بلدة عراقية يسكنها شخص واحد فقط تعبر عن معاناة الاقليات

تقارير |

تعتبر بلدة باطانيا في شمال العراق نموذجا صارخا عن معاناة الأقليات بعد هزيمة تنظيم داعش قبل عامين وطرده من البلاد، ففي هذه البلدة لا يوجد سوى رجل واحد يعيش في حطام منزل مع خمس كلاب ضالة.
وقبل الحرب كان يعيش في هذه البلدة أكثر من 6 آلاف نسمة من طائفة الكاثوليك الكلدان، ولكن حاليا يعيش ساكنها الوحيد على الطعام الذي تقدمه له قوات الأمن المحلية مقابل أن يحرس ثلاثة مدارس جرى تجديدها بالإضافة إلى مركز طبي حديث.
وقال الحارس المسن الذي رفض نشر اسمه خشية أن تعطل السلطات ترتيباته غير الرسمية مع قوات الأمن “أنا الوحيد الذي عاد”. “ليس لدي عائلة، وهذا أفضل من العيش في مخيم”.
وأوضح أن ما يقرب من نصف الذين كانوا يعيشون في باطانيا قد هاجروا إلى الولايات المتحدة وأوروبا، في حين انتقل الباقون إلى منازل مؤقتة في مناطق أخرى من العراق ، وهم يسعون بكل جد إلى مغادرة البلاد.
“لا حل سوى الهجرة”
ونفس السياق قال رعد ناصر، 40 عامًا، في حديث هاتفي مع صحيفة “واشنطن بوست”، إنه وآخرون اختاروا البحث عن فرص للهجرة إلى أوروبا بعد دمار باطانيا، مشيرا إلى أن 200 أسرة فقط من البلدة لا تزال في العراق، وأن قلة منها فقط ترغب في العودة إليها.
وبحسب الصحيفة فإن تلك البلدة تعد مثالا صارخا على التحدي الذي يواجه الحكومة العراقية والأمم المتحدة في إعادة إعمار المناطق التي دمرها داعش خلال حرب استمرت 3 أعوام.
ووفق خبراء فإن إعادة إعمار تلك المناطق وإعادة توطين سكانها سيأخذ عشرات السنين إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، وبالتالي فإن هذا الأمر يحمل مخاطر عدة منها هجرة الأقليات المسيحية والإيزيدية، كما أن الأحوال السيئة قد تجبر الكثير من المسلمين السنة على التشدد والتطرف.
وقبل الحرب كان المسيحيون يشكلون نحو 7 بالمئة من سكان البلاد، ولكن بعد ظهور داعش تقصلت تلك النسبة كثيرا، وهي مهددة بالتقلص أكثر بسبب عدم وجود آمال لهم بالعودة لدرياهم قريبا.

وتقول بعض التقديرات أن عدد المسحيين العراقيين لا يتجاوز حاليا 200 ألف نسمة، بعد أن كان عدد يصل إلى أكثر من 1.5 مليون قبل قبل الغزو الأميركي عام 2003.
ويقول بعض المسؤولين العراقيين والغربيين إن الأموال المخصصة للإعمار والتوطين يتم توزيعها ببطء ومن خلال شبكات محسوبية يمزقها الفساد لتضيع بين السياسيين.
دعم أميركي.. ولكن!!
في محاولة لإبقاء المسيحيين والإيزيديين في بلاهم، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام الماضي قانون الإغاثة والمساءلة في العراق وسوريا – الذي ينص على تمويل مشاريع الاستقرار في المجتمعات المستهدفة بالإبادة الجماعية من قبل داعش.
ومنذ أكتوبر 2017، خصصت الولايات المتحدة حوالي 300 مليون دولار للمناطق التي كانت تقليديا موطنًا للمسيحيين والإيزيديين.
وفقًا لمسؤولي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي أنجزت 304 مشاريع لإعادة التأهيل في شمال العراق، خاصة في مناطق المسيحيين والإيزيديين.
وقال عصام بهنام، رئيس بلدية الحمدانية المسيحة، إن برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والأمم المتحدة، إلى جانب التبرعات الخاصة من الجماعات المسيحية الأميركية، ساعدت على إعادة حوالي نصف سكان المدينة الأصليين البالغ عددهم 60 ألف نسمة.
ولكنه أضاف: “لكن المساعدة لم تعالج ما قال إنه الأسباب الأساسية لمغادرة الأقليات للعراق المتمثلة في إهمال الحكومة العراقية وفشلها في حشد قوات الشرطة والجيش لتأمين مدن في الشمال”.
وختم كلامه: “يجب على الحكومة أن تنظر بجدية فيما إذا كانوا يريدون حقاً أن يبقى المسيحيون في العراق. إذا ظل الوضع على ما هو عليه، لا أعتقد أنه سيكون مستقبل لنا هنا.”
المحافظة “المظلومة”
لكن مدير صندوق إعادة إعمار الحكومة العراقية في محافظة نينوى، سالم عثمان أوضح أن الأمن لم يكن العقبة الرئيسية أمام إعادة البناء وإعادة التوطين، منوها إلى إن نقص التمويل هو المشكلة الأساسية وأن تركيز الولايات المتحدة الحصري على المناطق المسيحية والإيزيدية يتجاهل الاحتياجات الملحة للمدن الكبرى مثل الموصل.
وقال: “لقد شاركت العديد من الدول في هزيمة داعش، ونحن ممتنون، لكنهم دمروا محافظة نينوى في هذه العملية، ويجب أن يشاركوا جميعًا في إعادة إعمارها”.
وقال عثمان إن إعادة بناء البنية التحتية للمحافظة ستتكلف ما بين 20 إلى 30 مليار دولار. وقال إنه من المقرر أن يتلقى الصندوق الذي يديره 50 مليون دولار من الحكومة المركزية مع قروض إضافية بقيمة 1.2 مليار دولار من البنك الدولي والدول الأوروبية.
وقدر عثمان أن 2 في المائة فقط من نينوى قد أعيد إعمارها، وأنه يجري التركيز حاليا على إعادة تأهيل جامعة الموصل.
وبملامح يأس، ينهي حديثه: “حتى لو كان يتاح لنا مليار دولار كل سنة، فإن الأمر سيستغرق من 20 إلى 30 عام لإعادة بناء المنطقة.. هذه مشكلة كبيرة. إذا أخبرنا ذلك لمواطنينا، فسوف يثورون “.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here