مخاطر المواجهات و الهجمات المضادة

منذ ان توافد الالاف من العمال الى دول القارة الأوربية و التي خرجت توآ من الحرب العالمية الثانية و هي شبه مدمرة و محطمة بالكامل حتى وجد اولئك القادمون من دول شمال افريقيا و تركيا فرصة ثمينة للعمل و كسب الرزق لهم و لعوالهم التي التحقت بهم او تلك التي بقيت في الديار بأنتظار الأموال التي تأتيهم من اقاربهم و معيليهم الذين يعملون في أعادة اعمار القارة الأوربية و التي كانت اموال ( مشروع مارشال ) الأمريكية تنفق في بناء بلدان القارة المهدمة و كانت الأيدي العاملة المستوردة و بالأخص من الدول الأسلامية الفقيرة منهمكة في العمل الشاق في أعادة الأعمار و اشادة البنيان .

توالت بعد ان عم الرفاه و الأزدهار بلدان القارة الأوربية الهجرات الأختيارية التي تبحث عن المال و الأعمال و كذلك الهجرات القسرية التي تبحث عن الأمن و الحرية و الأمان و كانت معظم تلك الهجرات الأختيارية منها او الأجبارية قد جاءت من البلدان الأسلامية لما ( تتمتع ) به تلك الدول من سيطرة الحكام الدكتاتوريين و من تفشي البطالة و الفقر المدقع و العوز المادي المريع و انعدام الحريات العامة و الخاصة و قد وجدت تلك المجموعات الباحثة عن العمل و الحرية و الأمان ظالتها في القوانين الأوربية التي تضمن حق العمل و السكن و العيش الكريم لكل الذين يقطنون في بلدانهم من المواطنين و المقيمين على حد سواء لا فرق و لا تفريق .

بعد كل تلك السنين الطويلة اصبح للمواطنين المسلمين قاعدة شعبية كبيرة الحجم و كثيرة العدد تعد بعشرات الملايين من الناس ما يشكل قوة جماهيرية لا يستهان بها و تتمتع بكل الحريات المتاحة و تملك من المساجد و المراكز الأسلامية العدد الكبير و لها مطلق الحرية في ممارسة شعائرها الدينية و طقوسها الأيمانية في تلك الأماكن بكل رحابة و حرية و كانت المحاضرات و الندوات الدينية المعتدلة منها و المتطرفة و التي ساهمت و الى حد كبير في اعداد و تأهيل عدد ليس بالقليل من الأرهابيين و المجرمين العقائديين الذين استغلوا فضاء الحرية الواسع و تسامح القوانين و العقوبات المخففة في النيل من المجتمعات التي أوتهم و فيها يتمتعون بكل معطيات الحضارة الأنسانية الأوربية من العدل و الحرية و المساواة .

لم يتورع المجرمون المتدينون ( الأرهابيون ) من استهداف المجتمعات التي يعيشون فيها في هجمات دموية قاتلة و كأن روح الأنتقام المتخلفة الكامنة في نفوسهم قد وجدت طريقها للتحرر و الخروج من كهوف الحقد التأريخي المزمن على التحضر و الأنسانية فأنطلقوا يفتكون و يقتلون كل من وقف في طريق تلك الهجمة البدوية الشرسة و قد انعشت تلك الهجمات العدوانية العشوائية شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للأجانب عامة و للمسلمين خاصة و اصبح لها قاعدة جماهيرية كبيرة و مقاعد برلمانية عديدة و ازدادت حملات التخويف من المسلمين بأعتبارهم المصدر الرئيسي للأرهاب العقائدي و صار مصطلح ( الأسلام فوبيا ) هو الأكثر تداولآ في الأوساط الشعبية و الأكثر شيوعآ .

كما في كل الأشياء المتقابلة هو العنف و العنف المضاد الذي سوف يقابله و اذا كان العنف يولد آخر قد يوازيه في القوة و لكنه يعاكسه في الأتجاه عندها تكون الهجمات العدوانية و الغير مبررة لليمين المتطرف و التي تطال المسلمين من رواد الجوامع و المساجد كونهم اتباع ديانة مخالفة الصقت بهم تهمة الأرهاب و القتل العشوائي و التي استغلت ممارسات فئة أجرامية قاتلة اتخذت من بعض تفاسير النصوص القرآنية مصدرآ و مبررآ في تنفيذ العديد من الهجمات الأرهابية التي نالت من المواطنين الآمنين و كانت الراية الأسلامية السوداء ترفرف فوق موقع الجريمة و خلف المجرمين فأعتقدت الجموع من الشعوب ان كل المسلمين قتلة و سفاكين للدماء و يفتكون بكل من يخالفهم في الرأي و الأعتقاد .

في ظل هذا الجو المتوتر و المشحون بالريبة و عدم الثقة المتبادل بين المواطنين الأوربيين و الآخرين من ذوي الأصول الأجنبية او ما يسمى بمزدوجي الجنسية و هم في الغالبية العظمى من المسلمين الذين يشكلون أقلية عددية في البلدان الأوربية لكنهم مسلحون بالعداء للمخالفين بارأي و العقيدة و المدججين بالأفكار التي تدعو الى الغاء الآخر ان هو لم ( يهتدي ) و يؤمن و ان كان ذلك الأيمان اجباريآ و تحت سطوة و قوة السلاح و بين أغلبية تدافع بأستماتة عن عقيدتها و ثقافتها و ترى في الهجرة القادمة من البلدان الأسلامية غزوآ من نوع جديد يستغل التسامح في القوانين للتغلغل الى داخل المجتمعات الأوربية و تدميرها من الداخل و تصور الأمور بشكل مهول و مبالغ فيه .

اما هاذين المعسكرين المتقابلين من المتطرفين الأسلاميين و اليمينيين الأوربيين تقف المجتمعات الأوربية و هي ترقب تصاعد حدة العداء بين الجانبين و ما أحداث ( نيو زيلاند ) الأخيرة والتي ذهب ضحيتها العشرات من المصلين المسلمين في المساجد و الرد الأرهابي الذي طال المدنيين في مدينة ( اوترخت ) الهولندية الا دليل على تصاعد حدة المواجهة بين الفريقين و اذا ما اخذنا فرضية العنف المضاد الذي سوف يقابل به نكون امام مرحلة خطيرة جدآ من المشاحنات و المجابهات و منها يكون الأنزلاق نحو حافة الهجمات المتبادلة متوقعآ و حاضرآ بقوة الا اذا ما انبرى العقلاء من الجانبين في محاولة لتهدئة الأوضاع و ترطيب الأجواء و نزع فتيل المواجهات و الا فمن تطاير الشرر الصغير يندلع الحريق المدمر الكبير .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here