هل من ثمة عبقري من علماء نفس أو اجتماع يستطيع تفسير هذه الظاهرة العجيبة ؟! ..

بقلم مهدي قاسم

تمكن حتى الآن التيار الصدري من تنظيم مئات الآف ــ و
ربما يستطيع ملايين أيضا لو شاء ــ من أتباع وأنصار و تحشيدهم في الشوارع والساحات للقيام بمظاهرات أو نشاطات من هذا القبيل ، و الآن ادهش تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم الساحة العراقية و الإعلامية بتحشيده أعدادا مماثلة من الجماهير الحاشدة تعبيرا للولاء و الإخلاص
لهذه الأحزاب الفاسدة ، بالرغم من شتى صنوف الفقر و الحرمان من أبسط مقومات الحياة العصرية التي سببتها هذه الأحزاب بسبب عمليات النهب المنظم للمال العام و باعتراف قادة هذه الأحزاب أنفسهم من خلال حديثهم الدائم عن مظاهر الفساد في العراق و اتهام بعضهم لبعض الآخر
..

هذا دون أن نتحدث عن مئات الأف من ضحايا الإرهاب الذين
سقطوا نتيجة التواطؤ والمساومات بين هؤلاء الزعماء و ممثلي الدواعش ..

و ضمن هذا السياق أستطيع أن أجزم بأن حزب الفضيلة أيضا
يستطيع هو الآخر تنظيم و تحشيد مئات الأف من أنصاره و أتباعه ، بالرغم من كونه هو الآخر حزبا فاسدا حتى النخاع أسوة بغيره ..

ناهيك عن رأس الفساد الأكبر حزب الدعوة ..

غير أن ما يثير الاستغراب والحيرة حقا ، هو وجود أشخاص
كثيرين من بين صفوف هذه الجماهير الكبيرة التي تتصرف أمام كاميرات الفضائيات و القنوات الأخرى بطريقة مغايرة و مختلفة تماما ، من خلال التعبير عن غضبها و سخطها ووصفها زعماء هذه الأحزاب باللصوصية والحرامية ، عما نراه من أجواء خشوع و سكينة و انبهار و انشداد التي
تخيم على هذه الجماهير الحاشدة وهي جالسة أو واقفة أمام زعماء هذه الأحزاب الفاسدة وهم يلقون خطاباتهم النارية والحماسية ضد الفساد و مطالبين بإصلاح الأحوال والأوضاع التي هم السبب الأول من وراء ذلك ..

حتى نستطيع القول أن الذين يبدون راضين عن أوضاعهم المزرية
هم أكثر بكثير ممن يخرجون أمام الفضائيات محتجين و ساخطين ..

ولو راجعنا إلى أرشيف التلفزيون العراقي في عهد النظام
السابق لوجدنا جماهير حاشدة مماثلة من هذا النوع و الصنف و بأعداد أكبر و أضخم ، وهي تهتف وتردح مشيدة بعظمة ” القائد الضرورة ” ..

مع فارق واحد إلا وهو : إذا كان الخروج في ذلك العهد الديكتاتوري
للقيام بمظاهرات تأييد و أعلان الولاء كان يحدث بسبب أوامر و ضغوط رجال أمن فأن الخروج الراهن لهذه الجماهير الحاشدة تكاد أن تكون طوعية و ليست إجبارية أو بإكراه ، وهذا بالضبط ما نقصده بالحيرة و الاستغراب و عدم إيجاد أي تفسير منطقي له ، ما عدى سيكولوجية دافع التأليه
والتقديس للإفراد ذات صبغة دينية أو مذهبية ..

عموما : يجب الاعتراف أن خروج هذه الجماهير الحاشدة و بهذه
الكثرة الكاثرة تأتي دليلا آخر على هزيمتنا نحن الكتّاب المطالبين بتحسين وضعهم المعيشي و الخدمي وتصفية مظاهر الفساد والقيام بأعمال الإصلاح ، و انتصارا جديدا لزعماء الأحزاب الفاسدة و لمظاهر الفشل و الخراب ..

إذ أن الضحية راضي و كذلك الجلاد فما دخل القاضي ؟! ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here