شتان بين اللعبتين

علي علي

المكان: محلة صغيرة.. الزمان: قبل أربعين عاما.. كنا صغارا وكان زقاقنا صغيرا أيضا، نلتقي في ساحة هي الأخرى صغيرة بحجمنا، نمارس لعبتنا المفضلة (حية ودرج) كنا نلعبها بـ (شفافية) و (نزاهة) ولم نكن نرى في اللعبة أكثر من أربعة أشياء هي: حية ودرج وغالب ومغلوب. اليوم وقد كبرنا، وزقاقنا هو الآخر كبر، والساحة التي كانت تجمعنا كبرت وصار اسمها الساحة العراقية، واللعبة اصبح اسمها العملية السياسية، وصار يلعبها لاعبون أكبر منا بكثير يطلق عليهم الـ (سياسيون)، وبين هذه وتلك استطعت ان اميز فروقات واختلافات منها:

طرفا اللعبة الأولى صبيـّان صغيران، لايتعدى حلم كل منهما أكثر من الوصول الى المربع رقم 100. بينما نرى في اللعبة الثانية ان طرفي العملية غير متكافئين، فأحدهما (المواطن) لاحول له ولاقوة، والثاني (السياسي) ذو نفوذ وقوة من الداخل ومن الخارج ويملك (مال الله ومال عباده) ويطمح لما هو أكثر من الرقم 100 بكثير. والدرج في اللعبة الاولى تصعد عليه (قطعنا) الساذجة. اما في اللعبة الثانية يصعد السياسي على أكتاف المواطن. وحيات اللعبة منها كبيرة ومنها صغيرة، كذلك الساسة منهم الكبير ومنهم الصغير. وليس شرطا في اللعبة الجديدة ان يتناسب حجم الحية طرديا مع ما تبتلعه من صيد، فقد تبتلع الحية الصغيرة قطعة تنزلها الى مربع في أسفل السافلين، فيما لاتتمكن حية كبرى مع ما تملك من انياب وظهر قوي من إرجاع صيد سوى بضعة مربعات، وهذا لايعتد به في جميع صولات الساسة في حلباتهم. وفي الأولى كان الحظ هو الحاكم أولا وأخيرا، حيث الزهر وما يأتي به من أرقام و (انت وحظك) فإما ارتقاؤنا إلى الأعلى وإما تقهقرنا إلى الأدنى، أما في الثانية فالقوة هي الحكم. ومها حدث فهي لم تكن أكثر من لعبة، أما اليوم في اللعبة السياسية فخصمنا كما يقول المتنبي:

يا أعدل الناس إلا في معاملتي

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

بقي فرق بسيط بين الإثنين، فسابقا كانت اللعبة تنتهي بفوز أحدنا وخسارة الآخر، أما اليوم فاللعبة اتخذت منحى آخر، إذ خصمنا ليس كـ (حيـّات) اللعبة كما عهدناها صغارا. بل هي (حيـّة ام راسين) وأحيانا ثلاثة رؤوس أو أكثر. ولديها من الكلام المعسول والأساليب الحرباوية والملمس الناعم، ما يجعل الفوز من نصيبها دوما ولو كان غير عادل، بعد ان صارت اللعبة بيد من يصفهم بيت الشعر التالي:

إن الأفاعي وان لانت ملامسها

عند التقلب في أنيابها العطب

فشتان بين اللعبتين..!

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here