فنون العراق الجميلة، موسيقات الشرق !

* د. رضا العطار .

)الموسيقات الشرقية : نعني بها موسيقى الشرق الاقصى والموسيقى العربية والمصرية في عهد الفراعنة والعراقية قبل الفتح الاسلامي والموسيقى الرومية والموسيقى الفارسية والموسيقى العبرية وموسيقى القبائل الزنجية.

وفي هذا السياق يضيف كاتب السطور الرواية التالية المقتبسة من كتاب :(الحضارة السريانية حضارة عالمية) لمؤلفه موسى مخوّل، ص 333 و 334 و 349 : بهدف اغناء البحث.

(تعتبر الموسيقى السريانية في العراق القديم من اولى ركائز الموسيقى العالمية، ويؤكد علماء الأثار ان ملحمة كلكامش هي من اعظم الملاحم الشعرية المغناة، التي عرفتها البشرية وهي من صنع الاكديين في بلاد ما بين النهرين. كما يعتقد المؤرخون ان السومريين قد وضعوا اصول الموسيقى والغناء والرقص بغية ممارستها في الاحتفالات الدينية التي نبتت وتفرعت منها انواع الموسيقى بعدئذ. وقاموا كذلك بصنع العديد من الالات الموسيقية منذ مطلع الالف الثالث قبل الميلاد. حيث وجد الكثير من العبارات منقوشة على الواح الطين بالخط المسماري. وهي تشيرالى الغناء والالات الموسيقية وقد عدّت هذه الالات بالمئات من وترية ونفخ وايقاعية ـ ـ وكان يتم تعليم الموسيقى والغناء لرجال الدين في مدارس السومريين ومعابدهم وفي مدرسة القصر المتخصصة لفن الموسيقى والغناء وكانت الموسيقى احدى وسائل العبادة في معابد الهلال الخصيب وكان لمغنية القصر مكانة مرموقة حيث كانت الموسيقى والتراتيل تنشد في المعابد اثناء القيام بالطقوس الدينية والمناسبات والاعياد. فالموروث الموسيقي في ممالك الهلال الخصيب قديم قدم ثقافة هذه المنطقة التي يمتد تاريخها من الحضارة السومرية الى يومنا هذا.)

نعود الى موضوعنا ونقول: ان الظاهرة الايجابية في الموسيقى العراقية في العصر الاسلامي هي استخدامها لنوع من التنويعات الزخرفية وهي محض اشارة فنية الى عواطف وافكار، ذلك انه عندما يقدم العراقي لحنه الغنائي مصحوبا بالة موسيقية يعمد الى تقسيم اللحن الى جمل تتخللها لوازم موسيقية بقصد التحلية، وهذه خصوصية عراقية قديمة فهي تبدو في بعض الاحيان وكانها تصطدم مع الصوت الغنائي بروحية عابرة فجائية و كانها تتنافر في صورة او باخرى وهي لا تزيد عن تنويع جميل للحن يعتمد على صوت واحد.

وبفضل اتصال الموسيقى العراقية بعد الفتح الاسلامي بحضارات الامم الاخرى، تطورت من وضعها البدائي الى حالة متقدمة، وهذا ما حدث فعلا، فظهرت موسيقى عراقية جديدة تتحضر شيئا فشيئا مبتعدة عن الانشاد البدوي الفطري التلقائي السليقي وخصوصا في قصور الخلفاء وفي الحواضر العربية الكبرى مثل بغداد العباسية والقاهرة الفاطمية وقرطبة الاندلسية وغيرها.

وقبل ظهور ( فيثاغورس ) الذي يرجع اليه الفضل في اقامة نظام (المسافات) الموسيقية او (السلالم) او (المقامات) الموسيقية نذكر الاساطير القديمة ووجود سلم ذي اساس خماسي، وهو السلم الذي يرجحه المؤرخون على ان اكتشافه قد انطلق من حضارة وادي الرافدين. اولى الحضارات الانسانية في تاريخ البشر – – – واستخدم هذا النظام الخماسي – الناقص – لان النظام الكامل يتكون من سبعة، اُستخدم قديما في الموسيقى البدائية.

فقد جعل الصينيون والهنود الحمر والاسكندريون والنرويجيون والمصريون والساميون والفرس موسيقاهم تعتمد على السلم الخماسي العراقي.
و بعد الفتح الاسلامي في العراق قام نظام القراءة القرآنية ذاته وفق نسق من الترتيل الذي يقترب كثيرا من طرائق الانشاد الصحراوية وعلى وجه الخصوص في السور الاولى المبنية على السجع. وهي الجمل الموزونة والموقعة.

وفي العراق ايضا ولانه بلد النمو المعرفي لكافة الاتجاهات، تطور نظام القراءة القرآنية عنه في المدينة المنورة ايام الرسول عليه السلام وايام الخلافة الراشدة. ففي المدينة كان القرآن يرتل بدون توقيع صوتي بينما في العراق ومصر ازدهر نوع من الانشاد القرآني الموقع. وهذا الامر ينسحب ايضا على طريقة الاذان. وهي التكبير للدعوة الى الصلاة. ويحفظ لنا التاريخ ان اول رجل تقدم للتكبير والدعوة الى الصلاة هو (بلال الحبشي) من على سطح المسجد، المسجد الاول ضمن جامع اسلامي بني على يد الرسول عليه الصلاة و السلام في السنة الاولى للهجرة في يثرب الذي تغير اسمه بعدئذ الى المدينة المنورة. وطريقة الاذان لهذا الرجل الجليل اعتمدت على التهليل وهو اسلوب اداء الحج القديم والذي يعرف بالتلبية. غير ان العراقيين طوروا نظام التهليل الى ما يعرف بالتلاعب الصوتي الذي يستخدم الحركة التناغمية للتعبير عن المضمون باستحضاره ثم اضافة نظام الصعود والهبوط اليه في الانشاد الديني.

ومهما يقال عن موقف الاسلام من الموسيقى والغناء فان اللون الشعبي بقى يتنفس وجوده في ظل الاسلام لما له من قوة حضور مذهلة وعميقة في الذاكرة العربية وفي هذا يقول الفيلسوف الشهير ابن حامد الغزالي : لم يزل الحداء عادة بين العرب في زمن الرسول وانصاره ولم يتعد تلك القصائد التي ترافقها اصوات عذبة وانغام موزونة. )

مقتبس من كتاب حضارة العراق للباحث عادل الهاشمي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here