مفهوم القطاع الخاص في العراق

في بلد مستهلك غير منتج كالعراق يخرج المتضاهرين مطالبن أهل الحكم والاحزاب النافذه والسلطة بالأصلاح !! ولكن أي اصلاح يطلبه الشعب من سلطة هي اساس المشكلة وليست الحل ؟ ولا ترغب الاكثرية هنا في تفهم أن اساس المشكلة وانتشار الفساد هو اقتصادي سببه سوء توزيع الثروة الوطنية المتراكمة اصلا من مصدر وحيد هو النفط الخام ووارداته المالية من العملة الاجنبية التي تغطي بشكل كامل تقريبا ميزانية البلد وابواب الصرف فيها !! ورغم ان الحديث هو مكررولكن النفط خلق حزبه الحاكم وما دعي في في منتصف الستينات من القرن الماضي ( المنفوطون) والذين ارادوا الامساك بالخيوط الاولى ومصدر القوة الجديد المسمى عوائد النفط تاركين خلفهم النمو الانتاجي المستدام لمصلحة السيولة النقدية التي توفرها عائدات النفط لكسب الاتباع والمؤيدين بالتوظيف الحكومي الزائد عن الحاجة والغير منتج ساحبين من خلفهم الدولة والمجتمع في العراق ليتحول الى اسير لموارد النفط وقاتلين بتعمد الاقتصاد الانتاجي الوطني بالارتباط بمعادلة ازدياد واردات النفط = زيادة الاستيراد السلعي = زيادة الاستهلاك الداخلي من المنتج الاجنبي الرخيص !! وبالنتيجة زيادة الفئات المجتمعية المستهلكة والكسولة التي تنتظر الهبات المجانية من السلطات الحاكمة لتعيش ضمن مستوى معين من غير انتاج ذاتي ثم تطالب بحكومة توفر لها الخدمات المجانية بعد ان تم حشو ادمغتها بأن نمط الاقتصاد الطفيلي النفطي الريعي قادر وحده على توفير الرفاهية المعيشية الكاملة لهم !! ولكن الى متى يمكن لهذه المعادلة ان تستمر ؟ معادلة معناها الاشمل حكومات تعتمد ثم تنزلق ثم تغرق في مستنقع واردات النفط ساحبة معها قطاعات واسعة من المجتمع من الواقع الانتاجي الزراعي الصناعي الحرفي القديم الى واقع الاستهلاك والخدمات والاعتماد الكامل على الدولة وهباتها الحالي ؟

– مايهمنا هنا هو شرح وتحليل واقع القطاعين العام والخاص والمختلط في العراق قديما وحديثا وماهي احتمالات المستقبل .

– العمل الخاص هو الاساس في نشوء وتكون وصيرورة المجتمعات الانسانية وصولا الى دولة الحقوق والواجبات المتساوية , ولا يختلف العراق عن غيره من البلدان النامية فمن مجتمع فلاحي حرفي تأسست به المملكة العراقية الى مجتمع اكثر تمدنا وتطورا صناعيا وزراعيا وحرفيا في ظل الجمهورية العراقية التي حاول حكامها تنمية وتوسيع قطاع عام ومختلط منتج يستفيد من الامكانات التي تتوفر للدولة للقفز خطوات كبيرة الى الامام وعمل شراكة فاعلة مع القطاع الخاص المنتج كما حصل بعد ثورة 14 تموز 1958 كبداية بأستيراد وتشغيل 17 معمل كبير يستوعب الفائض من الانتاج الزراعي والحرفي ويقدم للقطاع الخاص مايحتاجه من المواد الاولية ونصف المصنعة اللازمة للتشغيل بدل استيرادها من الخارج وكانت تلك الخطوات هي بداية الطريق الصحيح للتعاون وخلق الشراكة بين مختلف القطاعات المنتجة الوطنية في العراق , ولكن تلك الشراكة تلقت اولى النكسات في العام 1964 وما تلاه من قرارات التأميم المتسرعه لحكومة عبد السلام عارف البيروقراطية وكحق يراد به باطل أممت هذه الحكومة الشركات والمعامل الناجحة والمنتجة في العراق والتابعة للقطاع الخاص والحقتها بجهاز الدولة المترهل اصلا والجاهل بالادارة والخبرة الصناعية وزادت الطين بله تلك الحكومات بالتوظيف الاداري الزائد عن الحاجة !! وبمرور الوقت اصبح لدينا موظف اداري غير منتج بدل عامل منتج يدير المكائن ويطور السلعه وبدل الارباح تحولت تلك المعامل الى الخسائر التي تغطى بمعونات حكومية !؟ ومع كل تلك الاخطاء استمرت القطاعات الاقتصادية العراقية العام والخاص والمختلط بالعمل والانتاج , ومع تزايد الواردات المادية النفطية ودخولها الواقع الاقتصادي العراقي كان لتلك الواردات جانبين سلبي وايجابي , الايجابي في توفير سيولة مالية لازمة للاستثمار واستيراد المعدات والمكائن والخبرة والتكنولوجيا العالمية الحديثة , والسلبي في التغطية على الاخطاء ونواقص العمل وسوء الادارة والخسائر المتراكمة ضمن الدورة الانتاجية وخاصة في القطاع العام الذي تم تضخيم دوره في السبعينات وحتى اواسط الثمانينات وما سببته الحرب العراقية الايرانية من تقليص لايرادات النفط وتقليص قدرة الحكومة انذاك على تغطية خسائر قطاعها العام لتتولد فكرة التسيير او التمويل الذاتي للشركات والمصانع الحكومية حيث تتوفر رواتب العاملين من ارباح المنتجات وهي فكرة حققت بشكل عام النجاح وقدرة الاستمرار الذي تكرس وترسخ اكثر في فترة الحضر الاقتصادي على العراق خلال عقد التسعينات وما تلاه حتى العام 2003 , وهذه الفترة اي التسعينات شكلت مايمكن تسميته العصر الذهبي للقطاع الخاص المنتج العراقي اضافة للقطاعين المختلط والعام والسبب هو تقليص الاستيراد السلعي من الخارج وتقليص الدعم الكامل للدينار العراقي تجاه العملات الصعبة الاجنبية وخاصة الدولار الذي استوجب على التاجر والمستورد المحلي شراء العملة الاجنبية حسب سعرها في السوق العراقية ( عرض وطلب) فأرتفع الطلب على الدولار ليرتفع سعره تجاه الدينار مقدما هدية رائعه للسلعه والمنتج الوطني العراقي ولمختلف القطاعات للنمو والازدهار لانخفاض تكلفته تجاه المستورد فزاد الانتاج السلعي المحلي صناعيا وزراعيا مغطيا طلب السوق وموفرا فرص عمل واستيعاب للعاطلين وحتى من موظفي الدولة الذين رغبوا بالاستقالة والعمل ضمن القطاع الخاص الذي زادت قيمته السوقية ونسبة مشاركته في الانتاج السلعي السنوي المحلي لترتفع الى مستوى اكثر من 80 بالمائه ويشاركه في النمو القطاعين العام والمختلط ولم يحتاج المنتج العراقي الى اي دعم او اسناد من قبل الحكومة واجهزتها بل العكس هو ماحصل فمن دفع ضرائب الى التصدير للدول المجاورة وامتصاص بطالة السوق الى الابتكار والتطوير لادوات الانتاج القديمة والمستهلكة مما شكل انكشاف وتراجع وضعف وبداية انهيار القبضة الحديدية للسلطة المركزية والتي كانت تتلاعب بسعر الدولار صعودا وهبوطا لسحب ماتحتاجه من العملة الصعبة اللازمة لاستمرار مشترياتها وتمويل اعوانها ومغامراتها الخارجية واستمر الحال حتى عام 2003 وتغيير نظام الحكم الضعيف والمتهالك والفاقد الشعبية من غير واردات النفط التي اصبحت في الفترة الاخيرة عصب الحياة للنظام وقدرته على السيطرة على المجتمع .

– اثبتت تلك التجربة والفترة القدرة المتنامية لقوى القطاع الخاص المنتج بالتعاون مع القطاعين العام والمختلط عندما تتوفر لهم الارضية المناسبة للتنافس مع المنتج الاجنبي ولنعد الى موضوعنا الاساسي عن ماهية ومفهوم وتاريخ القطاع الخاص في العراق وانواعه المتعاونه حينا والمتنافسة احيانا اخرى وكما اسلفنا بدء من الملكية واستطرادا الى الجمهورية وانتهاء بفترة مابعد 2003 ولغاية الحاضر الحالي وصرخات (دعم ) القطاع الخاص تتصاعد ولكن عن اي قطاع خاص يتكلمون ؟.

– القطاع الخاص ببساطة هو الشعب قبل تكوين ونشوء الحكومات ومنذ القدم كان الفلاح العراقي ابن ارض مابين النهرين يذهب الى القرى والمناطق الحضرية القريبة ليبيع اويبادل منتجاته الزراعية بمواد حرفية مصنعه وعبر الزمن ينتقل التاجر العراقي الى دول الجوار للتبادل السلعي وبالعكس دون وجود او تدخل للحاكم او الحكومة بمختلف اشكالها ومسمياتها والتي تأطر تدخلها لاحقا اي السلطات الوطنية الى التنظيم والتأمين والسلامة الامنية ثم فرض الضرائب لتيسير فعالياتها وادامة وجودها ولم يختلف دورها كثيرا عند نشوء الدولة العراقية الملكية الجديدة فالشعب هو العامل المنتج زراعيا وحرفيا وصناعيا والتاجر الخاص هو البائع والشاري والمصدر والمستورد للسلع داخليا ضمن مختلف المحافظات وخارجيا مع الدول المجاورة والقريبة والبعيدة ودور الدوائر الحكومية المستحدثة لم يختلف تقريبا عن القديمة من حيث تنظيم الفعاليات وتأمين حركة التنقل التجاري وغيرها من الخدمات المدفوعة الثمن من قبل الشعب بشكل ضرائب ورسوم تجعل من تلك الدوائر خادمة فعلية للعمل المنتج لانه اساس وجودها وديمومتها ورغبتها في تطوير البلد والمجتمع ورغم نشوء قطاع عام مستحدث لتمويل المشتريات الحكومية المتخصصه مثل السلاح والعتاد ومعدات الادارة ثم التصنيع لاحقا للحاجات الحكومية ذاتها ولكن القطاع الخاص بقي هو المسيطر على قطاعات الانتاج والتجارة الداخلية والخارجية وبمرور الزمن اصبح التمايز واضحا بين الحرفي والصناعي من جهة وبين التاجر والمستورد من جهة اخرى وبذلك توسع مفهوم القطاع الخاص في العراق واصبح اي حديث عنهما يستوجب التوضيح والتخصيص وليس التعميم الذي يشوش الصورة , وتوسع الاطار الذي يعمل ضمنه التاجر العراقي فهو في الداخل ناقل للسلعه المنتجة محليا بين الاحياء والمدن والمحافظات وبين مصنع الجملة وبائع المفرد , وفي المجال الخارجي هو مصدر للسلعه المحلية ومستورد للبضاعة الاجنبية بأنواعها وحسب حاجة الاسوق المحلية لذا دوره محوري وهام جدا في الاقتصاد الوطني وانتعاشه وهذا بشكل عام هو الاطار للنمو الاقتصادي المجتمعي على الطريقه الراسمالية , ولكن ما الذي حصل لاحقا وجعل القطاع العام يتضخم على حساب القطاع الخاص الى درجة محاولة ابتلاعه ؟ هي ليست الاشتراكية العلمية وبرنامجها البديل للرأسمالية حتما ولكنه النفط اولا والتطبيق ( الاشتراكي ) في العراق على الطريقة القومية الناصرية ثم البعثية بدء من اواسط الستينات من القرن الماضي وبدل ان تسعى مؤسسات الدولة الحاكمة لاسترضاء وخدمة العاملين المنتجين في القطاع الخاص وفرت العائدات النفطية شيئا فشيئا الموارد لأستقواء بيروقراطية حكومية ستتحول لاحقا الى رأسمالية دولة ضعيفة الانتاج اقتصاديا تحاول السيطرة على المجتمع بالتوظيف الزائد عن الحاجة تدعم قطاع عام مترهل مرتبط بها رغم خدماته الجيده للانتاج المحلي ومهارة بعض قطاعاته وتوفيره سلع متنوعه للسوق المحلية الا انه افتقد ستراتيجية النمو المتكافئ والمتعاون مع القطاع الخاص وبمرور الوقت وبدل ان توظف الدولة المتخمة بالواردات النفطية تلك الواردات للتنمية الداخلية وتحديث البنى التحتية والاستثمار المنتج تحولت تلك الدولة الى القمع الداخلي والمغامرات العسكرية الخارجية وتحويل القطاع العام المنتج المدني في العراق الى الانتاج الحربي وعسكرة العاملين ولا اريد الاطالة اكثر وبأختصار فأن تراكم ثروات النفط لفترة السبعينات والثمانينات قد بددتها بيروقراطية الدولة القوية بزيها الفاشي البعثي الى فترة التسعينات ليصبح العراق عليه ديون بالمليارات نتيجة المغامرات العسكرية ونتائجها المدمرة مع تحطم او تراجع القطاع العام المنتج الذي حولوه للانتاج الحربي ودمرت معضمه عقوبات الحضر الدولي ثم تصفير واردات النفط لينهض بعدها القطاع الخاص كما اسلفنا صناعيا وتجاريا مغطيا اغلب حاجات العراق السلعية ويزداد حجمه وثقة الناس بدوره الوطني الاقتصادي بعيدا عن المزاودات السياسية لانظمة حكم دكتاتورية لاتحترم الاقتصاد او المجتمع المدني وقطاعه الخاص الا حين افلاسها , واستمر الحال الى العام 2003 ونهج التغيير السياسي والاقتصادي الذي وعدوا به الناس بالديمقراطية والعودة الى الشعب وتحرير الاقتصاد من سيطرة الحكومات الجاهلة واطلاق طاقات المجتمع المنتج الواعدة وترددت مرارا الى الاسماع اسطوانة دعم القطاع الخاص !!ولكن اي قطاع خاص ؟ وماذا جرى بعدها في ظل سيطرة احزاب الكومبرادور القادمة من الخارج والمرتبطة اساسا بأجندات دول الجوار الراغبة في نهش حصة من الجسد العراقي الجديد غير مكتمل التكوين ؟ ثم جاء الحل الملتوي تحدثوا بالحرية الاقتصادية ودعم القطاع الخاص ثم اركبوا في سفينة الدولة وسيطروا على المجتمع من خلال زيادة واردات النفط وزيادة التوظيف الحكومي للاتباع ثم احصروا وظيفة القطاع الخاص بالاستيراد المفتوح حصرا من الخارج واستمروا في الجعجعه عن دور ودعم القطاع الخاص !!؟؟

– قطاعنا الخاص الحالي دوره محصور بالاستيراد السلعي فقط مع توفير كل الامكانات الداعمة والمشجعة له ولاستمراره , واذا كان دور التاجر سابقا هو تدوير الانتاج السلعي بين تصريف المنتج المحلي من محافظة الى اخرى في العراق , او تصدير السلع العراقية لمن يرغب في الخارج واستيراد المواد الاولية والسلع التي يحتاجها العراق فأن دور نفس التاجر اليوم هو الاستيراد من الخارج فقط بلا حدود ولا قيود ولا سيطره نوعية ولا حماية للمنتج المحلي او المستهلك الا على ورق بعض القوانين غير المطبقة اصلا ان كانت لمصلحة المنتج المحلي , وزيادة في الطين بلة وبعد عدم وضع جداول لتحديد استيراد اي مادة وتخصص كل تاجر بأستيراد معين فأن البنك المركزي في العراق اكمل الاجهاز على المنتج الوطني الزراعي والصناعي ب (مزاد) العملة الاجنبية والدولار عموما كما يسميه تجاوزا وهو ليس بمزاد بل مجرد تقييم وتحديد سعر العملة الاجنبية بكم بسيط مقابل الدينار العراقي ولا يعتمد ذلك التقييم على اسعار السوق السائدة ولا على قاعدة العرض والطلب بل يعتمد على بيع رصيده والذي هو الاحتياطي النقدي العراقي والمتكون اصلا من مبيعات النفط الخام ويقدم هذه العملة الصعبة كل يوم وبحدود ال 150 مليون دولار للمستوردين والبنوك ويستمر النزيف وترتفع الكلفة على المنتج المحلي غير القادر على منافسة السلعة الاجنبية المدعومة من حكوماتها والتي عملتها يشملها ( التعويم)لتصبح رخيصة تجاه سلعنا .

– ختاما هاهو القطاع الخاص الذي ترغب به احزاب الكومبرادور المرتبط بالاجنبي سياسيا واقتصاديا انه قطاع الاستيراد فقط لتسقيط القطاعات المنتجة الوطنية الخاص والعام على حد سواء .
جميل محسن – صناعي وناشط مدني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here