ثورة الإعلام الرقمي ..وخطورة تردي مناهج كليات الإعلام العربية

حامد شهاب

ما شجعني على كتابة هذا المقال هو الأفكار والمضامين النيرة ، التي طرحها أستاذ وخبير الإعلام العراقي القدير الدكتور ياس خضير البياتي ، وأستاذ الاعلام في الشارقة ، وخبير إعلامي دولي، بشأن ما أشار اليه الى تخلف أنظمة الإعلام في وطننا العربي ، وتردي مناهج كليات الإعلام العربي وقدم مفردات مناهجها وتخلفها ، والتركيز على الجانب النظري دون الخوض في ميادين التطبيقات الاعلامية في ظل ثورة الإعلام الرقمي الفائقة السرعة ، والتي لم يعد بمقدور الإعلاميين مواكبة تلك التطورات المتسارعة أو اللحاق بها ، وبقيت أفكار ورؤى وطروحات الأكاديميين وأساتذة كليات الاعلام العربي وعناوين أطروحات طلبتها وبخاصة في دراساتهم العليا نظرية في الأغلب، وهي تراوح مكانها ولم تعد تواكب الثورة العلمية الفائقة في التطور التقني المتسارع التي تشهدها حركة الاعلام الرقمي في الدول المتقدمة وفي محيطنا العربي والإقليمي بشكل عام.

وأود ان أشير الى ان واقع الإعلام في عالمنا العربي يبقى كما هو يعاني من حالات خلل رهيبة ، عدا استثناءات قليلة في بعض الدول ، ربما على عدد اصابع اليد الواحدة من كليات الإعلام العربية من سارت بإتجاه الإستفادة من هذا التطور المذهل في التقنيات الالكترونية ، والتي يمثل الإعلام الرقمي أحد أوجهها المهمة.

وفي هذا الصدد أود التأكيد على أن الإعلام في العالم العربي وحتى ضمن محيطنا الإقليمي وفي دول أخرى تبقى قريبة من أنظمتنا ، وهي من نتاج تلك الأنظمة السياسية أو قبلت التوافق معها ومسايرتها ، بعضها ماتزال تمارس دكتاتوريتها على نطاق واسع وتفرض هيمنتها على كل وسائل الإعلام وأخرى تدعي أنها تسير في الركب الديمقراطي المنفتح ، ولكن ما إن تتحرش بها ولو بالتلميح ، حتى تثور ثائرتها وتدخل من يقع تحت طائلة قانونها لتحيله الى المواد التي يحاكم عليها بتهم الإرهاب، أو بتهم الخروج عن السياقات وعدم إحترام إرادة تلك الأنظمة في قهر شعوبها تحت أطر الديمقراطية ، التي وفرت لها فرصة أخرى في استعباد شعوبها ولكن تحت غطاء الحكم الديمقراطي، وهي لاتقل شأنا في إستخدام شتى أساليب الدكتاتورية إن وجدت أن هناك توجهات تتناقض مع توجهاتها او تقف حائلا دون استمرارها في استعباد شعوبها وقهرها واذلالها، وهي التي وجدت في الأنظمة الديمقراطية وسيلة لممارسة القمع بطرق وأساليب ملتوية، ربما لاتمارسها حتى الانظمة التي كانت تتهم بأنها دكتاتورية، إن لم تكن قد فاقت اساليب الأنظمة الشمولية في دهائها ومكرها وسلب ارادة الغير ، تحت شعارات الديمقراطية الزائفة المخادعة،ووجدت لها من الأغطية السياسية ما يعطيها (أرجحية البقاء) و(الديمومة) لفترة أطول،وهي تجد في النظام الديمقراطي الوسيلة المثلى لتحقيق غاياتها غير المشروعة.

وما نريد أن نقوله ان الأنظمة الديمقراطية او تدعي أنها هي هكذا ضمن محيطنا الاقليمي ، تريد أن تبقى هي (المهيمنة) على الإعلام والمروضة لتوجهاته، وتريد أن تتخذ من الإعلام وسيلة لرفع شأنها هي وليست لرفع شأن الشعوب وتطوير قدراتها..وللأسف فقد وجدت في بعض الكوادر الاعلامية او من أساتذة الإعلام في كليات الإعلام من راح يتوائم مع تلك النظرية او يتوافق معها، ولم يعد هناك بالإمكان تطوير الاعلام العربي بالقدرات العلمية الحديثة التي لم تشهد سوى تطورات تقنية ، بينما الخبرات العملية متخلفة حتى في الدول التي تعد متقدمة، ويبدو أن سرعة تطور التكنولوجيا لايتناسب وقدرات التطور التقني المتسارع وليس بمقدورنا اللحاق بسرعته الفائقة..ونبقى أسرى نلهث وراء موجات الغزو الإعلامي الدعائي الرخيص والذي يسلب إرادتنا وارادة الشعوب ويبقيها تهرول وراءه، ولن يشهد الإحتراف الإعلامي المهني قفزات متطورة بعد أن دخلت عليه المافيات المختلفة التي حولته الى أداة للترهيب والترغيب ، وتحول الإعلام الى وسائل للخداع والتضليل وغسل العقول ولم يعد وسيلة للمعرفة والمعلومة وتعقدت وسائله ومضامينه ، ولم يكن بمقدور كل الخبرات الاكاديمية أن تواكب حركته مهما اوتيت من قوة ، وإن أية محاولات للخروج من هذا التضييق على مقدراتها تبقى تراواح في مكانها ، وليس بمقدورها اللحاق بكل تلك التطورات المتسارعة في ميادين التكنولوجيا ، التي حولت كثيرا من القيادات الإعلامية الى أدوات تهرول ورءها ، علها يكون بمقدورها أن توقف حركتها اللامتناهية وبسرع خيالية غير معقولة.

لقد غطى الجانب التجاري على كليات الإعلام وكليات علمية وأدبية وفنية مختلفة في إفساد مهام تطور القدرات الإحترافية ومواكبتها للتطورات المتسارعة، وقد إهتمت أغلب توجهات واهداف تلك الكليات والجامعات وبخاصة الاعلامية منها في إستقدام أعداد كبيرة من الطلبة للحصول على مبالغ كبيرة وتدعم آلتها في الاستثمار القائم على الربح المادي الوفير ، وحتى من بقي في إطار الدعم الحكومي بقي متخلفا هو الآخر ، فتناغمت كليات الإعلام الحكومية مع كليات الاعلام التجارية،في تقديم نماذج متخلفة مغرقة في الرغبة بالحصول على الشهادة بأي ثمن، وليس المهم الخبرات ، فلم تعد الخبرة والتطور العلمي مطلوبة في ظل انظمة لاتهم بتقدم شعوبها ولا تسهم في انتشالها من واقعها المرير الى الحالة الأفضل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here