تحية لمخترع نظام إطعام ألجياع في أمريكا، جان فان هينجل

John Van Hengel and feeding the poor

ما كان للبشرية أن تصل لما وصلت إليه أليوم لولا صحة مقولة: ألفرد للكل وألكل للفرد! . هكذا تتجسد كل ألقيم ألإنسانية في فعل ألمساعدة وألعمل ألتضامني، وألذي لولاه لكانت ألصورة أكثر قتامة. تلعب ألصدفة أحيانا لعبتها، لكنها بحاجة دائمة للإنسان ألذي سيجسد فعلها الخارق! ولعلي هنا أستعيرمقولة جميلة قالها ألفنان الكوميدي الامريكي من ألاصول اللبنانية داني توماس: ألنجاح ألحقيقي ليس فقط بما تحققه في حياتك ألشخصية، إنما هو بما تقدمه للآخرين دون مقابل!

فعلى ألرغم من كل ما وصلت إليه ألولايات ألمتحدة من تقدم تقني، ومن وجود عدة برامج حكومية وشبه حكومية لمساعدة ألمحتاجين وألعاطلين عن ألعمل والمرضى والمعاقين، لكن تبقى هناك فئة من السكان تقدر بحوالي (٤٠ مليون إنسان ـ ١ من كل ٦ أشخاص) تتطلع الى مساعدة إضافية للبقاء على قيد الحياة والتخلص من ألجوع.

ولد جان فان هينجل، ألذي يعتبر ألاب ألروحي ومخترع فكرة (ألبنك ألغذائي ـ Food Bank -) في شباط عام ١٩٢٣ في ولاية ويسكانسن ألامريكية من أبوين ألمانيين، حيث كانت أُمه ممرضة فيما كان والده صيدلانياً . حصل على شهادة ألبكالوريوس في ( إدارة الدولة) من ـ- جامعة لورنس ـ في ويسكانسن، إنتقل بعدها إلى عدة ولايات ومارس عدة مهن، وفي ألعام ١٩٦٠ عاد إلى مدينته وعمل في مقلع حجري. أصيب بشلل جزئي نتيجة تدخله لفض شجار بين إثنين في أحد ألبارات مما تسبب في إرساله إلى مصح مقرونة بفترة نقاهة بدنية في ولاية اريزونا، وبعد فترة إستعاد عافيته وتجاوز ألعاهة ، فعمل كمنقذ للحياة في المسبح والبلاجات Life guard، وكان أكبرهم سناً حيث بلغ الرابعة والاربعين.

ينحدر السيد (جان) من عائلة ألمانية كاثوليكية. عمل متطوعاً قي سياقة سيارة نقل تابعة لكنيسة (ألقلب ألاقدس ـ مدينة فينكس)، ومعها بدء مشواره في ألعمل ألتطوعي، حيث إلتحق ب ( مطبخ إطعام الجياع ـ مؤسسة القديس فينسنت دي بول ـ Soup kitchen) . هذا ألعمل ألتطوعي دفعه لمفاتحة بعض أصحاب (ألسوبرماركيت) في منطقته السكنية ، فيما لو كانت عندهم بضائع فائضة عن ألحاجة لتقديمها لجياع المطبخ ! فكان له ذلك، ثم إزدادت علاقاته بأصحاب ألمحلات، فقام بشراء سيارة مستعملة بقيمة (١٥٠ دولار) لتسهيل نقل ألبضائع، وتضاعفت ألمواد وحجومها مما دعاه لمفاتحة ـ راعي كنيسة القديسة مريم ألاب رونالد كولوني ـFather Ronald collony ـ لغرض توفير مكان لخزن البضائع الزائدة، فما كان من هذا الاب إلا أن استجاب لطلبهِ ومنحه بناية مهجورة تابعة للكنيسة كانت فرناً في السابق ومعها مبلغ ٣٠٠٠ألف دولار لتمشية مشروعه . لقد كان أمراً مدهشاً له حجم المواد (التالفة وغير التالفة) التي كانت تلقيها خارجا وتتخلص منها محلات السوبرماركيتات في مدينته كل يوم، وهذه البناية ساعدت على خزن ألمواد ألغير قابلة للتلف لغرض إستخدامها لاحقا في مطبخ إطعام ألجياع .

في أحد ألايام وبينما كان يستلم الاغذية الزائدة من ألباب الخلفي لأحد ألسوبرماركيتات وإذا به يلحظ سيدة تقوم بالبحث في صندوق أزبال السوبرماركيت….فأقترب منها وسألها ماذا تفعلين؟ فأجابتهه: انا ام وعليّ إطعام (١٠) ابناء كل يوم ، ومثلما تراني، فإني آتي كل نهار الى هنا وابحث في الاطعمة التي يلقونها، فالكثير منها جيد وصالح للتناول ، ثم توقفت قليلا وأكملت: ماذا لو كان هناك مكان يقصده ألجياع وألمحتاجين ليأخذوا حاجتهم من ألطعام، مثلما يفعل الناس بالذهاب للبنوك عندما يحتاجون للنقود ، ولتكن تسميته (((( البنك الغذائي ـFood bank))))!

كان هذا ألحوار كاف لإطلاق سلسلة ألافكار في عقل ألسيد (جان) الذي لم يكن بعيداً عنها ، وفعلا بدأ ألعمل وألتخطيط لذلك . وما أن حل ألعام ١٩٦٧، أي بعد مرور عام كامل على تلك ألحادثة حتى كان (جان) قد إفتتح أول مكان لخزن الطعام (لفترة طويلة) ومن الذي تلقيه خارجاً السوبرماركيتات وسماه ( بنك القديسة مريم للطعام)، تيمنا بالمساعدة ألتي قدمتها له ألكنيسة في بداية مشواره ألتطوعي، وتمكن في عامه ألاول وبمساعدة ألمتطوعين من توزيع (٢٧٥ ألف باوند) أغذية إستفاد منها الفقراء بينما كانت كلها في طريقها للمزابل.

لقد عمل ألسيد (جان) لعقداً من ألزمن متطوعاً وبدون راتب، وكان يأخذ طعامه من (ذات) ألمطبخ ألذي يعمل به متطوعاً، وينام في غرفة تبرع بها أحد ألاشخاص وكانت تقع فوق أحد الكراجات!

في ألعام ١٩٧٥ إستلم ألسيد (جان) دعماً حكوميا بقيمة (٥٠ ألف دولار) إستخدمها لتأسيس (١٨ مركزاً) لبنوك ألطعام على عموم ألولايات المتحدة، وفي ألعام ١٩٧٦ أسس مؤسسة ( ألحصاد ألثاني لإطعام أميركا ـ Second harvest feeding America) فيما تجاوزت أعداها اليوم ال (٢٠٠) مركز على عموم ألبلاد.

لقد ساهم تسجيل هذه المؤسسة تحت بند المؤسسات غيرألربحية، في منح محلات ألسوبرماركيت ومخازن بيع ألأطعمة والملاعب وألمطاعم وقاعات الحفلات ألتي تتبرع بالأغذية وصولات (إعفاء ضريبي) عن قيمة ألمواد ألمتبرع بها ، بدلا من أن ترمى في ألقمامة، وفي ألعام ١٩٨٣ ، أسس السيد (جان) مؤسسة ( إطعام أميركا ـ Feeding America) ، وألتي تحولت عام ١٩٩١ ألى مؤسسة عالمية بإسم: منظومة مصارف ألطعام الدولية ـ Global Food Banking Network

وعمل ألسيد (جان) مستشارا للكثير من هذه البنوك في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا واوربا.

حصل السيد (جان) على (١٠) جوائز وطنية ما بين الاعوام ١٩٧٢ ـ ٢٠٠٣، تكريما لعمله الانساني ، هذا إضافة للعديد من ألتكريمات ألمحلية ألتي كانت تشيد بتجرته ألانسانية ألرائدة في مساعدة ألفقراء وألمحتاجين وألحفاظ على كرامتهم ألانسانية!

تقوم هذه المؤسسة بتقديم المساعدة الغذائية لحوالي ٤٦ مليون مواطن في امريكا، بينهم ١٢ مليون طفل و ٧ مليون من كبار السن وذلك من خلال (٢٠٠ مركز توزيع خاص بهم ، وعشرات السيارات الكبيرة وآلاف المتطوعين ومن كل الاعمار والاجناس) و أكثر من (٦٠ ألف ) مخزن ومؤسسة ومطبخ لإطعام الفقراء والجياع والمحتاجين في عموم البلاد . ولعل خير دليل على عملهم الانساني الكبير هو ما تكشفه الارقام وهذه بعض الاحصائيات التي تمنح المتابع فكرة عن حجم عملهم وحجم الجوع الموجود ، والفراغ الذي جرى تغطيته من خلال هذه ألمؤسسة ألخيرية وغيرها، مضافاً لذلك عظمة ألإبداع ألإنساني في مساعدة ألآخرين ممثلةً بشخص ألراحل (جان فان هينجل) وألذي غادر هذا ألعالم في أكتوبر عام ٢٠٠٥ .

** عام ٢٠١٠ : تقديم ما مجموعه (١ بليون وجبة طعام) للجياع

** عام ٢٠١٢: جرى توزيع ٣,٣٩ (بليون) باوند من ألاطعمة للمحتاجين

**عام ٢٠١٤: تقديم الطعام الى ٤٦ مليون جائع بمجموع ٣،٦ بليون وجبة في السنة

** عام ٢٠١٥: تقديم ألطعام بمجموع ٣،٧ بليون وجبة طعام

** عام ٢٠١٦: تقديم ٤ بليون وجبة طعام في السنة ، مع توفير ١،٢٥ بليون باوند من ألفواكه وألخضار، و توفير ٢،٨ بليون باوند من ألطعام

** عام ٢٠١٧: تقديم ٤،٢ بليون وجبة طعام للفقراء وألمحتاجين وألجياع!

ولعل من المفارقات الجميلة في حياة هذا الانسان النبيل أنه في العام ١٩٨٧ سنحت له ألفرصة لزيارة جذور عائلته في اوربا بعد فوزه ببطاقة سفر، وقد وجد في مقبرة بالعاصمة الهولندية امستردام (شاهد) على قبر أحد أجداده ـ ديرك فان هينجل Dirk Van Hengel ـ وألمتوفي عام ١٦٤٩ عبارة : (( لقد أطعم ألجياع في المانيا)) !

أما اللوح ألتذكاري على قبر ألراحل جان فان هينجل فقد حمل عبارة:

(( سيكون ممكناً العيش مع ألفقر دوماً، لكن لماذا يكون ألجوع بيننا))!

** معظم المعلومات جرى استخلاصها من شبكة المعلومات (ويكابيديا)

كمال يلدو

آذار ٢٠١٩

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here