تدريس نظريات الترجمة لطلبة الصف الرابع في أقسام الترجمة

بقلم ا.د. كاظم خلف العلي

استاذ اللسانيات و الترجمة ح- كلية الآداب – جامعة البصرة

[email protected]

كل عام في تدريس طلاب السنة الرابعة في الترجمة ، أواجه مشكلة انخفاض درجات النجاح . و غني عن القول إنني أبذل كل جهد ممكن لشرح مفاهيم ومصطلحات و شخصيات الترجمة ، و لا أغادر الصف مرة واحدة أبداً دون إعطاء طلابي فرصة لطرح أسئلة حول الأمور الغامضة و الذين غالبا ما يتركوا الفصل الدراسي و أفواههم مغلقة . و عندما أقوم بمناقشة الأداء السيئ لطلابي معهم، فإنهم يلومون كل شيء والجميع ما عدا أنفسهم . فهم ، على سبيل المثال ، يشيرون إلى صعوبة الكتاب المنهجي ، و صعوبة الأسئلة ، وعدم كفاية ساعات الامتحان ، و يلومونني ضمنيا . و كتدريسي لمادة نظريات الترجمة منذ فترة طويلة نسبياً ، فأنا أعرف المشكلة جيداً . ومع ذلك ، فإن معرفة المشكلة و حلها شيء وتطبيق الحلول شيء آخر ، لأن تطبيق الحلول ليس في أيدي المدرسين على الدوام . أبدأ عادة مع طلابي عن طريق جذب انتباههم إلى حقيقة أن الأمور النظرية صعبة بطبيعتها الخاصة ، و لذلك فإن المقررات التي تميل إلى التأكيد على الجوانب النظرية أكثر من العملية عادة ما تكون صعبة و تتطلب من الطالب جهدا أكبر يبذله في المذاكرة . تختلف المشكلات التي تواجه الطالب في مقررات الترجمة العملية عن معالجة النصوص الزاخرة بالمصطلحات و المفاهيم و الأفكار المجردة أحيانا .

يتم قبول طلاب الترجمة في مؤسساتنا التعليمية الخاصة والحكومية من خلال الحصول على أقل درجات في درسي المفاضلة لقسم الترجمة ألا و هما اللغة العربية و اللغة الإنكليزية . وتتفاقم المشكلة بسبب الأوامر الوزارية و الجامعية ” السخية ” لمساعدة الطلاب على الانتقال إلى مراحل جديدة في الأقسام . و على هذا النحو ، فإن الطالب يصل إلى سنته الدراسية الرابعة من دون استكمال مهاراته اللغوية و خصوصا في لغة التعليم الإنكليزية. فالطلاب لديهم مشاكل في بناء جمل جيدة ومقبولة ، و لا يملكون حسا بمعنى الجملة (sentence sense) يمكنهم من تصحيح الجمل المخطوءة أو شظايا الجمل (sentence fragments). و هؤلاء الطلاب سيواجهون بالتأكيد مصاعبا في فهمَ و حفظ النصوص

الطويلة . و غالبا ما أبدأ محاضرات المقرر ” نظريات الترجمة” بجملة من المباديْ الخصها كالآتي:

– شرح الاختلافات القائمة بين النظرية و التطبيق عموما مبينا سهولة التطبيق على النظرية لأن النظرية غالبا ما تكتب بمصطلحات تعتمد التجريد و الخيال ممثلا ذلك بسهولة القيام بالصلاة و قيادة السيارة على الأمور النظرية العويصة المتعلقة بهما.

– إن النظرية و التنظير فعالية “كمالية” لا يتم اللجوء إليها إلا بعد استكمال و اشباع الحاجات الأساسية. فاللجوء للتنظير للترجمة بدأ بعد أن أكملت الأقوام المختلفة حاجاتها من ترجمة الكتب العلمية و الثقافية و الأدبية. و التطبيق فيما يخص الترجمة سبق التنظير بسنين عديدة، و يمكن القول إجمالا على أنه عملية سهلة بتوافر المعينات المختلفة و منها المعاجم المتخصصة في اللغات المختلفة و بتوافر الوقت. و لا يجب في جميع الأحوال فصل النظرية عن التطبيق أو زيادة التركيز على التطبيق دون النظرية.

– إن الترجمة لم تتغير منذ أول انطلاق لها بعد حادثة برج بابل الواردة في سفر التكوين عندما بلبل الله أهل بابل و شوشهم بلغات مختلفة ليتوقفوا عن بناء بابل العظيمة و برجها الذي يطاول السماء. لكن ما تغير هي النظرة إلى الترجمة باختلاف المحللين و المنظرين و اختلاف مرجعياتهم التعليمية و الثقافية و السياسية، حيث أن المحلل النفسي، مثلا ، يحلل الترجمة مثل تحليله للقصة بمصطلحات العقد النفسية الموجودة فيها بينما ينظر المحلل الأخلاقي للترجمة من باب تعزيز الترجمة لعناصر الخير و الشر و الفضيلة و الرذيلة في الوقت الذي يبحث فيه السياسي عن الترجمة من اللغات المهيمنة و إليها و كيفية معالجة الترجمة لنصوص العالم الثالث في البلدان الغربية و الأوربية و نظرة الناشطات النسويات كمشروع لجعل المرأة مرئية و مسموعة.

– وفرة المصطلحات اللغوية و غير اللغوية الوافدة إلى الترجمة و المنحوتة فيها تشكل عبئا كبيرا على دارسي النصوص النظرية ، و على الدارسين تهيئة أنفسهم لاستعمالها بصورة مناسبة و صحيحة. و مما تجدر الإشارة له أن المصطلحات لا يمكن أن تعزل عن منظريها و الباحثين الذين يستعملونها لأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من خلفياتهم و المدارس (اللغوية و الفكرية ) التي ينتمون إليها. فالترجمة تصبح target text و translationese و translates و translatumm و واضحة و مغير واضحة لدى هاوس و إدائية و توثيقية لدى كريستيان

نورد . و يصبح التكافؤ شكليا و داينميا لدى نايدا و دلاليا و تواصليا لدى نيومارك و تستبدل الكفاية التكافؤ و تحل محله لدى الوظيفيين و هلم جرا.

– أن الطلبة في الجامعات الأكاديمية يختلفون عن الطلبة في الجامعات التقنية و عن المعاهد الفنية التي يكون هدفها الأساس تخريج متخصصين فنيين و عمال مهرة بينما يكون هدف الجامعات الأكاديمية تخريج الطلبة المهرة و المزودين بمعارف نظرية تمكنهم من الحديث عن تخصصاتهم بصورة دقيقة و هنا يكم الفرق مثلا بين العامل الفني و المضمد حيث يستطيع الأول تفكيك و إعادة تركيب أي جهاز و يستطيع الثاني من حق الأبر و ربط أبرة الحق بالوريد و هي من الأشياء التي قد لا يقدر عليها المهندس و الطبيب، لكن المهندس و الطبيب يستطيعان الحديث عن المشاكل و الأمراض و العلاجات باستخدام المخططات و الرسوم بأفضل وجه و طريقة.

– لا يدرس طلابنا مادة بعنوان “مهارات الدراسة الجامعية” تعينهم على تجاوز الاختلافات القائمة بين التدريس المدرسي و التدريس الجامعي و الحياة المدرسية و الحياة الجامعية. فمن مفردات هذه المادة ضرورة تعليم الطلبة على التعامل مع استاذتهم كلا حسب مزاجه و علميته و طريقته في وضع الأسئلة و التصحيح و أن يبتعدوا عن فرض شمولية و عمومية الطرق الواجب اتباعها من قبل جميع الأساتذة.

– و بالنسبة للطلبة الذين باتوا يتضجرون و يشتكون من كمية المادة المعطاة لهم بسبب اعتيادهم على نظام الوريقات القليلات التي يوزعها بعض التدريسيين أقول أن الجامعة هي المجال الذي يتعلم فيه و يطور فيه كل من الطالب و التدريس امكاناته العلمية و الثقافية، و المدرس حينما لا يتوسع في المادة و يتبع نصا مفروضا يقتل نفسه بوعي أو بدون وعي منه. و برأيي المتواضع الذي ربما لا يسعد البعض فإن الأساتذة في هذا الجانب و أكرر في هذا الجانب أهم بكثير من الطلبة فتطور البلاد الحقيقي يعتمد على تطور علمائه و مفكريه و اساتذته و لقد كانت الجامعة على الدوام المهد الذي تولد منه الأفكار و النظريات و تتشكل منه الأحزاب و التيارات السياسية و الفكرية.

و لكي نتجاوز جميع هذه الصعوبات و المشاكل ، فإنه يجب تطبيق الحلول بشكل مستقل من قبل هيئة التدريس نفسها .في المقام الأول ، يجب على المدرسين في السنوات التكوينية الأولى (المرحلتين الأولى و الثانية) أن يمارسوا كل جهد ممكن لمساعدة الطلاب في تعليمهم مهارات الدراسة الجامعية أولا و أساسيات الترجمة ثانيا، ويجب ألا يكونوا متساهلين مع أي

طلاب كسالى و متهورين ، كما يجب تشجيع الطلاب الناجحين ومكافأتهم في حين يجب إعطاء تذاكر الفشل الحمراء لمن لا يستحق المقعد الدراسي الجامعي. و يجب تشخيص الطلاب في ما بينهم وتحديد مشاكلهم بشكل جيد للغاية لدفعهم إلى الأمام .

إن التغذية الاسترجاعية feedback مهمة جدا لمدرس الترجمة كخطوة يستفيد منها للانطلاق إلى الأمام حيث أن معرفة وجهات نظر المتعلمين يشكل جزءا مهما من العملية التعليمية. و الأهم من ذلك ، لا ينبغي لمدرسي الترجمة مطلقا فصل النظرية عن التطبيق في أي مرحلة من المراحل .و يجب عدم إعطاء الأولوية الأولى للتطبيق على حساب النظرية لأن الطلاب المعنيين ليسوا طلابًا مهنيين ، بل طلابًا أكاديميين .إن عالمي الأكاديميات والمهن مختلفين تمامًا . ففي حين تعطى المجموعة الأولى من الطلاب المواد والموضوعات التي تنقسم بالتناسب بين النظرية و التطبيق ، فإن التركيز مع المجموعة الثانية يكون أساسَا في التطبيق. إن اغراق الطلبة بالتطبيق يصعب عليهم القراءة و الفهم و مذاكرة النصوص المجردة و حفظها. و من طريف ما أجري من تجارب علمية في هذا المجال تجربة على مجموعة من الطلبة توصلت إلى أن الطلبة الذين يشاهدون البرامج التلفزيونية لساعات طويلة لا يتمكنون من قراءة الكتب بصورة جيدة لأن البرامج التلفزيونية المتنوعة من أغاني و مسلسلات و برامج اخبارية و تغطيات اخبار الكوارث و المشاهير و السياسيين تجري بخطوط تصاعدية تنازلية تتعارض مع الخطوط المستقيمة التي تتطلبها القراءة بدءا بعنوان الكتاب و المقدمة وصولا إلى فصوله المتسلسلة و انتهاء بالخاتمة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here