لماذا نحن هكذا ياعرب ؟

* د. رضا العطار

لو استعرضنا فكر المصلح الكبير جمال الدين الافغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده، ثم خطونا الى الامام نحو لطفي السيد وتلميذه طه حسين، لوجدنا انهم جميعا يمثلون ذلك الامتداد للعقل العربي المستقل الذي قراناه في كتابات ابن رشد والكندي وابن سينا والجاحظ والمعري وابن خلدون وغيرهم – – – وبالرغم من هذا الامتداد الفكري الطويل (اكثر من الف عام) والذي لا يزال ممتدا حتى الان عبر ادباء شمال افريقيا محمد اركون والجابري الى زكريا ابراهيم وزكي نجيب محمود وحسين مروة وغيرهم – – الا اننا حتى الان لم نصل الى النظرة العربية الفكرية التي تضع كل مقدرات هذه الامة في بودقة واحدة وتصهرها كما يصهر الحديد في افرانه ويصبها في قالب واحد – كما فعلت اوربا من قبل وكما فعلت امريكا من بعدها وكما تبعتها روسيا في مطلع القرن العشرين، لكي يصبح لهذه الامة دور تاريخي مرسوم تلعبه وتتمسك به.

اين الخطأ، ولماذا لم يتم ذلك ؟
سؤال ما زال المفكرون العرب يطرحونه في كل يوم وفي كل مناسبة ومنذ الف عام – – ونجيب عليه بالاسباب التالية :
1 – انحسار دور المثقفين، 2 – اتقاء التضحية من حياة المثقف 3 – نزعة التذبذب الفكري، 4 – النزعة الانتهازية 5 – النزعة التبريرية 6 – النزعة الفوضوية.
فكيف يجد المثقف العربي من خلال هذه الصور السريعة مستقبله ؟
الجواب هو التحرر من كل تلك الامراض الموروثة في التخلف و خدر الامجاد الماضية وسراب العقائد الغيبية.

فريق من النقاد العرب متشائمون، لاننا اخترنا التبعية للغرب في طعامه وشرابه وملبسه وثقافته وفنه وآدابه، نشاهد افلامه في السينما والتلفزيون في معظم الاحيان.
بينما يقول فريق النقاد العرب المتفائلين، ان واقع الامة العربية العام واقع تبعي، مثلها في ذلك مثل امم كثيرة في التاريخ، دانت بالتبعية للاخرين. والمهم ليس هو هذا الواقع ولكن المهم هو كيف الخلاص من هذه التبعية باقرب وقت وباكثر الطرق فعالية وتأثيرا.

لقد ابدى اليابانيون منذ البداية ادراكا حقيقيا لطبيعة التحدي الغربي على المستوى العسكري والاقتصادي والثقافي و الايديولوجي وتمثلت الاستجابة التي نتجت من ذلك الادراك والسعي السليم في الشعار الياباني الذي يعتبر دستور الحياة اليابانية المعاصرة والمتمثل في : ( الاخلاق الشرقية والعلوم الغربية )
فالتراث هو الذي صنع الثورة الصناعية – – والثورة ولدت من رحم التراث، فالياباني تمسك بروح الجماعة في ثورته الصناعية واصبحت الشركة التجارية او الصناعية عبارة عن (جماعة العمل) واصبحت الشركة بمثابة ( الاسرة ) من ناحية اخرى.
فروح الانتماء المثالي – وهي ارث من الموروث القومي القديم – لعبت دورا هاما في الحداثة اليابانية. – – فالفرد او الموظف لا يبيع مهارته بالعمل في شركة، بل ينتمي الى شركته بنفس روح انتمائه الى اسرته. ومن هنا يكمن سر نجاح اليابان في التحديث والتصنيع عن طريق الاحتفاظ بالعلاقات الانسانية الدافئة.

اذن فسر نجاح التجربة اليابانية المعاصرة لا يكمن كما يردد البعض في الموقع الياباني الجغرافي الفريد، ولا في عدم تعرض اليابان واصطدامها بمواقع السيطرة، ولا لانها منحت الفرصة الكافية دون غيرها من الشعوب، ولا لانها لن تفتح ابوابها على مصراعيها للتجارة العالمية، ولا لانها حمت نظامها الاجتماعي من الانهيار الداخلي، ولا لانها حمت تراثها الثقافي والفني من النهب، ولا لانها لم تُخترق فكريا وسياسيا، ولا لانها تخلصت من عقائد مثقلة باعباء تاريخية اسطورية، ولا لانها ملكت حرية الخيار الفكري وحرية الاجتهاد والنقل والتطوير والتجديد دون عوائق. .
فعطش اليابانيين ارتكز الى مزيج من الشعور بالتفوق الاخلاقي والتخلف الثقافي في نفس الوقت- – لقد علّم اليابانيون ابنائهم بانهم متخلفون ثقافيا وعليهم ان يجدّوا ويجتهدوا ويتعلموا ويتقدموا.

في حين ارتكز الشعور العربي الى مزيج من التفوق الاخلاقي والتفوق الثقافي والتفوق الحضاري. نعلم اطفالنا باننا متفوقون اخلاقيا وثقافيا وحضاريا، منذ ان اسمعونا قديما : (انتم خير امة اخرجت للناس)، وكأننا نلقي في روعهم باننا لسنا بحاجة الى الجد والاجتهاد والمثابرة والعمل المثمر والمعرفة الجديدة – – – لقد كان الطالب في المدرسة يقرأ تاريخ امته العربية الماضي والحاضر وكأنه يقرأ تاريخ امة من الرجال المتفوقين العظماء – فلا توجد جملة واحدة في كافة مراحل التعليم تشير الى التخلف العلمي والى التخلف الثقافي في هذه الأمة – – – كما ان هذه المناهج الدراسية خالية تماما من اية حقيقة علمية صادقة تقدم للطلبة الناشئة صورة جريئة عن الواقع العربي والثقافي لهذه الامة. – – فاذهان الطلبة العرب تحشى بالانتصارات والامجاد والانجازات، وتهمل العثرات والهزائم والخيبات، تتجسد في اناشيدنا المدرسية، مثل (مجد العروبة في فمي، ولظى الحماسة في دمي، ولقد هتفت تقدمي، بالنار لا بالمنطق)

بينما الياباني يؤكد دوما على عدم الاعتداد بالنفس الى الحد الذي يدفع الموظفين اليابانيين بان يذكروا نواقصهم قدر الامكان عند التقدم لطلب وظيفة او الترقية.
( وفي التقليد القومي لا يطلب الياباني نفسه ترقية نفسه بل يقوم بذلك زملائه فقط)
هذا الاعتداد كان علامة مميزة في التربية اليابانية الحديثة وركنا اساسيا في بناء المواطن الياباني. وهذا الاعتداد هو احد اسباب العقبة التي تقف في وجه حل المعادلة الصعبة – – معادلة (الاخلاق العربية والاسلامية والعلوم الغربية ) وهي نفس المعادلة التي توصلت اليابان عن طريقها الى ما وصلت اليه الان.
فلماذا نحن هكذا يا عرب ؟
* مقتبس من كتاب الرجم بالكلمات لشاكر النابلسي مع التصرف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here