عود إلى الباذنجان

خالد القشطيني

إذا كان العلماء يعتقدون أن المادة هي المحرك الأساسي للفرد والمجتمع، فالعراقيون يرون أن الباميا هي المحرك للإنسان. وخالفهم في ذلك الفلسطينيون الذين يرون أن الباذنجان هو الأساس، فمنه يصنع المحشي وبابا غنوج والدولما، وهو عماد المقلوبة وقوامها. ما أن تعرضت لذكر الباذنجان واستشهدت بالقصيدة العصماء التي قيلت غزلاً به حتى توالت عليّ التعليقات والمساهمات من عشاق الباذنجان والمعنيين بحبه. كان منها هذه الرسالة التي وردتني بالفاكس من أحد الأطباء، حيث قال:
«لقد أثلجت كلماتك صدري واستحلبت عصارة معدتي وذكرتني بالحكاية البغدادية التي روت أن طبيباً عاد أحد المرضى من عشيرته بصحبة تلميذه النجيب. فحص المريض يميناً وشمالاً، قعوداً وقياماً، وجس نبضه وضغط على بطنه وذراعه ثم قال لأهله في ثقة عظيمة: سبب إعياء ابنكم هو ما أكله من الباذنجان هذا اليوم. تعجب الجميع من اكتشافه ومعرفته الغزيرة فشكروه وأعطوه درهماً لأجرته.
خرج من البيت فسأله تلميذه: كيف عرفت يا أستاذي الفاضل، أن الولد الشاب قد أكل شيئاً من الباذنجان هذا اليوم؟ فأجابه الطبيب: لقد عرفت ذلك عند دخولنا إلى البيت حيث رأيت قطعة من قشور الباذنجان ملقاة على الأرض في باحة البيت. فعرفت أنهم لا بد أن طبخوا أكلة باذنجان هذا اليوم وأكل المريض منها.
أعجب التلميذ بلوذعية أستاذه الحكيم. ومضت أيام وجاءت أيام واستدعي الحكيم لمعاينة أحد المرضى بصورة مستعجلة. وحيث أنه كان منشغلاً في معاينة شيخ الحارة، وهو طبعاً من رجال السلطة الذين بمقدورهم أن ينفعوا ويضروا، ينفعون قليلاً ويضرون كثيراً، فقد أسرع لمعاينة شيخ الحارة وأرسل تلميذه لمعاينة المريض الآخر. بعد ساعة من الزمن عاد التلميذ في حالة يرثى لها، وقد تمزقت ثيابه ونزف الدم من أنفه وتورم وجهه، فسأله أستاذه عما حدث، فأجابه قائلاً: أقسم بالله، فحصت المريض فحصاً كاملاً ودقيقاً ثم قلت لهم إن ابنهم قد مرض لأنه أكل حمارهم! فانهالوا عليه بالضرب «ولم أخرج من البيت إلا بعد طلعان الروح».
فسأله أستاذه الحكيم: وما الذي جعلك أن تقول لهم ذلك؟ فأجابه قائلاً: عندما دخلت البيت وجدت بردعة الحمار ملقاة على الأرض ولم أجد الحمار. فاستنتجت أن المريض لا بد أن أكل الحمار.
يختتم الدكتور صاحب الرسالة حكايته بأن يأمل منها أن تضع الابتسامة على وجوهنا جميعاً في هذا الزمن العكر المقرف.
والآن يا سيدي الدكتور أريد أن أسألك كما سأل ذلك التلميذ أستاذه، كيف توصلت وأنت طبيب اختصاصي إلى أن زماننا هذا زمان عكر مقرف حقا؟ هل قلت ذلك لأنك وجدت مجموعة من البرادع ملقاة أمام بعض المؤسسات ولم تجد الحمير فاستنتجت أنها لا بد أن دخلت هناك وعكرت علينا زماننا هذا إلى حد القرف؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here