العاكوب مزّق استقالته فـي اللحظات الأخيرة و70 عائلة نزحت من الموصل فـي يوم واحد

بغداد/ وائل نعمة

قبل أقل من ساعة من تصويت البرلمان على إقالة محافظ نينوى نوفل العاكوب، كان الأخير قد كتب استقالته بالفعل، لكنه تراجع عنها في الدقائق الأخيرة ظناً منه أنّ طوق نجاة سيأتي في أي لحظة. ونجا العاكوب، الذي تسلم منصبه قبل 4 سنوات، من 3 محاولات سابقة لإقالته. كان في كل مرة يحسن اختيار الجهة التي تساعده في العودة، لكن هذه المرة الجميع تخلى عنه.

كانت كارثة “العبّارة” الاسبوع الماضي التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص، أكبر من أي مراوغة، وتحتاج الى تضحية فورية، ووقع الاختيار على العاكوب.
المحافظ كان مداناً قبل الحادثة الاخيرة، بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها البرلمان للتحقيق بأحداث الموصل قبل 4 أشهر، لكنّ جهات سياسية كانت تحاول حرف التقرير لصالح العاكوب.
وخلطت حادثة العبارة الاخيرة الاوراق، واضطرت الجهات المؤيدة للمحافظ أن تتراجع أمام ضغط الشارع والقبول بإقالته، خاصة أنها وجدت نفسها متهمة أيضا، واضطرت الى الدفاع عن نفسها.
ويقول عبدالرحمن الوكاع، وهو عضو في مجلس محافظة نينوى قاد في إحدى المرات حملة لإقالة العاكوب لكنها فشلت لأسباب سياسية، لـ(المدى): “وقّع المحافظ أمامي بضغط من 13 عضواً آخرين في المجلس على استقالته، لكنه قرر في اللحظات الأخيرة تمزيقها”.
في 2017، أقال مجلس المحافظة العاكوب، وقرر رئيس الوزراء حيدر العبادي في ذلك الوقت سحب يد الأخير، لكنه عاد بعد شهر بقرار قضائي اعتبر أن جلسة إقالته “غير شرعية” لأنها جرت خارج المحافظة، حيث كانت الحرب ضد داعش مستمرة.
بعد عودته توعد المحافظ المعارضين بكشف ملفات فساد تطولهم. وحرك العاكوب في ذلك الوقت قضايا ضد 4 أعضاء في مجلس المحافظة، بتهمة الإرهاب، ثم تقرب بعد ذلك إلى فصائل الحشد الشعبي.
ويضيف الوكاع “كانت هناك محاولتان أخريان لإقالة المحافظ لكنهما فشلتا بسبب رفض بعض الجهات السياسية (…) العاكوب تراجع عن الاستقالة الاخيرة معتقداً أنّ جهات سياسية ستساعده مثل كل مرة”.
كان اعضاء الحكومة المحلية يفضلون استقالة العاكوب للتخلص من المدد القانونية التي يتعين على نينوى انتظارها الآن (شهر ونصف الشهر) قبل أن يُعلن فتح باب الترشيح لمحافظ جديد، بينما المحافظة تغلي.

حلّ مجالس نينوى
البرلمان الذي أقال المحافظ في جلسة أمس الاول، يقف الآن أمام خيارين: إما البقاء على إدارة الأزمة التي شكلها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الاسبوع الماضي في أعقاب حادثة العبارة، أو ترك مجلس المحافظة يختار محافظاً جديداً.
وتقول انتصار الجبوري، نائبة عن نينوى لـ(المدى): “إذا قررنا اختيار محافظ جديد فهذا يعني انه لن يتم حل مجلس المحافظة على وفق طلب قدمه 121 نائبا”.
وكان هؤلاء النواب، وبضمنهم ممثلو نينوى، قد قدموا في الجلسة الاخيرة تواقيع لنهاء عمل مجلس المحافظة وتحويل أعضائه الى التحقيق، باعتباره شريكاً بالفشل الذي جرى في الموصل.
وتسمح المادة 20 من قانون المحافظات، لمجلس النواب بحل مجلس المحافظة بالاغلبية المطلقة بطلب من المحافظ أو ثلث أعضائه.
ودشن هذا الطلب أزمة جديدة بين مجلس النواب ومحافظة نينوى التي تتهم البرلمان بانه وراء الفوضى التي جرت في الموصل.
ويقول الوكاع إن “أعضاء في مجلس النواب ساعدوا العاكوب في السنوات الماضية على البقاء في منصبه (…) وساهموا في صراعهم الاخير على المحافظة ببث الذعر في الموصل”.
يعتقد المسؤول المحلي ان هناك محاولة متعمدة من جهات سياسية ونواب بتصوير الاوضاع على غير حقيقتها في الموصل من اجل السيطرة على منصب المحافظ وبعض الإدارات الاخرى.
ويقول الوكاع “تسببت تلك الإشاعات في حدوث نزوح عكسي من الموصل”، مبيناً أن عدد العوائل النازحة يتراوح بين عائلة واحدة الى 70 عائلة في اليوم الواحد، والاخير هو أعلى عدد سجل في الموصل منذ عودة السيارات المفخخة في الاشهر الاربعة الماضية.
ومنعاً للصراع المتوقع على منصب المحافظ، قرر عبد المهدي منح شخصية عسكرية هو قائد عمليات نينوى نجم الجبوري، وآخر مدني وهو رئيس جامعة نينوى مزاحم الخياط، وقائد شرطة نينوى، مهمة إدارة المحافظة بشكل مؤقت.
والخياط هو طبيب ورئيس جامعة نينوى، ويرأس لجنة إعمار الموصل، وهي لجنة شكلتها الحكومة في عام 2017، وتعرضت لانتقاد في عملها.
وبحسب مصادر (المدى) إنّ هناك اتفاقاً بين الرئاسات الثلاث في أن يتم اختيار الخياط بدلا من العاكوب، ما يعني تأجيل خيار حل المجلس.
وتقول انتصار الجبوري ان “طلب حل المجلس ذهب الى رئيس البرلمان وننتظر دراسته والبت به”.

تقرير تقصّي الحقائق
خيار حل المجلس، هو مقترح جديد لم يطرح على الاقل اثناء فترة تحقيق لجنة تقصي الحقائق، لكن يبدو وكأنه حل توافقي مع القوى السياسية التي كانت تساند العاكوب، مقابل التخلي عنه، فيما لاتزال تلك الجهات تعترض على بعض بنود التقرير المكون من 30 نقطة.
يوم الأحد الماضي، حذر رئيس لجنة تقصي الحقائق في نينوى أسامة النجيفي، من “تصعيد سياسي” في حال عدم عرض تقرير تقصي الحقائق داخل جلسات البرلمان، مشدداً على عدم السماح بأن يكون مصير التقرير كتقرير سقوط الموصل.
واختار البرلمان في جلسة الاخيرة بعض التوصيات، مثل توحيد القيادة العسكرية، وجعل الملف الامني في الموصل بيد الشرطة الاتحادية، ومنع عمليات بيع السكراب وتهريبه، وأهمل البقية.
وتقول انتصار الجبوري إن بعض التوصيات التي أشارت الى تورط شخصيات في قضايا فساد بالاسماء، وإخراج الحشد الشعبي مازالت مثار جدل، مشيرة الى ان قراءة التقرير أجّل الى إشعار آخر.
وكانت إفادات بعض المسؤولين في التقرير الذي سرّب جزء منه الى الإعلام قبل أسبوعين، تحدثت عن دور سيّئ لحزب العمال الكردستاني في نينوى، ولقائد الشرطة، وتورط أشخاص يدّعون انتماءهم الى الحشد الشعبي بتهريب النفط، وعدل بعد ذلك ليحدد الجهة التي يدعي الانتماء لها وهي “كتائب الإمام علي”.
وزاد تورط أسماء مرتبطة بالحشد في حادثة العبارة الاخيرة، حين سرب فيديو الى العاكوب اثناء نقاشات جرت بين نواب وشخصيات من الموصل حول الحادث، واتهم فيه أشخاصاً تابعين لـ”عصائب أهل الحق” بالسيطرة على الجزيرة السياحية التي غرقت فيها العبارة.
بالمقابل هددت كتلة صادقون النيابية الجناح السياسي للحركة يوم الاحد، باتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من ذكر اسم العصائب في حادثة غرق العبارة في نهر دجلة بالموصل.
ونفى رئيس الكتلة عدنان فيحان في مؤتمر صحفي مشترك مع اعضاء الكتلة عقده في مجلس النواب وجود قوات الحشد الشعبي في الموصل، وقال “الموجود هو الحشد المسيحي والشبكي وحشد النجيفي والورشان وحشد نواب نينوى….”.
وخلال اليومين الماضيين عثر على 35 جثة جديدة من ضحايا العبارة. وقال عبد الرحمن الوكاع ان “20 جثة عثر عليها امس في جنوب الموصل”، فيما كانت 15 جثة قد وجدت اول من امس في القيارة.
وقال الوكاع ان فرق البحث عن الضحايا توسعت الى خارج نينوى ووصلت الى صلاح الدين، بحثاً عن بقية المفقودين الذين قدر عددهم بـ100 شخص.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here