عراقيون من هذا الزمان ()20/ ليـث الحمدانـي

رواء الجصاني

————————————–

… وهذه الحلقة استثنائية ايضا، من جلّ الحلقات السابقة الموسومة بعنوان (عراقيون من هذا الزمان) التي يستمر نشرها منذ اسابيع، وقد جاءت استثنائيتها خارج الحدود، او المعايير التي اردتها ان تكون اطارا لأختيار الاصدقاء الذين شملتهم تلك الحلقات .. ومن بين اسباب ذلكم الاستثناء هو عراقة، ونوعية، الصداقة مع ليث عبد الهادي الحمداني (ابو ميلاد) التي سادت بيننا وما برحت لنحو خمسة عقود ونصف..

في مجلة الفكاهة البغدادية، وصاحبها (حميد المحل) بدأ التعارف، في النصف الثاني من الستينات الماضية، وكنا مع فتيّة، او شباب آخرين نطرق ابواب الكتابة والصحافة هواةً اول الامر، لنحترفها لاحقا وكأنها قدر لا فكاك منه، والى اليوم. ولربما كان تجاور سكن اسرتينا في منطقتين متلاصقتين: ليث في المنصور، وانا في الداوودي، قد زاد من حميمية العلاقة لتتوطد الى ما هو اوثق واحلى، وخاصة وقد لعبت بعض المغامرات الشبابية هي الاخرى دورها في تلك العلاقة الجميلة، ولا أزيدُ فللمجالس أمانات !.

وفي تطلع اوسع للكتابة والعمل الصحفي، حاولنا – ليث، ومحمد عبد الجبار الشبوط، وسعد السعد، وكاتب هذه السطور- تشكيل جمعية (هواة الصحافة) عام 1966 وبعد تداولات عديدة هيأ الشبوط مسودة نظام داخلي للجمعية، ثم قمنا بعد ذلك بأتصالات واجراءات على تلك الطريق، ولكن لم نوفق في الاستمرار، اذ تباينت التوجهات والرؤى، فنسينا أو تناسينا الفكرة / المشروع.. وهكذا رحنا ننشط في الصحافة بأنفراد، وكلاً في مجال واهتمام ومواقف سياسية وفكرية وما اليهما.

وتمـرّ الايام، والصداقة باقيةٌ (وتتمدد!) بين لقاءات وهوايات مشتركة، وقراءات وارتياد سينمات، و”عاطفيات!”. دعوا عنكم النشاطات السياسية والوطنية بهذا القدر والشكل او ذلك، وحتى خريف العام 1973 حين أطلقت جريدة “طريق الشعب” علنية، واذ بنا (ليث وأنا) ضمن فريق عملها الاول، ومن ليلة اصدار العدد “صفر” . وبينما انغمر ليث – متفرغا ليل نهار- في التصميم والاخراج ثم ليتسلم ادارة القسم الفني، كنتُ معنيا – مكلفاً متطوعاً- بالاشراف على

اصدار الصفحة الاسبوعية للطلبة والشباب في الجريدة، ثم غيرها من الصفحات المتخصصة لاحقاً، ويا لها من مدرسة ورحاب وبؤرة تنوير تلكم “الطريق” ..

ومع اوائل السبعينات بدأ اسم ليث الحمداني، واحترافه الصحفي والاعلامي يلمع بين مجايليه، متمكناً ليس في الاسلوبية والمهنية والحيوية، بل يضافُ اليها: شخصية ذلك الـ (المصلاوي) العراقي، ونبله وتواضعه وأدبه واحترام الاخرين. وأستمرينا في العلاقات الصداقية والعائلية، وفي تقارب افكارنا الانسانية، والديمقراطية “اليسارية” بحسب تسميات ومعايير ذلكم الزمان، والتي حملتنا ما حملتنا من تعقيدات وأذى ظاهر وباطن، وحتى كشرت الذئاب البعثية عن انيابها، اواخر السبعينات، فأبعدتنا المسافات – وليس القيّم- فراحت براغ مستقرا لي، وبقي ليث في بغداد يعارك الزمن، وينتج في التنوير ما استطاع.

ثم تسنح للرجل فرصة ليكون في فيينا، بزيارة مؤقتة .. ويحاول الوصول الى براغ التي كان فيها ايضا اخوه الاصغر (بشار) يكمل دراسته الجامعية، ولكن تقف سمة الدخول عائقا امامه- ليث- فأذهب اليه، واصطحبه الى براغ بعد (وساطة) نَجحتْ في حلّ العائق. ونقضي بضعة ايام جميلة، وفـرّ خلالها الرجل معلومات وتقييمات واخبارا كم كنا بحاجة اليها في نشاطاتنا المعارضة للنظام الارهابي البعثي الحاكم في العراق. وقد خشينا عليه من عواقب قد يتعرض اليها في بغداد، بسبب زيارته الى براغ، ولكن الامور مشت بخير، وسلمَ من الخطر .

وهكذا تمضي سنون اخرى، فتتعقد الاوضاع في البلاد ، بسبب الحرب مع ايران، وغزو النظام للكويت، والحرب على الكرد، دعوا عنكم العسف والقمع الشمولي العام، ويضطر ليث لمغادرة عراقهِ، مع عائلته، وعبر الاردن – على ما أتذكر- ويصل لاجئا الى كندا، التي يستقر فيها الى اليوم، وقد تحمل ما تحمل من ظروف قاسيةهناك ولكنه لم يكف عن ديدنه الاعلامي والصحفي، وينجح في اصدار (البلاد) اليومية على الانترنيت، والورقية الدورية، المستمرة منذ ازيد من عقدين، الى جانب ملاحق واصدارات عديدة اخرى..

وبعد سقوط الدكتاتورية عام 2003 وتفاؤلا بالوضع الجديد يعود ليث الى بغداد، ويسعى للبقاء، و يستمر في عطائه الاعلامي، وبأكثر من محاولة على ما اعرف، ولكن الامنيات تصدم بالواقع، وتتقاطع الاحلام بالممكن، وبتفاصيل مختلفة، ثم يعود الرجل الى كندا واجداً فيها مجالا ارحب لعشقه الصحفي، مع كل مرارات الاغتراب والبعد عن البلاد العجيبة في كل شئ!.

ونستمر الى اليوم في علاقاتنا، والتواصل قدر ما تسمح به الظروف. وبرغم كل الجغرافيا، بقيت الصداقة حامية الوطيس! بين ليث (الموصلي، وابن السنيّ النقي المتبحر) مع الكاتب (النجفي، وابن السادة من اهل البيت) بقيت انموذجا لعراقيين انسجما وتوالما في الفكر

الانساني، بعيداً عن الظلامية والغلو والتشدد، والطائفية، والطائفيين، وقد جئتُ بالتوصيف السابق لكليّنا، بهدف مقصود!..

—————————————————— بــراغ / اواسط آذار 2019

(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد العلي، والخامسة عن عبد الحميد برتـو، والسادسة عن موفق فتوحي، والسابعة عن عبد الاله النعيمي، والثامنة عن شيرزاد القاضي، والتاسعة عن ابراهيم خلف المشهداني، والعاشرة عن عدنان الاعسم، الحادية عشرة عن جبار عبد الرضا سعيد، والثانية عشرة عن فيصل لعيبــي، والثالثة عشرة عن محمد عنوز، والرابعة عشرة عن هادي رجب الحافظ،، والخامسة عشرة عن صادق الصايغ، والسادسة عشرة عن صلاح زنكنه، والسابعة عشرة عن عباس الكاظم، والثامنة عشرة عن هادي راضي، والتاسعة عشرة عن ناظم الجواهري… وجميعها كُتبت دون معرفة اصحابها، ولم يكن لهم اي اطلاع على ما أحتوته من تفاصيل، ونشرت كلها في العديد من وسائل الاعلام..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here