باقون ونتمدد الى حين الساعة

سامان نوح

في نيسان 1999، أدّى الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة، اليمين
الدستورية رئيساً للجمهورية، بعد سنوات دامية عاشتها الجزائر اثر الغاء
الجيش لنتائج الانتخابات البرلمانية (1991) التي فازت فيها الجبهة
الإسلامية للإنقاذ.
وفي نيسان 2004 ترشح مجددا للانتخابات لولاية رئاسية ثانية، والتي فاز
فيها بـ 83.5% من اصوات الناخبين.
وعاد في انتخابات نيسان 2009 ليفوز بولاية ثالثة وبنسبة فاقت الـ 90% من
اصوات الناخبين، بعد ان غير في 2008 الدستور ليبقى في الحكم الى الأبد،
وطبعا بتأييد منقطع النظير من الطبقة الحاكمة وتحالف اصحاب المصالح وبدعم
جيوش الاعلام المتنفذ.
وفي نيسان 2014 عاد وفاز بولاية رئاسية رابعة وبنسبة 81.5% من الأصوات،
رغم وضعه الصحي المتردي وعجزه عن اداء مهامه بعد اصابته بجلطة دماغية.
وامتدحه يومها رفاقه من العسكر وسياسي السلطة وحتى بعض وجوه المعارضة
الصورية، وجيش من الاعلاميين. صفق الجميع له كقائد منقذ، وخلفهم مئات
آلاف المواطنين ممن ترتبط مصالحهم بالسلطة الحاكمة.
وعاد في العام 2019 ليرشح نفسه، او يُرشحه رفاقه من اصحاب الامتيازات
الكبرى في السلطة ومعهم العسكر، بوجود جيش من المستفيدين من “النظام
المريض القائم” وجيش من الاعلاميين المصفقين والمهللين. لكن ملايين
الجزائرين ضاق بهم الصبر من رئيس لا يستطيع العمل ولا التحرك ولا الكلام
ويقضي جل أيامه في مستشفيات سويسرا.
فانبرى أصحاب السلطة للدفاع عن الرئيس والتأكيد على أهمية ترشحه لولاية
خامسة “فلا بديل ولارجل في الجزائر اقدر على قيادتها من بوتفليقة”،
مذكرين بدوره في ثورة الجزائرين قبل عقود، وبانجازاته الأمنية وجلبه
لاستقرار للبلاد قبل 20 عاما في اعقاب الحرب الأهلية الدموية.
ملايين الجزائريين رفضوا تلك الحجج واصروا على رحيله ومن معه دون تمديد
ولا مراحل انتقالية، في سلسة تظاهرات مستمرة ومتصاعدة منذ ستة اسابيع.
مع استمرار التظاهرات وتراخي قبضة بوتفليقة وتفكك أو تحلل عناصر دائرة
حكمه، انقلب رفاق بوتفليقة الخلصاء عليه، والذين كانوا يهتفون لترشيحه.
انقلبوا واحدا بعد الآخر حين أحسوا بالقلق من تضاءل فرص استمرار الرئيس.
ثم انقلب كبار جنرالات العسكر عليه وهم ذاتهم الذين كانوا يمتدحونه قبل
ايام بعد ان وجدوا ان مرحلته قد ولت وان عليهم البحث عن رئيس آخر ليحكموا
البلاد من خلفه.
هذه حال معظم دول المنطقة. رؤساء وقادة “تاريخيين لا بديل لهم” ينتهي بهم
الحال اما بالقتل او النفي او الاستمرار (بحكم عوامل داخلية واقليمية
مساعدة) بالحكم في ظل انتخاباتهم الديمقراطية، التي تزيد عاما بعد آخر
أزمات بلادهم السياسية والادارية والاقتصادية، تحت تأثير كارثتي الفساد
والاحتكار، لينتهوا من الكرسي الى المقبرة.
لو مُرر ترشح بوتفليقة (الميت- الحي) منذ سنوات، دون احتجاجات جماهيرية
كبيرة، لفاز مجددا وفي “انتخابات ديمقراطية شفافة” بتأكيد لجان مراقبة
محلية ودولية، وبنسبة تتجاوز الـ 80% من الأصوات. ولهللت له جيوش العسكر
والسياسيين والاعلاميين، واشادت بحكمته وقدرته وحنكته في قيادة البلاد من
سريره ومرقده في سويسرا.
لكن الرئيس السوبرمان، ومع تغير اتجاه الرياح ومسار الأحداث، انقلب عليه
اليوم حتى اقرب أصدقائه ورفاقه وجنرالاته ومريديه، ولن يحصل على 1% من
الأصوات حتى بوجود حزبه التحرري الحاكم العتيد. لا لشيء الا لأن هؤلاء من
اصحاب المغانم والمناصب والمصالح والامتيازات تأكدوا ان سفينته ستغرق.
كان الله في عون الرئيس التاريخي، وعوننا جميعا.
والمجد والخلود، لاصحاب المغانم والمناصب والمصالح والامتيازات، وطبعا
لجوقات الاعلاميين المطبلين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here