انعكاس العولمة على اقتصاد دول الشرق الاوسط

د. ماجد احمد الزاملي

يعتبر مفهوم العولمة إحد أهم المتغيرات الاقتصادية الجديدة والتي لازالت تثير جدلا واسعًا النطاق من حيث تحديده وأثاره وأبعاده والذي لا يمكن استيعابه إلا في ضوء تلك التغيرات وخاصة مع تزايد وتعميق مبدأ الاعتماد الاقتصادي المتبادل وتكون الأسواق العالمية وتحركات الأسعار والتغيرات في حجم ونوعية الإنتاج وتوجهات التجارة العالمية وتحركات رؤوس الأموال التي تستخدم بشكل مؤثر في المضاربة الدولية من خلال المضاربين الدوليين والتابعيين في معظم الأحيان للشركات متعددة الجنسيات التي تعمل باستمرار على تخفيض تكلفة النقل والاتصالات وتحقيق التطورات التكنولوجية ومن ثم تحقيق العولمة الاقتصادية. فالعولمة لا تخرج عن كونها السمة الرئيسية التي يتسم بها النظام الاقتصادي العالمي الجديد القائم على تزايد درجة الاعتماد الاقتصادي المتبادل، بفعل اتفاقيات التجارة العالمية والتمويل لآليات السوق وتعميق الثورة التكنولوجية والمعلوماتية والتي حولت العالم إلى قرية عالمية متنافسة تختفي منها الحدود السياسية للدول القومية ويتفق في إطارها الفاعلون الرئيسيون من دول وتكتلات اقتصادية ومنظمات دولية وشركات متعددة الجنسيات على قواعد للسلوك لخلق أنماط جديدة من تقسيم العمل الدولي، وتكوين أشكالا جديدة للعلاقات الاقتصادية العالمية الرئيسية المكونة له والذي يعتبر في هذه الحالة الوحدة الاقتصادية الأساسية بكل ما فيها من متناقضات، أن العولمة قائمة على مبدأ الاعتماد الاقتصادي المتبادل الذي يحول العالم إلى قرية محدودة الأبعاد متنافسة الأطراف ويؤدي إلى وضع إطار أعمال منظم عابر للقوميات ومن ثم يؤدي إلى عولمة الاقتصاد وبالتالي للقوميات وبالتالي عولمة المؤسسة أو الشركة أو المنظمة , أو الوحدة الاقتصادية التي تعمل أو يعمل في أي اقتصاد وبالتالي يؤدي إلى انتشار العولمة على كافة المستويات . وفي إطار العولمة تحولت المنافسة الاقتصادية والقدرة التنافسية التي تستند إلى إمكانيات الشركات متعددة الجنسيات الواسعة في استخدام التكنولوجيا لتطوير منتجاتها وعملياتها لتصبح هي الفيصل في تحديد المركز النسبي للشركات المتنافسة في الأسواق. كما اعتمدت تلك الشركات مبدأ فتح الأسواق ليصبح نوعًا من الايديولوجيا السائدة التي يحتكم إليها في تنفيذ كافة الخطوات والسياسات. المنطقة العربية شأنها شأن بقية دول العالم من حيث تأثرها بمسيرة العولمة وتطوراتها حيث أصبحت الاقتصادات العربية أكثر تواصلا واندماجًا في الاقتصاد العالمي ومن ثم أكثر تأثرًا بالأحداث والتطورات الدولية الاقتصادية.ومما يزيد من أهمية انعكاس العولمة على اقتصادات الوطن العربي هو انكشاف الاقتصادات العربية متمثلا في نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي ، يضاف إلى ذلك إن أداء الاقتصادات العربية في المتوسط يعتبر متواضعًا وأقل بكثير من أداء الدول النامية الأخرى، ويمكن القول أن التنمية في البلدان العربية أصبحت أكثر تأثرًا بالمتغيرات الخارجية وأكثر عرضة لتلقي الصدمات الخارجية، أن التحولات الاقتصادية في سياق العولمة تحتاج إلى جهود كبيرة حتى يتمكن العالم العربي من مجاراتها والتعامل معها و الاستفادة من إيجابياتها، وتجنب من ناحية أخرى مخاطرها وسلبياتها علي الاقتصادات العربية، وهذا الأمر يتطلب عملا اقتصادياً على عدة جهات حتى نستطيع التعامل بشكل مفيد وإيجابي مع العولمة الاقتصادية. تأثرت الاقتصادات العربية بشكل أو بأخر بالتحولات التي حدثت فيما يتعلق بتزايد دور مؤسسات أو منظمات التمويل الدولية في إدارةالنظام الاقتصادي العالمي الجديد من خلال آليات جديدة في إطار من التنسيق فيما بينها لضبط إيقاع المنظومة العالمية، وقد أدى ذلك إلى قيام كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي والتكييف الهيكلي لتشمل الكثير من دول العالم

في العقدالأخير من القرن الماضي وقد ترتب على زيادة أهمية الدور الذي يقوم به كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أتساع الشروط الدولية المرتبطة بالتمويل الدولي حيث أصبح الاتفاق مع صندوق النقد الدولي من جانب دولة عضو شرطًا ضروريَا للحصول على موارد مالية من مصادرالتمويل الدولية الأخرى، وهو ما يطلق عليه بضرورة الحصول على شهادة الجدارة الائنمائية الدولية بل إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أصبح أيضًا شرطًا للحصول على الموافقة على إعادة جدولة الديون الخارجية للدول المعنية مع مجموعة الدائنين في نادي باريس. ومن ناحية أخرى أصبح الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مشروطًا بتطبيق الإصلاح الهيكلي الذي يتفق عليه البنك الدولي والمشروع بإجراء تصحيحات هيكلية من قبل الدولة المدينة، وأدي ذلك إلى ظهور ما يسمى بالمشروطية المتبادلة بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ويعني ذلك إن الحصول على موارد مالية من إحدى المنظمتين يتوقف على تنفيذ اشتراطية المنظمة الأخرى حيث يشتمل النظام الاقتصادي العالمي على نوع من التنسيق بين مصادر التمويل المختلفة في ظل الشروط الدولية.ولعل وجود الشروط الدولية قد يدعو الاقتصادات العربية إلى البحث في إيجاد آليات تمويلية عربية- عربية تؤدى إلى تخفيف المديونية الخارجية عن الدول العربية المدينة من جانب، وفي نفس الوقت يعمل على إعادة هيكلة الاقتصادات العربية لتأهيلها بدرجة أكبر لتكون تكاملية وليست تنافسية،ومن ناحية أخرى العمل على أن تكون الاقتصاداتالعربية مؤهلة أكثر لجذب الاستثمارات الأجنبية داخل المنطقة العربية، بل تكون بالدرجة الأولى جاذبة للاستثمارات العربية الموظفة في الخارج لتصب في الاقتصادات العربية بدرجة أكثر، ويضاف إلى ذلك إن التغيرات في النظام النقدي العالمي سواء أسعار الصرف للعملات الرئيسية أوأسعار الفائدة العالمية يؤثر على الاقتصادات العربية البترولية بصفة خاصة حيث تعتمد صادراتها من البترول كمصدر أساس لتمويل برامج التنمية، وهذا يتطلب تعميق إعادة هيكلة الصادرات العربية لكي لا تعتمد على سلعة واحدة وهي النفط وهو يرتبط بدوره بإعادة هيكلة الاقتصادات العربية. أن المتغيرات الدولية ألقت وستلقي بضلالها على المشهد الاقتصادي العربي وسيظل الاقتصاد العربي رهينة تلك المتغيرات بل سيتم احتواء المنطقة العربية بكاملها ومن خلال ذلك سيتم انهاك الهوية الاقتصادية العربية والابتعاد عن تجسيد الارتباط العضوي من الاقتصادات العربية ويزداد التوجه نحو الخارج بحثًا عن حلول اقتصادية والمحصلة النهائية هي تزايد الثغرة والتفكك الاقتصادي العربي ولتفادي مخاطر تلك التحديات التي تفرزها متغيرات القرن الواحد والعشرين فإن الأمر يتطلب منهجًا قوميًا أصيلا على أساس أحداث تنمية مستقلة ومن ثم تكوين فضاء اقتصادي عربي شامل في إطار حوار عربي اقتصادي جاد يهدف إلى إيجاد حلول عربية مشتركة لجميع المشكلات.

أن تردي الوضع الاقتصادي العربي يبين لنا حدود الإمكانيات العربية وحيز الحركة المتاحة أمام الجهد العربي ومدى فاعليته في ضوءالمتغيرات الاقتصادية الدولية والإقليمية وفي ظل تلك الإمكانيات المتاحة لم يتمكن الجهد العربي المشترك من تجاوز الفشل ولم يتمكن من فرض نفسه على العلاقات الاقتصادية الدولية كنظام إقليمي يلعب دورًا مهمًا في رسم السياسة الاقتصادية العالمية الجديدة. بالإضافة إلى ذلك هناك العديد من الإشكاليات الأخرى تأتي في مقدمتها إشكالية الاندماج التبعى وإشكالية ضعف التوجه نحو تبني الاتفاقيات الدولية وإشكالية الازدواجية في المشاريع ومداخل العمل العربي المشترك، وإشكالية القفز فوق الواقع وحرق المراحل وإشكالية التوغل في السياسات القطرية والتخلي عن بعض الثوابت الاقتصادية القومية. ومع بداية العقد الأخير من القرن العشرين وتحديد في سنة 1991 تبلورت في النظام الاقتصادي العالمي الجديد مجموعة من التغيرات الاقتصادية العالمية التي أثرت وستؤثر بلا شك على الوضع الاقتصادي العربي، فالغات ومنظمة التجارة العالمية التي عمقت تحرير التجارة العالمية بما تحمله من أثار على الاقتصادات العربية، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتنفيذهما برامج الإصلاح الاقتصادي في تعاون وتنسيق غير مسبوق يعمق المشروطية الدولية، والتكتلات الاقتصادية العملاقة التي تكونت وأبرزت العديد من الآثار، بالإضافة إلى ما يسمى باقتصاديات المشاركة الدولية وما وضعته من تحد أمام الاقتصاد العربي يتمثل في ضرورة إقامة تكتل

اقتصادي عربي، والشركات المتعددة الجنسيات بما تحمله من تأثيرات والتي تحتاج إلى آليات للتعامل معها في إطار إستراتيجية عربية للتنمية واضحة ومحددة، والثورة التكنولوجية التي عمقت عالمية الاقتصاد والتي تحتاج إلى التعامل معها بآليات جديدة، واتجاه النظام الاقتصادي العالمي الجديد إلى خلق أنماط جديدة من تقسيم العمل الدولي والاتجاه نحو المزيد من الاعتماد الاقتصادي المتبادل. ولد النظام الاقتصادي الشرق أوسطي الجديد ضمن موجة التطورات الاقتصادية العالمية المعاصرة بصورة عامة وضمن الخطة الحديثة للمنظمة العالمية للتجارة بصفة خاصة، وطبقًا لذلك فإن الخطة الاقتصادية والسياسة الجديدة ستؤدى إلى تحقيق الرفاه الاقتصادي في المنطقة وذلك من خلال إنشاء شبكة كثيفة من العلاقات الاقتصادية بين كل دول المنطقة دون استثناء على غرار نموذج الجماعة الأوروبية وفي إطار هذه الخطة يتم بناء شرق أوسط جديد من خلال إنشاء سوق شرق أوسطية مشتركة على أساس مجموعة من المشاريع والترتيبات الاقتصادية. إن انعكاسات هذا المتغير على الاقتصادات العربية سيكون بالغ الأثر وسلبياً بكل المقاييس حيث يطرح هذا المتغير أو المشروع خارطة جديدة على الوطن العربي تمحي منها الهوية الاقتصادية العربية وتفرض هوية أخرى هي الهوية الشرق أوسطية وسينجم عن هذه العملية إعادة هيكلية واسعة النطاق للمنطقة العربية بهدف إعادة التقسيم وإعادة الخرائط.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here