الانسولين وأخطارها –

د. بهجت عباس –

مقدّمة قصيرة

الانسولين هرمون تنتجه البنكرياس وظيفته أن يجعل الخلية قادرة على أخذ السكر (گلوكوز) من الدم وتحويله إلى طاقة تستطيع بواسطتها أن تقوم بفعّاليتها، حيث بدونها تجوع فتبحث عن مصدر آخر للطاقة كيلا تموت، وهذا ما يؤدّي إلى مضاعفات خطيرة جدّاً قد يكون الموت في النهاية. ومرض السكّر (وهو ليس مرضاً في الحقيقة بل خلل في تايّض السكر) على نوعين، 1 و 2 حيث تفقد البنكرياس قدرتها على إنتاج الانسولين لأسباب معيّنة في النوع 1 و في النوع 2 فتنتج الانسولين ولكن بكميّات غير كافية أو تعاني مقاومة الخلايا لها أو كلتا الحالين. وهنا يتجمّع الگلوكوز في الدم بدلاً من توزّعه في الخلايا لاستعماله، فيكون الخطر؛ مرض الكلية، تلف الأعصاب ؛ مشاكل العين (العمى في النهاية إن لم يُتدارك الأمر في حينه) القدمين ومرض القلب الوعائي وتلف الأعصاب وغير ذلك. فعدم استطاعة الخلايا استعمال الانسولين وهي بحاجة إلى الطاقة لتستمرّ في الحياة ولتقوم بوظائفها، تجعلها تبحث عن مصدر آخر للطاقة فتجد ضالّتها في الشحوم / الدّهون ، فتأخذ بتأييضها / تحطيمها إلى جزيئات صغيرة لانتاج الطاقة. عند هذا تتكّون موادّ كيميائية خطرة تتجمّع في الدم إضافة إلى تجمّع الگلوكوز، هذه الموادّ الخطرة، الكيتونات Ketones تسبّب جفاف الفم وراثحة خاصّة، غثيان وغير ذلك، فيحاول الجسم النخلّص من هذه السّموم بطرحها مع البول، ولكنْ في بعض الأحايين لا يستطيع الجسم التخلّص منها كلّها إنْ كانت بكميّة كبيرة، فيبقى بعضها سارياً في الدم ممّا يسبب خطراً كبيراً وقد يكون مُميتاً في حالة تُدعى بالحموضة الكيتونية Ketoacidosis .

ولمّا كانت البنكرياس عاطلة عن إنتاج الانسولين في النوع الأوّل يكون إعطاء اِنسولين خارجية للمصاب أمراً محتوماً. أما المصاب بالنوع الثاني فليس من الضرورة إعطاؤه الانسولين، فالحبوب على أنواعها تتكفل بذلك، وحتّى تناول الحبوب يكون غير لازم، فالتغذية الصحيحة والتمارين البدنية المنتظمة تجعل السيطرة على تركيز السكّر في الدم أمراً غير عسير.

ولكنْ معظم المصابين بالنوع الثاني يبدؤون عادة بتناول الحبوب، كالمتفورمين مثلاً، ثم يجدونها لا تكفي فيضاعفون الجرعة أو يأخذون معها حبوباً أخرى فلا تكفي ولذا يلجأون إلى حقن الانسولين والسبب هو سوء نظام التغذية الذي يتبعونه والكسل عن ممارسة الرياضة البدنية. فما هذه الانسولينات التي يعتمدون عليها؟

الانسولين المصنّعة

هي أنواع عدّة، فمنها ذات العمل السريع التي تدخل في الدم في 15 دقيقة وتعمل لمدة ثلاث إلى أربع ساعات ومنها ما تدخل في الدم خلال 30 دقيقة وتعمل لمدة 6 ساعات وتلك التي تعمل مدة 18 ساعة ومضخة الانسولين الاتوماتيكية التي تعطي جرعات مستمرة تلقائياً حسب تركيز سكّر الدم ليلاً ونهاراً وهكذا. ومعظم هذه الأنواع الموجودة في السوق حاليّاً هو انسولين مصنّعة مثل هيوميلين Humulin (1978) وهيومُلوگ Humolog (1996) . أمّا اليوم فإنسولين لآنتُس Lantus التي تصنعها شركة سانوفي من البكتريا إي كولاي E. Coli المهندَسة جينيّاً هي أكثر استعمالاً (تحتوي الانسولين على سلسلتين من الحوامض الأمينبة عددها 51 خامضاً أمينيّاً موجودة بسلسلتين ، A و B ) وقد وجد أنّ الحامض الأميني أسبارَجين asparagine الموجود في السلسلة A من الإنسولين الطبيعية حلّ محلّه الحامض الأميني گلايسين Glycine في الانسولين المصنّعة، وأضيفت جزيئتان من الحامض الأميني أرجنين arginine إلى السلسلة B من الانسولين المصنّعة (سانوفي – آفنتس) وقبل هذا كانت الانسولين المستخرجة حيوانيّاً، من البقر أو الخنزير، وهي من مصادر طبيعية مقاربة لانسولين الانسان، تُستعمَل على نطاق واسع. ولكنّ هذه الانسولين (الطبيعية) بطل استعمالها في أمريكا وحلّت محلها الانسولين المصنّعة عام 1982 بينما لا تزال تُستعمل في كندا وبعض الدول الأخرى. وهي (الطبيعية) أقلّ ضرراً من الانسولين المصنّعة، هذا إنْ لم تكنْ مأمونة الجانب.

الجوانب السيئة

انتفاخ الذراع والرجل، زيادة الوزن، دوخة (دوار) وصداع ، شعور بالجوع، تسارع نبض القلب ، تلعثم في التكلم، قلق وتغير في المواج مثل سرعة الغضب وعدم الصبر والتعنت والحزن. التباس ، زغبة في النوم،اضطراب في التفكير، نوبات صرع، شعور بالتعب أو الضعف وغير ذلك . أما الإنسولين المستخرجة من الحيوان ( الخنزير أو البقرة) فهي أقل خطراً. الأنسولين المصنعة بالتحوير الجيني البشري مثل هيوميلين Humulin أكثرها خطراً. لذا ارتأت الحكومة الكندية أن تبقي الأنسولين المستخرجة من الحيوان متداولة في الأسواق للاستعمال حسب التقرير الصادر من Public Health Agency of Canadaوهي (الانسولين المستخرجة من الحيوان) متوفرة في بريطانيا أيضاً.

ثمة علاقة بين زيادة جرعة الانسولين وخطر الاصابة بالسرطان وأمراض القلب في مرضى السكر النوع الثاني كما ورد في تقارير الباحثين ، كما أنّ الانسولين المحوَّرة (المصنّعة) جينيّاً تسبّب الاصابة بالسكّر النوع 1 في السكّر نوع 2، أيْ أنّ المصاب سيحصل على النوعين في آن واحد (السكّر المتضاعف) ، وبمعنى آخر إنّ البنكرياس (تتعطّل) عن إفراز الانسولين تماماً ولا يفيده في هذا الأمر أيُّ نوع من الحبوب في تخفيض سكّر الدم غير الاعتماد على الانسولين فقط. ولكن وُجد أيضاً أنّ الكركم والجنجر (زنجبيل) ذوا فائدة كبيرة في العلاج لا يخفضّان تركيز سكّر الدم وحسب، بل بل قد يعيد خلايا بيتا في البنكرياس إلى الحياة لتفرز مادة الانسولين كما ورد في بعض التقارير.

اختلاف الآنسولين المصنّعة والطبيعية يعود إلى التركيب الكيميائي، فهما ليستا متساويتين في التركيب. فالانسولين الطبيعية بعد أن تصنعها خلايا بيتا تمرّ في مراحل عدة يتغير فيها شكلها، فيكون تركيباً أوّليّاً (بسيطاً) وثنائيّاً وثلاثيّاً ورباعيّاً بطيّات متعددة قبل أن تكون فعّالة، وهذه ، بتراكيبها المتعدّدة، تكون أقلَّ خطراً. أما المصنّعة فتكون بتركيب أوليّ فقط.

هذه الانسولين المصنَّعة تعتبر حدثاً هاًمّاً في تركيب الدنا DNA الذي دخل في المحاصيل الزراعيّة المحوّرة جينيّاً الذي حصلت فيه الشركات المحوّرة على بلايين الدولارات سنويّاً غير عابئين بالخطر الداهم لصحةّ الناس في كلّ بقعة من الأرض.

ففي دراسة نُشِرتْ في Journal Diabetes, Obesity and Metabolism درس الباحثون أحوال 6484 شخصاً مصابين بمرض السكّر نوع 2 الذين يستعملون الانسولين من سنة 2000 فما بعد، حيث تتبعوا الأشخاص المصابين بمعدّل 3 سنة وأربعة أشهر في كلّ حالة فوجدوا

1110 وفاة

382 إصابة بالسرطان

342 إصابة بمرض القلب الوعائي

وقد وجدوا أيضاً أنّ زيادة وحدة إنسولين قياسيّة فقط سببت زيادة كبيرة في حدوث هذه الحالات بلغت 54% في حالات الوفاة

ولكن هل يُمكن الاعتماد على هذه الدراسة؟ إلا إذا كان هؤلاء المرضى في مستشفى واحد أو مكان معيّن تحت مباشرة أو عناية أطبّاء أو مشرفين (رقباء) حيث يتناولون طعاماً موحّداً وتحت ظروف بيئة واحدة. وماذا عن المزاج، الكآبة والهمّ والغمّ والعاطفة التي تؤثّر على أمراضهم، وخصوصاً القلب، فمتابعة شؤونهم ليست سهلة ، فكلّ فرد له حياته الخاصة ، وقد يكون سبب السرطان أو مرض القلب أو الوفاة ليس بسبب السكّر بل لأسباب متعددة أخرى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here