‹إقليم البصرة› .. محاولة لمجاراة تقدم المنطقة تواجه بالتخوين

تسللت محافظة البصرة على حين غُرّة إلى المنطقة المحرمة عُرفياً والمشرّعة دستورياً معلنة بدء تنفيذ الأعمال القانونية لتحويلها إلى إقليم. وترمي بهذه الخطوة محفوفة المخاطر إقامة جغرافية إدارية ناجحة على غرار إقليم كوردستان.

وعقد مجلس المحافظة جلسة استثنائية الاثنين المنصرم (1 نيسان/أبريل 2019)، للتصويت على تحويل المحافظة إلى إقليم، وأيدَّ عشرون عضواً الشروع بعملية الأقلمة للمحافظة الجنوبية الغنية بالنفط. فيما شكّلَ المجلس لجنة خاصة لمتابعة القرارات المتخذة في الجلسة؛ سعياً لتعضيد الجهود الموافقة لرؤية الإقليم.

ودُشِنَت محاولة الأقلمة الأخيرة (الرابعة) فعلياً حينما جمع مجلس محافظة البصرة في شهر آب الماضي، التوقيعات اللازمة للبدء في خطوات إعلان المحافظة إقليماً مستقلاً، بعد أسبوعين من بدء الاحتجاجات السلمية المطالبة بإنهاء مظاهر الفساد والنهوض بواقع الخدمات المتدهورة.

وتجري عملية التحوّل وفقاً لقانون إنشاء الأقاليم رقم 13 لسنة 2008، بتقديم طلب إلى المفوضية العليا للانتخابات يحمل تواقيع 2% من إجمالي الناخبين في البصرة ابتداءً، وبعد تدقيق المفوضية في الطلب والتأكد من قانونيته تشرع في إجراء استفتاء يشمل قرى وبلدات ومدن المحافظة كافة، ويكون ناجحا شرط حصوله على أغلبية المصوتين.

الإعلان عن بدء عملية التحوّل إلى إقليم أثار جدلاً واسعاً بين القوى السياسية وفي الأوساط الصحفية والإعلامية، مقسمّاً الأطراف لمؤيدٍ ومعارض، فيما لقيَ تخويناً من بعض الأطراف.
انقسام ومصالح حزبية.

في أعقاب الإعلان، اتهمت كتلة ‹صادقون› النيايبة (الجناح السياسي لحركة عصائب أهل الحق المسلحة) المحاولة البصرية بتكريس مصالح حزبية محددة.

وذكر المتحدث باسم الكتلة نعيم العبودي في تغريدة على تويتر، أن ‹خطوة مجلس محافظة البصرة للتحول إلى إقليم دستورية، ولكن في ظل الوضع الراهن، فإن الأقلمة ستكرّس الانقسام والفساد»، زاعماً وجود «دعم مخابرات بعض الدول لمطالب تشكيل الأقاليم».

من جهته، توقع النائب عن الكتلة نفسها أحمد الكناني بأن تقف الحكومة الاتحادية في بغداد ضد هذا التحوّل، مشيراً في حديثه لـ (باسنيوز) إلى أن «البصرة ستفتح الباب أمام محافظات أخرى كانت تستعد لتفعيل قانون تشكيل الأقاليم سياسياً وقضائياً وأخرى حاولت ذلك بالفعل».

وأضاف الكناني، أن «تشكيل الأقاليم في هذه الدورة الوزارية قد تعرقل أو تؤثر على البرنامج الحكومي وخطة عبدالمهدي لمكافحة الفساد»، موضحاً أن «الإجراءات التي بمقتضاها تتحول المحافظة إلى إقليم تأخذ وقتاً طويلاً بالإضافة إلى أن المركز سيفقد صلاحيات عدة كانت لديه لصالح الإقليم المتولّد وهو ما تراه تقويضاً لبرنامجها».

خطوة مهمة

في المقابل، رحب النائب عن البصرة عبد السلام المالكي بتصويت مجلس المحافظة على تحريك ملف إقليم البصرة، مهدداً بـ «موقف صلب وردود أفعال كبيرة» من أبناء المحافظة في حال وجود محاولات لإفشال الخطوة.

وقال المالكي في تصريح صحفي، إن «ما مضى به مجلس البصرة في التصويت بالأغلبية على تحريك ملف إقليم المحافظة هي خطوة مهمة ونحن من الداعمين لها شعبياً وسياسياً؛ كوننا نعتقد أن البصرة ظُلمت كثيراً وحذرنا مراراً وتكراراً من مخاطر هذا الظلم والتسويف للحقوق لكن دون استجابة من الحكومة الاتحادية».

وأضاف المالكي، أن «البصرة عانت ما عانت رغم أنها تمثل رئة العراق الاقتصادية، وتأملنا خيراً من الحكومة في معالجة الوضع فيها لكن دون جدوى، ما يجعلنا ملزمين بالدفاع عن حقوق جماهيرنا».

وتابع المالكي، أن «أية محاولات أو ضغوط يمضي أي طرف للقيام بها لإفشال خطوات تفعيل ملف البصرة كما حصل بالمرات السابقة سيقابله موقف صلب من أبناء المحافظة وردود أفعال كبيرة بعد أن فاض الصبر وخابت الظنون بكل الوعود السابقة».

إشكال قانوني

ومن أجل تشكيل الإقليم فإن الحكومة المحلية تتقوم بإجراءات قانونية، ولكن المحالة من بدايتها تواجه« إشكالاً قانونياً» كما يرى الخبير طارق حرب.

ويقول حرب إن مجلس محافظة البصرة انتهت ولايته منذ حزيران 2017، وهو أشبه بمجلس تصريف أعمال؛ وبالتالي لا يملك الغطاء الكافي لإنشاء استفتاء لتشكيل إقليم.

وأضاف حرب أن المادة 119 من الدستور وقانون الإجراءات الخاصة بتكوين الأقاليم رقم 13 لسنة 2008 أجاز تحويل محافظة وأكثر من محافظة إلى إقليم ولكنه اشترط أن يحظى بموافقة 10 بالمئة من تأييد سكان البصرة وبعدها تبدأ المباشرة بالإجراءات مثل مخاطبة رئيس الوزراء الذي بدوره يخاطب المفوضية العليا للانتخابات.

وأوضح حرب أن خطوة مجلس البصرة في مخاطبة الحكومة الاتحادية لن تحظى بالموافقة إذ إن عمل المجلس كسائر المجالس الأخرى انتهى في حزيران 2017.

صراعات واسثمارات

وفي سياق آخر، يشير مراقبون إلى أن مشروع الأقاليم خاضع لصراعات سياسية بين الأحزاب في بغداد والبصرة ناشئة عن الرغبة بالسيطرة على واردات النفط والمنافذ الحدودية.

ويضم هذا الصراع المجلس الأعلى الإسلامي وحزب الفضيلة والتيار الصدري وحزب الدعوة ومنظمة بدر وتيار الحكمة، ويبقى مشروع الإقليم مرهون بقبول الحصص المقسمة بين الأحزاب والتوافق عليها.

من جهتهم يقول مراقبون آخرون إن البصرة تحاول الخروج من دائرة سياسات المركز بغية فتح أبوابها أمام الاستثمارات الأجنبية كافة والسيطرة على أمنها.

وبنظرهم فإن التحولات الجارية في المنطقة تستدعي أن تحظى البصرة باستقلالية تمكنها من الالتحاق بركب الدول الخليجية على الصعيد الاقتصادي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here