السيد السيستاني .. هل يشاركني وكلائكم فقري؟

“لو كان الفقر رجلا لقتلته”، جملة تنسب للإمام عليّ بن أبي طالب، الإمام الأوّل عند الشيعة وزوج أكثر النساء قدسية عندهم ووالد سبطيّ النبي محمّد، فهل قالها الإمام عليّ كجملة عابرة، أم قالها لتكون ركنا من أركان بناء المجتمع؟ من خلال مراجعتنا للتراث الشيعي، فإنّ ما ينقل عن عليّ وبقية أئمة الشيعة، والنبيّ محمّد لحدود معينة يدخل في باب القدسيّة، أي هو دون كلام الخالق وفوق كلام البشر، وعليه فأنّ المقولة أعلاه أو الحكمة وفق الأدب الشيعي تدخل في باب المقدّس. فعليّ هنا يتناول الفقر من باب الذمّ ويتّخذ إزاءه موقفا قويّا، إذ نراه يستخدم كلمة القتل على بشاعته في وصفه له. وإستنادا الى ما جاء في بعض تفاسير نهج البلاغة بخصوص مقولة عليّ هذه، فأنّ الإنسان الفقير لا يستطيع لفقره من إتّقان حركته الدنيوية، وبالتالي لا يكون له مستقبل آخروي مشرق.

لا يكتفي الإمام عليّ بهذا الوصف وهو يحارب الفقر، فنراه يقول (الفقر يُخْرِسْ الفَطِنً عن حُجَّته). أي أنّ الفقير لا يؤخذ بكلامه، ولا وجاهة له. كما يعتبر الفقر بنظر الإمام عليّ منقصة للدين، لذا نراه يخاطب إبنه محمّد بن الحنفيّة قائلا (يا بُنَيَّ، إنّي أخافُ علَيكَ الفَقرَ، فَاستَعِذْ بِاللّهِ مِنهُ ؛ فإنَّ الفَقرَ مَنقَصَةٌ للدِّينِ، مَدهَشَةٌ للعَقلِ، داعيَةٌ لِلمَقتِ). لأن الفقر وفق المفهوم الديني إن تجاوزنا المفاهيم غير الدينية في وصفه، وليس غيره هو من يدفع الإنسان للمعاصي، وهنا نتحدث عن قاعدة وليس حالة. فالفقر يؤدي الى إنحطاط الإنسان وشقاءه وذلّه، لذا نرى عليّا يقول (ما ضرب الله عباده بسوط أوجع من الفقر). ولو كان الفقر وعدم إمتلاك المال في الدنيا أمر حسن، ما يجعلنا أن لا نهتم له إن وقع، فَلِمَ قال الله في كتابه (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)!!؟؟ لذا وليكون العبد قادرا على تقوى الله والإبتعاد عن المعصيّة قدر الإمكان، فأنّ الغنى سيساعده في أن يكون تقيا ورعا وقريب من الله وهنا فنحن نتحدث عن قاعدة وليس حالة من جديد، وهذا ما يؤكده حديث النبي محمّد وهو يقول (نعم العون على تقوى الله الغنى).

الفقر، ظاهرة خطرة على المجتمعات، فهو يوفّر البيئة المناسبة للكثير من الإنحرافات السلوكيّة. فالفقر والمداخيل الشحيحة مثلا تساعد على إستشراء الفساد وتدفع العاملين الى تلقي الرشاوى، والفقر هو من العوامل الرئيسية في إنتشار السرقة وظاهرة البغاء، كما وأنّه عامل حاسم في إنتشار الجهل والتخلف والأميّة والأمراض. وعليه فأنّ الفقر كآفة، يهدد النسيج الإجتماعي للشعوب في مختلف البلدان ومنها بلدنا، ما يدعو الدولة لوضع الإمكانيات المتاحة والخطط العلمية لمكافحته، خصوصا وأنّ لبلدنا ثروات هائلة لم تستغل الّا لمصالح الساسة والأحزاب ورجال الدين. كما وعلى المرجعية الدينية وهي تتدخل في كل شاردة وواردة من أمور الحكم والمجتمع، أن تثقّف الناس ليس على مخاطره فقط، بل والثورة ضده إن كانت حريصة فعلا على مصالح شعبنا . والفقر وفقا لتعريفات الأمم المتحدة على سبيل المثال هو أكثر ” من مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام، حيث إن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على التعليم والخدمات الأساسية، إضافة الى التمييز الاجتماعي والاستبعاد من المجتمع وانعدام فرص المشاركة في اتخاذ القرارات” وهذا الوصف ينطبق على بلدنا وشعبنا بشكل كبير.

ممثّل السيد السيستاني في خطبة الجمعة (22/3/2019) ، قال في خطبته (الناس فقراء في الدنيا لا يهمّ لكن عندما يكون الإنسان فقيراً في الآخرة هذه الخسارة التي ليست بعدها خسارة)!!. أهكذا أيها السيد السيستاني تروى الإبل والنبي محمّد يقول (الفَقرُ سَوادُ الوَجهِ في الدّارَينِ)!!؟؟ أوليس الكفر صنو للفقر لذا يذمّه بعض من أئمة آل البيت قائلين (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)؟ وهل إستمرار الأحزاب الدينيّة بالسلطة وهي تنهب المال العام، وتُفْقِرْ أبناء شعبنا وتذلّهم، يعطي وكيلكم المبرر الكافي لتشاركوهم نهبهم وسرقاتهم، بتشجيع الفقر والرضى به طمعا بالآخرة؟ ولماذا تتمتعون كرجال دين وساسة إسلاميين بمفاتن الدنيا وتستكثروها علينا نحن الفقراء. أنظر الى وجه وكليكم وهو يؤمّ المصلّين، وقارنوه بوجوه أطفالنا أشباه العراة وهم يسبحون في بحار القمامة ليقيموا وأدهم.

هل يبات وكيلكم أيها السيد السيستاني ومعه كل رجال الدين والساسة الإسلاميين في عراقنا المبتلى ليلة دون عشاء، كما مئات الآلاف من أطفالنا؟ هل حُرِم أحد أولادهم من المدرسة لأن والديه فقراء ولا يملكون مصاريف تعليمه؟ هل مات أحد أولادهم لأنّ والديه لا يمتلكون مصاريف علاجه في مستشفى الكفيل!!؟؟ هل يبيع أطفالهم كما أطفالنا بضاعة رخيصة في تقاطعات المرور ليتعرضوا الى كل أشكال التحرش؟ هل يعيش رجل دين واحد ومنهم وكيلكم في كربلاء في بيت من صفيح ؟ هل باع رجل دين كليته ليدفع غائلة الجوع عن عياله؟ السيّد السيستاني أنت تمجّد الفقر في خطبتكم “خطبة المرجعيّة” التي تلاها وكيلكم، فهل تشاركني وبقيّة العمائم فقري وجوعي وتشّردي، هل تشاركوني ذنوبي وآثامي وأنا أسرق وأرتشي وأمارس شتّى أشكال الرذيلة كي أوفّر لقمة خبز لعيالي الجياع ذوي الأسمال البالية في بلد النفط والغاز؟ هل تقفون معي لأستجدي الناس بذلّ عند ضريح الإمام علي في النجف الأشرف حيث تقيمون؟عشرات الأسئلة التي علينا طرحها عليكم، ووكيلكم يطالبنا بقبول الفقر كونه شريك للصوص سارقي أموال شعبنا. السيد السيستاني، أنت المسؤول أمام الله عن تجميل الفقر والقبول به من قبل فقراء شعبنا، أنت المسؤول أمام الله عن سكوت الفقراء عنه وعدم المطالبة بحقوقهم، لأن وكيلكم يستخدم ترياق الدين لتخديرهم. السيّد السيستاني، أحد أسماء الله الحسنى هو الغني وليس الفقير، فلماذا تريدون منّا أن نحيا فقراء!!؟؟

ألا ومن البلاء الفاقة …. (الإمام عليّ)

زكي رضا

الدنمارك

28/3/2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here