المطلوب لمواجهة الفساد: الإرادة السياسية وحشد الطاقات الوطنية

على طريق الشعب..

استأنف مجلس النواب يوم السبت 9 من آذار الجاري، فصله التشريعي الثاني بعقد جلسة خصصت لمناقشة آليات مكافحة الفساد، استضاف فيها كلا من رؤساء الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس القضاء الأعلى، وأيضاً رئيسي هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وكالة.

وقدمت في الجلسة العديد من الكلمات والمداخلات تناولت حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وسبل مكافحته والقضاء عليه. حيث أكد رئيسا الجمهورية ومجلس النواب على ان محاربة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب، فيما قال رئيس مجلس الوزراء السيد عادل عبد المهدي في كلمته، إن حكومته شرعت في إعداد استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد بمشاركة الوزارات والجهات الحكومية حيث تعتزم كل من هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية تقديم المسودة الاولية لها.

وكان رئيس مجلس الوزراء قد أعلن نهاية شهر كانون الثاني الماضي، تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، من أجل توحيد جهود الجهات الرقابية للتصدي للفساد وحماية المال العام.

ونرى ان ملفات مكافحة الفساد، تحتاج الى حشد الطاقات الوطنية كافة وتفعيل كل الاطر ذات العلاقة بما يساعد على تحفيز الخلاص من الروتين في انجاز ملفات الفساد المتراكمة منذ التغيير في عام ٢٠٠٣.

ولما كانت الحكومة تعتزم تقديم مسودة استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد، فأن الأمل يتحقق في أ لا تبقى هذه المسودة مجرد حبر على ورق، كما هو حال المسودات التي سبقتها وكانت قد أعدتها الحكومات السابقة، من دون التحرك خطوة في اتجاه تطبيق مضامينها.

لقد كانت حصيلة النقاش داخل الجلسة غير الاعتيادية لمجلس النواب، والتي لابد من الإشادة بها؛ تتضمن ذكر العديد من أسباب تفشي الفساد وتأشير مواطن الخلل في أداء المؤسسات، والكثير من المقترحات الجيدة.

غير أن عموم ما طرح، لم يتعد نطاق ما قيل في السنوات الماضية عن أسباب الفساد وسبل محاربته، ولم يأخذ مجراه إلى التنفيذ المباشر. وبقيت آلاف الملفات المطروحة أمام القضاء وهيئة النزاهة، مركونة بانتظار تحقق الإرادة السياسية لفتحها.

نعم، فمن دون توفر الإرادة السياسية عند اصحاب القرار، لا يمكن للكلمات الجميلة التي قيلت في شأن مكافحة الفساد، أن تتحول إلى واقع ملموس، ولا يمكن للمؤسسات الرقابية أن تؤدي وظيفتها، وفي المحصلة لا يمكن للحكومة أن تنجح في إداء برنامجها!

لقد فشلت الحكومات السابقة في تحقيق أي سياسة اقتصادية أو اجتماعية مفيدة للبلد والشعب. ومن اسباب ذلك تراخيها وتماهلها في محاربة الفساد، حتى غدا الفساد على نحو جلي ظاهرة سياسية- اقتصادية – اجتماعية تتفاقم باستمرار وتتنوع وتتعدد أشكال تجليها.

ويجدر التأكيد على ان حلقة مكافحة الفساد، مرتبطة ارتباطا وثيقاً، بحلقة تطبيق الإصلاحات اللازمة، التي في مقدمتها تخليص مؤسسات الدولة، ومنها الهيئات المستقلة، من نهج المحاصصة الطائفية والاثنية. ومن أمثلة الإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل، هو تشكيل مجلس الخدمة الاتحادية، وتعزيز التشريعات القانونية التي تعضد عمل المؤسسات الرقابية، وغيرها التي تحد من الفساد.

إننا نجدد التأكيد لما قيل بأن الانتصار في معركة الفساد، لا يقل اهمية عن الانتصار العسكري الكبير المتحقق على داعش والارهاب.

وهنا لا مناص من التأكيد، على أنه قبل الشروع في أي إجراءات، يتوجب ترتيب الأولويات وطرح الملفات ذات الأهمية والتي تمس حياة الناس ومعيشتهم، وعدم تشتيت الجهود وطرح آلاف الملفات في آن واحد.

إن على المتصدين للمسؤولية، حشد الإمكانيات والطاقات الوطنية كافة، لخوض غمار هذه المعركة، التي لن تكون سهلة، لما يملكه الفاسدون من إمكانات ونفود ومافيات مليشياوية.

فإلى جانب الرقابة البرلمانية التي لابد أن يجسدها النواب الذين يتبنون الاصلاح والإعمار والتغيير منهجا لهم، تلعب الرقابة المجتمعية دورا لا غنى عنه في ذلك، وهي تتمثل في أوساط الرأي العام والإعلام والاتحادات والجمعيات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.

ويبقى دور القضاء النزيه غير المُسيس الجهة الحاسمة في نهاية المطاف في اتخاذ الاحكام القانونية بحق الفاسدين والمفسدين وردع من يساهم ويساعد على انتشار الفساد.

إنها ليست مهمة فرد أو جماعة أو مؤسسة، إنها مهمة الشعب بأكمله ليواجه ثلة راكمت الثروات على حساب مصيره.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here