رئة المدينة في الحياة المعاصرة

لطيف عبد سالم

تُعَدُّ المساحات الخضراء والحدائق، فضلا عما تباين من المجاري المائية، بوصفها أماكن عامة يشكل وجودها أهمية كبرى على صعيد تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولاسيما ما من شأنه المُساهمة في تدعيم برامج الإدارات الهادفة إلى بلوغ استدامة المدينة، وتعزيز مستوى الصحة العامة، بالإضافة إلى تحسين بيئة الحياة والمحافظة عليها. وبالاستناد إلى الأدبيات العلمية، فإنَّ مردَ ذلك يعود إلى ما يفضي إليه حضور المناطق في المستوطنات البشرية من حلولٍ فاعلة في مواجهة إفرازات التطور الحضاري المتنامي والتقدم التكنولوجي المتسارع، والتي أثبتت الدراسات العلمية انعكاسها بآثارٍ سلبية في الصحة العامة وسلامة المجتمع؛ نتيجة افتقار أغلبها إلى مقومات الاستدامة.

تدعيماً لما ذكر آنفاً، فإنَّ القياداتَ الإدارية في البلدان المتقدمة، فضلاً عن البلدان الناهضة الساعية بشكلٍ جاد للالتحاق بركب الحضارة والتقدم، تبذل جهوداً حثيثة ومتضافرة في هذا التوجّه وعلى مستوياتٍ مختلفة، فلا غرابة في أن تبدأ المساحات الخضراء بغزو المدن في مختلف أرجاء المعمورة بفضل وعي تلك الحكومات لأهمية الغطاء النباتي، ولعلَّ من بين تلك الفعاليات التي تتميز بالبساطة هو قيام السلطات المحلية في بعض المدن بدعم التوجهات الخاصة بتخضير المدن من خلال تشجيع دوائرها البلدية على تبني برامج استثمارية تقوم آلياتها على الاهتمام بزراعة الخضروات في مداخلها، وعلى جانبي الطرق من أجل تحفيز الراغبين بالعمل على استغلال هذه الفرص التي يمكن توظيفها لتأمين مورد مالي يجعلهم قادرين على مواجهة متطلبات الحياة. وهو الأمر الذي أفضى إلى المُساهمة في تحول فضاءات تلك المدن إلى واحاتٍ للراحة وسط ضجيج الحياة اليومية. ويضاف إلى ذلك دور هذا النشاط في المعاونة بتحقيق الاكتفاء الذاتي أو تقليص

استيراد الخضروات من الخارج على أقل تقدير، إلى جانب فعاليته في امتصاص البطالة وتعزيزه لموارد الدخل الوطني.

المذهلُ فِي الأمرِ أَنَّ بعضَ المجتمعات عبرت عن تمسكها بالسير في مسار توسيع المساحات الخضراء في مدنها على الرغم من عدم اكتمال متطلبات إقامتها، حين تبنت مشروعات قد تبدو لنا من دهليز الخيال العلمي أو ربما يمكن أن تكون صعبة التحقق، والتي من جملتها على سبيل المثال لا الحصر ظاهرة البستنة الحضرية أو الزراعة العمرانية التي شهدت انتشارا منذ سنوات عدة في ألمانيا، حيث أبدى مزارعو مدينة برلين التي تتميز بكثافتها السكانية العالية إصراراً على تحدي أي عقبات محتملة في تنفيذ هذا النمط من الزراعة كصلابة الأرض أو عدم صلاحيتها لأغراض الزراعة؛ إذ أصبحت المباني الكبيرة، أسطح المنازل، المرائب، جوانب الطرق، العلب البلاستيكية، أحواض الزهور القديمة وغيرها من المخلفات مكاناً لإقامة أنشطتهم. ومع تطور هذه السبل في هذا الميدان، ظهرت الكثير من الآليات الحديثة التي بوسعها مساعدة الأسر على إنشاء الحدائق الزراعية، والتي من بينها استغلال المساحات والباحات القليلة، فِناء المنزل الخلفي، سطح البناء والمناطق التي لا تصلها الشمس لهذا الغرض.

في أمان الله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here