مهنة الكذب

الكذب واحدة من المهن الغريبة والرائجة في عالم مليء بالزيف ، ربما يقول البعض انها خلقت مع الانسان منذ اليوم الاول عندما كذب ابليس على ادم واستغفله وأخرجه من الجنة. وتعلم بنو ادم الكذب من ابليس، والاستغفال من فعل أبيهم آدم ، ولكن الكذب بكل الأدوار كان ممجوجاً و مذموماً ، وربما كان يقبل من البعض لأغراض بريئة مثل إصلاح ذات البين أو التقريب بين شتيتين، ومانت كلمة كذاب تعتبر سُبة ورذيلة فتبدلت الى مدح وثناء بفضل اتباع ابليس الذين تكاثروا كالجراد في وطننا المبتلى .
والكذب عموماً تحول الى مهنة و فضيلة لا يتقنها إلا من أتقن لعب دور كبار القوم وعليَّته ، فالرذيلة والفساد والارهاب تنقلب الى مفردات طبيعية مستساغة بفضل مهنة الكذب . كما ينقلب الإرهابي الى وطني ، ومن يدعو الى التقسيم يصبح حريصاً على اللحمة الوطنية ، والسارق صاحب مشروع خيري وهلم جرا. وكلما كان السياسي بارعاً في مهنته متقناً لها كان اكثر سطوة وأكثر قيلا.
هذه المهنة العجيبة لا تحتاج الى معلم سوى الشيطان الذي يلهم اتباعه إبتكار طرق جديدة للاستغلال والاستغفال ؛ مرة بأسم الدين واخرى بأسم الوطنية وثالثة بأسم الطائفية، وفِي كل الحالات هناك مستغفلون يتهافتون على شراء البضاعة الفاسدة في سوق فاسدة ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، حتى كادوا لا يعرفون ان هناك شيء اسمه الصدق .
يعرض الكذابون علينا بضاعتهم وبعناوين رنانة ، وبازياء ، لها وقعها الروحي والاجتماعي ، فتارة بالعمامة واخرى بالعقال وثالثة بالمدنية والليبرالية ، ويقومون بنبذ الطائفية والمحاصصة ونظام المكونات ، فنتهافت عليهم ونروِّج لهم ، وبعد حين نرى ان ما قالوه لا يعدو سوى كذب منمق، فهم طائفيون حد اللعنة من أجل الضحك على ذقوننا، و تحاصصيون حد النخاع من اجل مصالحهم .
ونكتشف لا المعمم معمم ولا صاحب العقال صاحب عقال ولا المدني مدني ولا الليبرالي ليبرالي ، فكلها لافتات وديكورات لجلب الزبائن وما الوطن إلا مبغى ً كبيراً وماخوراً للعفن .
ماحدث في العمل السياسي في العراق شيء لا يصدق ، حاول السياسيون ان يقنعونا بأن كل ما آمناً به كان وهماً وزيفاً ، فالوطن كذبة والمبادىء كذبة والعروبة كذبة والدين كذبة ، وكل ما يحيط بنا هو كذبة ، سوى الكذب فهو الصدق بعينه.
لست محبطاً او منكفأً على ذاتي ، بل اكتب ما اشعر به بعد حقبة من الخديعة ، معتقداً ان الصدق فضيلة والكذب رذيلة فتبين العكس .
فقد ذاب الثلج وبان المرج
يا كبار القوم يامصلحي البلد بمَ يداوى الملح اذا الملح فسد
علاء الخطيب / كاتب وإعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here