والمال، فانها لا يمكن لها ان تساويهم في إستعمال هذا المال، لا في الإنتاج ولا في الإنتفاع به، فالمساواة في هذه الناحية أمر خيالي لا واقع له. ثم ان هذه المساواة بين البشر مع تفاوتهم في القوى والإستعدادات تعتبر بعيدة عن العدالة، لأن التفاضل بين البشر قائم، وهو فطري بينهم، والتفاوت في حيازة المال والمنافع أو وسائل الإنتاج امر حتمي تقتضيه الفطرة البشرية، وهذا ما اقره دين الإسلام، قال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا)، الزخرف: 32، أي يسخر بعضهم البعض في حياته، ويتعاونون كل مع الآخر في شؤونه وعمران مجتمعه، الا أن هذا التفاوت بين الناس يجب ان لايكون سبيلًا إلى استغلال البعض للبعض الآخر أو ظلمه أو التحكم فيه، وانما يجب ان يكون سبيلًا إلى التعاون والتراحم والتكاتف والتحابب. ويمكن ان نفهم حكمة هذا التفاوت، من قوله تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)، الشورى: 27.

اما انه لا يجوز للإنسان ان يمتلك معملًا أو منجمًا أو غيرهما، فهذه القاعدة مخالفة لدين الإسلام كما هي مخالفة للفطرة البشرية ومفهوم العدالة، بل تسعى إلى قتل المواهب النافعة والعبقريات المنتجة في الإنسان. وقد أباحَ الإسلام الملكية الفردية من دون تحديد المقدار، وصان هذه الملكية من كل اعتداء عليها، بل وعملَ على تنظيمها بإعطاء الفرد بما هو داخل في ملكيته، ويمنعه من خلال قاعدة (من أين لك هذا؟)، من قصة صدقات بني سُليم من السنة النبوية الشريفة، ان يتملك ما لا يدخل في ملكيته وهو كل ما دخل في الملكية العامة أو ملكية الدولة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)، النساء: 29.

ولذلك لا عدالة إلا في الإسلام، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)، النحل: 90. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا))، رواه مسلم واحمد والنسائي. والمقصود بالمقسطين، ﺍﻟﻌﺎﺩﻟﻴﻦ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻴﻬﻢ ﻭﻓﻴﻤﻦ ولاﻫﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ، يكونون ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﺑﺮ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ عن ﻳﻤﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻭﻫﺬﺍ ﺩﻟﻴﻞ على أهمية العدل في الإسلام، ودليل على ﻓﻀﻞ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻓﻲ الأﻫﻞ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ الأولاﺩ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ولاﻙ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﺍﻋﺪﻝ ﺣﺘﻰ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺒﺮ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here